إلى أبوي ّ ردكما الله لا در دركما

ردكما الله لا در دركما

أبي

أبي لشد ما أعتب عليك، منذ فراقك افترق عن قلبي مهجتي، وما بعد عني بنانك بعد عني حنانك، ما رأيت أبا ضاحكا لابنه أو غاضبا لفعله أو الى أبوي. إلى أبيماسكا بيده -فكأنهما جسد واحد- شعرت بلوعة أسى وصبابة لتلاق بعد فراق، والدمع بقلبي مشتاق هائج، يحن إلى عودة من على يده شببت، فهذا أجيج في عيني وغصة في حلقي ولهيب يعصف بقلبي ما خلت حياتي معك، وما رأيت ابنا تحت ذراع ابيه إلا وتوليت عنهم لا آلو لهم نظرا، لست أعلم ما كان بينكما، ولست أعلم لم كانت فرقتكما، إلا أن ما هادني ظلام إعراض، وكل منكما للآخر ناقس، ليت اليد تلمس اليد فكأنما بحر هائج هدأ وعقد جمان ارتبط، ليت اليد تلمس الرأس فتتثق بينهما عرى، وترتبط الأواصر بغير حبال، ارتباطا لا متر له، إن العين لتحن والذكرى في الفؤاد تضطرم كلما رسب عليها الزمان رماده، أبي أرجو لك عودة، وأرجو لو يكون ذكرك لي كذكري لك، وأرجو لقلبي اشتعالا خيرا من أن يصيب قلبك شرر، فتالله إني لأسعد لو علمت أنك ذكرتني خيرا أو شرا، وإني لأعلم أن لن ينسى أب ابنه، وأنك إنما (تعتل) بالسفر للتسرية عن نفسك، ولن تنسى ولن أنسى، ولنا لقاء ولو بعد زوال السراب.

والدتي

إلى أمي، إلى أبوي

والدتي، إني ليعز علي غيظك، وتعز علي غيرتك، ويعز علي أهلي، ويعز علي القطع، والله حرم وحلل، وبين وفصل، فلم القطع ولا نشوز أو إعراض، أين أنا من هذا، أحلت ينبوع الهلاهل بحر تيه في ظلمات لا أرى فيها نجما فأهتدي ولا شطئ له فأرسو، ما مقام الحياة دون عودتكما من قلبي إلا مقام هش، لا يسع وطأ قدم، نفسي تائهة تبحث عن مرشد، وعقلي عمه فلا سكون له، وفكري متردد فلا منسم له، حسبي من الدنيا أن أراكما مجتمعين فيبرق في هذا الليل سنا أبصر به طريقي فأرسو، إنما تعصف الهموم بمن لا صديق له فلا يستطيع لها ردا ولا يملك عليها صريخا، ما كان من ابتهالي إلى الله فهو لجمع شملكما، فلولا تقتربان فيتفرق السحاب وتبرق الشهب، فما من نجم إذا خبا نجمكما، ما كان بينكما فلأجل ولدكما فلا يعب بعضكما الآخر ولا تناقسوا فما كان ضياع النفس إلا بعد انفصام العرى، وما كان ليكون لو لم تُريِدا، فعودا إلى قبل أن تقلبني اللجج فإني لا أطيق لها ردا أبويّ، ما أنا بعدكما إلا كذرة بفلاة تتلاعب بها رياح الأهواء بعدما سقطت الحوائط من حولي فلا أجد سدا ولا أستقر على حال حتى أصير إلى أخرى، إن في نظرات الأب إلى ابنه والوالدة لولدها ونظرته لأحدهما شيئا يبعث القلب على الانقباض، أفرأيت إن كانا كالجسد والروح لا تستطيع بينهما تفرقة في الفعل والقول، شيئا يستعصي عليّ تبينُه، بيد أني أشعر بفقده، أشعر بفقدانه بين ابتدار عيني في خلوة في ليل بهيم وبين جمود العين بعدما ألفت البكاء، فهل من وصل بعد قطع وهل من ربط بعد جدع، سينقشع الضباب ويرى النور كشمس مسفرة خلف الجبال، لكن متى؟ أبعد أن تنسف؟

أضف تعليقك هنا