من هم العلماء؟ ……….. ورثة الأنبياء؟!

قد تكون المشكلة لدينا في استخدام كلمة “علماء” كامنة في التصور الذي زرع في الأذهان تجاه هذه الكلمة، و فيمن يستحقونها عبر زمن ليس بالقليل، فمنذ مئات السنين؛ تمحور إطلاقها على فئة من الناس تكلمت أو كتبت  فيما يسمى اليوم “علوم الشريعة” من فقه وحديث وتفسير وغيرها، وباعتبار هذه الكلمة ووقعها على الأسماع و الأفهام و ماتحمله من اعتبار، أصبحت هذه الفئة من الناس هي المستهدفة في السؤال، و توجب عليها الإجابة حينئذ عن كل الأسئلة المطروحة حتى ولو كان خارج إطار معرفتها، كالأمور السياسية والعسكرية وحتى العلمية كالكيمياء و الفيزياء و غيرها، وقد كان لوقع الاجابات تلك أثرا سلبيا فيما بعد وخاصة أن تلك الاجابات اصطبغت بصبغة الدين المقدسة كونها صدرت من “علماء” في الشريعة.من هم العلماء ورثة الأنبياء؟ - د. محمد سيد يوسف ٣

ان التعريف الذي يعتبر أكثر رواجاً في العالمين العربي والإسلامي و ما ينصرف اليه الذهن مباشرة عند إطلاق لقب “العالِم” في مجتمعاتنا، الى أولئك العارفين بشرع الله، المتأولين لآياته ، المتفقهين في دينه، وأيضا أولئك المتحدثين في العلوم الاسلامية المختلفة ذات الطبيعة الشرعية اللاهوتية الدينية!، و هو انصراف ذهني تأدلجت عليه العقول العربية والاسلامية منذ عصر التدوين وإلى يومنا هذا دون ان يطرأ على هذا المفهوم اي نوع من التطوير او التجديد، مستندا على فكرة الأفضلية المطلقة لهذه العلوم عن غيرها و كونها علوما تصلح معها الدنيا والآخرة !!! مقارنة بالعلوم الأخرى التي تُصلح الدنيا فحسب!

على الضفة الأخرى، وفي العالم الذي يشهد قفزات نوعية في الأبحاث والإكتشافات، فإن كلمات “علم ” و “علماء” قد خضعت لنقاشات و مسارات متعرجة و مختلفة عبر التاريخ لمحاولة التحديد الدقيق لهذه الكلمات و فصل معناها عن معنى المعرفة المجردة (وهو ما لم نحاول القيام به لحد الآن)، ليستقر معناها في نهاية تلك المحاولات لتكون بمعنى العلم المادي و التجريبي مستبعداً منها الثيولوجيا (الدين واللاهوت)  والميافيزيقيا (ما وراء الطبيعة) وتمييزا لها عن مجالات معرفية أساسية مثل الفلسفة و الأدب والتاريخ و اللاهوت، وهو ما حدى بالبعض الى محاولة وضع منهج يستلهم منهج العلوم الطبيعية في المعارف الاجتماعية والانسانية المختلفة لترتقي من كونها معرفة لتصبح علماً بحد ذاتها.
ويعرف العلم على هذا النحو بأنه منظومة الأفعال والأقوال التي يمارسها العلماء في بحث ودراسة الظواهر الطبيعية والإنسانية ومحاولة تفسيرها وفهمها والكشف عن حقائقها المحتملة على الدوام،  باستعمال المنهجية التجريبية والاستدلالية العقلانية. وقد يساهم في دعم القائلين بهذا التعريف كون كلمة ” علماء ” و ” عالمون ” وردت في كتاب الله بعد الحديث عن قضايا تخص تفاصيل الطبيعة الكونية.من هم العلماء ورثة الأنبياء؟ - د. محمد سيد يوسف ١ وانطلاقا من هذا المفهوم فإن ” العالِم “: هو المبدع الذي يتسم بمخرجات فكريّة أو علميّة أو في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة الأخرى، شريطة أن تكون هذه المخرجات نافعةً للبشريّة وتمثّل إضافةً جديدة على النّتاج العلمي أو الفكري للبشريّة، وليتم استثناء كل ما عدا ذلك من لقب “عالم “.

و على الرغم من كون الفاصل بين المعرفة والعلم اصبح أكثر وضوحا في العالم المتحضر، إلا اننا ما زلنا نخلط بين الأمرين بشكل فوضوي دون تفريق بين من يخزن المعلومة ويعرضها وبين ذاك الذي يسعى جاهداً  لاكتشافها والغوص في دلالاتها وكنهها.

لقد كانت وظيفة الانبياء الأساسية هي توعية الناس وتبصيرهم نحو الحقائق الكلية الخافية عن العقول والأذهان، وتقديم الإرشاد في سبيل الإصلاح المجتمعي عبورا الى ضفة الإزدهار والرخاء من خلال اطلاعهم على أساسيات السنن الكونية والتي تحقق نفعا عاما للبشرية فيما اذا اتبعت، ولذا استحق كل من قدم نفعا للبشرية على نحو غير مسبوق ان يكون وريثا للمنهاج النبوي والذي يبدو واحدا من حيث كونه ينشد النفع للبشرية.

من هم العلماء ورثة الأنبياء؟ - د. محمد سيد يوسف ٤

” العالِم ” لا يمكن ان يكون مجرد عارف بنوع او مجموعة من المعارف، أو ممن يظهرها  او يعرضها بأي شكل من الأشكال  ، فـ ” العلم ” آلية للتفكير و منهج في البحث والتقصي و وضع الاستنتاجات للوصول الى حقيقة جديدة ومختلفة، والتي دائماً ما تتكشف عن أبعاد مختلفة أخرى  لحقائق أخرى في كل خطوة تخطوها الى الأمام في هذا السبيل.
و وفق هذا الفهم؛ فإنه لا يمكن وصف “الدراويش” المقلدون لأسلافهم، و المكررون لأقوال سابقيهم، حذو القذة بالقذة، بأنهم “علماء” بأي شكل من الأشكال.

إن إعادة إعطاء الأشياء مسمياتها الحقيقة، خطوة مهمة في سبيل الإصلاح، في سبيل التوصيف الأكثر قرباً للحقيقة و البعيد عن السبيل الشيطاني في تسمية الأشياء مسمى غير مسماها الحقيقي (شجرة الخلد و ملك لا يبلى) في سبيل الوصول لهدفه المنشود ؛ زلل الإنسان الى الإضلال والضلال.

أضف تعليقك هنا

د. محمد سيد يوسف

كاتب سوري مهتم بالشؤون الثقافية والفكرية