الدولة الاسلامية مقابل الدولة العلمانية

للأسف الشديد غاب عن المخيال* السياسي للمسلمين التصور الواضح والبسيط للدولة، وضاعت العقلية الإسلامية في النقاش الفقهي عن شرعية الحكم، وغرقت في كتاب الماوردي، وانحصرت الجهود في محاولات الإنقاذ منه، ولما تنجح إلى اليوم.

تطور الدولة الاسلامية مقابل تطور الدولة العلمانيةغاب عن المخيال السياسي للمسلمين التصور الواضح والبسيط للدولة، وضاعت العقلية الإسلامية في نقاش فقهي عن شرعية الحكم.

فبينما قدمت العقول البشرية الغربية تصورات مختلفة ومتطورة عن الدولة استمر العقل الإسلامي في حالات تخبط السابح الذي فقد كل مهارات السباحة وظل يلطم ويشكو الذي أضاع عليه حكم الكمال وخلافة الرشد، لوم بني أمية واتهامهم بانهيار نظام الخلافة الراشدة شكل القيد العقلي الذي أعاق العقل المسلم عن الإبداع في طرح النظريات السياسية المتجددة التي ترافق تطور المجتمعات البشرية ومواصفاتها، وتغير أنماط السلوك الاجتماعي من مجتمعات بدوية إلى زراعية ومدنية وصناعية ومعرفية، إن تغير أنماط المجتمعات ينبغي أن يرافقه تطور في نظريات الحكم وكذلك نظريات العلاقات الدولية.

الدولة الاسلامية ما بين النضوج والتقليد

كان اتهام بني أمية بهدم نظام الخلافة الراشدة، قد شكل القيد العقلي الذي أعاق العقل المسلم عن إبداع وطرح نظريات سياسية متجددة

كثير من المفكرين المسلمين تبنى نظرية أن الأمة فقدت النظام السياسي المثالي وعاشت منذ عهد بني أمية في الظلم والقهر والتهميش، للأسف تبنى هذه النظرية وسوق لها كبار علماء المسلمين، آن الأوان أن نصحوا وأن ندرك ان أنظمتنا السياسية في مجال الحكم كانت أنضج من كل الأمم التي عاصرتنا تاريخيا، وفقدنا هذا النضج عندما توقف مخيالنا عن إبداع التصورات الحديثة، واتجهنا إلى تقليد الأمم التي سبقتنا في بناء التصورات، وهي أمم تختلف عنا ثقافيا ودينيا وقيميا وإرثا تاريخيا، لا يليق بنا تقليدهم بحال من الأحوال، وينبغي أن نعلم أن مجرد تقليدهم هو انحطاط وتدهور تاريخي بحق أمة كلّفها الله أن تكون قدوة للأمم.

الدولة العلمانية ما بين العدل والإجرام

بالإضافة إلى نظرية سقوط الخلافة الراشدة فلقد زاد الطين بلة على العقل المسلم حيرته في تقييم الحضارة الغربية، فلقد وقف العقل المسلم حائراً أمام الحضارة الغربية الحديثة وبدى عاجزاً عن تقييمها التقييم الصحيح، ولم تسعفه للأسف النخب الثقافية بمختلف مشاربها بمنحه الإجابات الشافية عن التساؤلات التي يطرحها واقع هذه الدول، فهي من جانب تقدم العدل والرفاهية والقيم النبيلة في داخلها، ومن جانب آخر فهي الوحش المجرم الذي يرتكب جرائم إبادة الشعوب ونهب مقدراتها ومنعها من التقدم والتطور. فالمواطن المسلم في الدولة الغربية يمتدحها ليل نهار والشعوب المسلمة تكتوي بنارها وجرائمها، ولذلك وجد بعض المسلمين أن أفضل حل لمواجهة هذا الواقع هو الإنتماء لهذه الدول والتمتع بمزاياها كمواطنين.

بناء الحكم الإسلامي في الدولة الاسلامية قدمت العقول الغربية تصورات متطورة للدولة، واستمر العقل الإسلامي في حالات تخبط السابح الذي فقد مهارات السباحة

من أجل الخروج من أزمة ضياع وحيرة العقل العربي والمسلم في بناء الحكم الإسلامي لا بد من اعتماد الاطلاع على الإنتاج الفكري لواضعي أسس النظرية للدولة الغربية الحديثة، مما يساعدنا على فهمها، وكذلك يوفر الخبرة لطرح أسس نظرية لبناء النظام الإسلامي الملائم للقيم الإسلامية، متفادين الوقوع في شرك التقليد الأعمى. في هذا الإطار سيكون من المفيد جدا الاطلاع على تصور الفيلسوف الإنكليزي “هوبز” وهو أول من قدم تصورا بسيطا عن شكل الدولة، وقد صورها على شكل تنين بجسم إنسان، يشكل مجموع أفراد الشعب جسم هذا الوحش الخرافي. يصلح هذا التصور البسيط لإيجاد الفارق بين تصورنا للدولة الإسلامية والدولة الغربية العلمانية، وفهم هذا الفارق الذي يحار العقل المسلم في فهمه، إن كانت الدولة العلمانية يمثلها مخلوق خلاياه هم أفراد الشعب وجسم هذا المخلوق يتمتع بالصحة الجيدة ويتمتع الأفراد بها، إلا أن هذا المخلوق هو مجرم لص قاتل متوحش يتغذى على حقوق الشعوب الأخرى.

يمكن لنا كمسلمين أن نتبنى نفس التصور ولكن المخلوق الذي سيشكل جسمه المسلمون هو مخلوق صادق يكره الظلم ولا يسرق ولا يعتدي على الضعفاء ويسلبهم حقوقهم ويبيد الشعوب. والفارق بين المخلوقين هائل ولا يمكن إلا أن يختلفا في كل شيء من التشكيل العقلي والعاطفي لأفراده إلى القيم التي يتبناها، ولا بد أن يطال الاختلاف كذلك السلوك الداخلي والخارجي.

وعلى هذا ينبغي أن يعمل المفكرون المسلمون لوضع نظرية الدولة الاسلامية الذي سيمثلها المخلوق المعافى بَدنيا والمحمود سلوكا، وليس كالدولة الغربية المعافى بدنيا والمجرم والمكروه سلوكا.

– انتهى –

* المخيال: تعني الخيال

أضف تعليقك هنا

فيصل عثمان آغا

كاتب سوري مهتم بالشؤون السياسية والفكرية