العقيدة وتجديد الدين

لم يعرف المسلمون مصطلح العقيدة في بداية دين الاسلام فلم يستخدم الصحابة هذه التسمية ولا التابعين ولم ترد في القرآن أو السيرة النبوية، وإنما برز هذا المصطلح في عصر ما بعد التابعين، وحضور مصطلح العقيدة في الثقافة الاسلامية كان نتيجة انفتاح المسلمين على الأمم الأخرى بعد التوسع في الفتوحات الكبرى.

ظهور مصطلح العقيدة ظهور مصطلح العقيدة

أفرز تفاعل المسلمين مع ثقافات الأمم تحديات فكرية حقيقية وأضحى الفضاء الديني يستقبل افكارا وتساؤلات لم يعتدها المسلمون مما دفع علماء المسلمين للإجابة على هذه التساؤلات وكذلك التصدي لبعض الأفكار الواردة التي لا تلائم ما استقر في قلوب وعقول المسلمين مما فهموه من القرآن والسنة، فبرز مصطلح العقيدة كمجموعة من الأفكار التي اجتهد بها بعض العلماء، مستندين على أدلة من القرآن والسنة على صحتها وقُدمت هذه الأفكار للمسلمين لاعتناقها كإجابات لتساؤلات طرحتها البيئة الثقافية التي فرضت على الأمة، وبما أن العقيدة مجموعة من الأفكار البشرية فكان من الطبيعي أن تنتج البيئة العلمية أفكارا متعددة وبالتالي عقائد متعددة.

علاقة العقيدة بالإيمان

العقيدة حلت محل الإيمان

يعتمد القرآن والسنة مصطلح الإيمان مقابل الكفر، ومن المستغرب أن تحل العقيدة محل الايمان فيصبح ما يقابل الكفر هو العقيدة الصحيحة وليس الإيمان، ونتيجة تعدد العقائد وجد المسلمون أنفسهم أمام أزمة كبرى في تاريخهم وهي أزمة التكفير وأزمة الإنتماء، فلم يعد يكفي المسلم الإيمان وأركانه بل صار لزاما عليه أن ينتمي لعقيدة تسمت باسم عالم أنتجها وإلا أصبح انتماءه للاسلام والإيمان منقوصا، فنتج لدينا الطوائف الاسلامية التي تحتلف في الانتماء العقائدي، وكل طائفة تنظر للأخرى على أساس وجود حواجز وأسوار تفصلهم عن بعضهم البعض أنها حواجز أقرب ما ينطبق عليها قل يا أيها الكافرون لا أؤمن كما تؤمنون.

حل الأزمة

ازمة العقيدة وتجديد الدين

الحل المباشر للخروج من أزمة الأمة التي أنتجتها علوم العقائد و أحيانا يسمى علم الكلام هو بالتخلي عن هذا العلم ومنتجاته وهذا بالفعل ما دعى له بعض علماء المسلمين، ولكن هذا ما لم ولن يتحقق لأن التفاعل الثقافي بين الامة المسلمة والأمم الأخرى مستمر إلى يوم القيامة وهذا سيدفع الأمة دائما إلى هذا النوع من المنتجات الفكرية.

حسب رؤيتنا أن الحل يكمن في تأطير منتجات هذا العلم ونزع كل أسباب توليد الأزمات المحتملة في المجتمع المسلم، وهنا نطرح بعض الأطر التي قد تساهم في ذلك:

1- توضيح الفرق بين العقيدة والايمان، وما يلزم المؤمن هو أركان الإيمان التي وردت في القرآن والسنة.
2- فك الارتباط بين العقيدة والكفر، واعتبار العقيدة منتجات فكرية لعقول بشرية لا يزيد ايمان من يعتنقها ولا ينقص من يهملها.
3- ربط العقيدة كمنتج فكري بشري بالبيئة الثقافية التاريخية التي كانت عليها الأمة وقت انتاج العقيدة.
4- العقيدة منتج فكري يتغير ويتجدد وبما يلبي متطلبات الأمة الآنية في علاج مشكلاتها الراهنة.

إن تجديد الدين الذي حدّث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبط بشكل كبير بتجديد العقيدة، فالأمة اليوم ليست بحاجة الى نقاش التجسيد والخوض في اختلاف التصورات في فهم ” يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ” ومتى تخلق الأفعال، بل الأمة اليوم بحاجة الى عقيدة تحفزهم على العمل والانتاج الفكري والعلمي والتخطيط والتنظيم والوحدة، عقيدة تعيدهم الى الإعمار واستعادة زمام المبادرة للقيادة في الحياة الدنيا.

فهل يلتفت العلماء إلى هذه الزاوية المهمة في تجديد الدين؟

أضف تعليقك هنا

فيصل عثمان آغا

كاتب سوري مهتم بالشؤون السياسية والفكرية