تونس حاضنة للجميع

خلية إجرامية تدعو إلى قتل الشيعة و المسيحيين
“مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ”

نجح الليلة قبل البارحة أعوان منطقة الأمن الوطني بتاجروين في إيقاف شخص تبين أن بحوزته رسائل إلكترونية تدعو إلى قتل الشيعة والمسيحين و إستهداف السياح الأجانب، و بالتحقيق مع المظنون فيه تم التعرف على باقي عناصر المجموعة التي تتبادل في ما بينها هذه الرسائل الالكترونية وفق مصدر أمني ورد هذا الخبر بجريدة الصباح الغراء بتاريخ 20 نوفمبر 2016 بركن عيون و آذان بالصفحة الثانية بالون الأزرق الغليظ .

و اعتقد أن هذا الخبر يستحق الوقوف عنده لأهميته من ناحية و لخطورته من ناحية أخرى على الأمن العام. و الملفت للنظر إستعادة المؤسسة الأمنية بكل فصائلها المتحدة و الموحدة لدينامكيتها و يقظتها و سرعتها للتفطن لكل شارد و وارد.

أليس الأمن عين الشعب و حارسه المؤتمن الأمين على الأنفس و الممتلكات و الساهر على هبة الدولة بالحس الوطني الموصول بفكر النضال الوطني منذ تأسيس قرطاج على يد ملكة صور عليسة 814 ق م و بالمخزون الموروث بالوطنين الرواد المخلصين للوطن و المخلصات كالبربرية المخلصة الولهانة بافريقية و حامية حماها من غزاة الوطن “الكاهنة” و بالجنرال المهاب الوطني البربري كسيلة أمير البربر الذي قتل غدرا و لم ينصفه التاريخ. فاغتياله حسب رأيي لم يكن ما يدعي أهل السنة و الجماعة لردّته و خروجه عن الدين الإسلامي و إنما لعدم طاعته للفاتح العربي الذي أكن له تقديرا مع المؤاخذة و اللوم لعقبة بن نافع الذي أمره يوم فتح جلولة القريبة من القيروان ليسلخ الخرفان بعدما قام هو و أتباعه بالذبح فكانت إهانة للجنس البربري وهم أبناء الوطن الأوائل.

فإغتيال البربري للمسلم الفاتح للقيروان غيلة عجلت لمقتله من أهل السنة كردّ فعل فكانت واحدة بواحدة علما و أنّ عقبة دفين بسكرة الجزائرية تولى إمارة القيروان و خلع مرتين كما تولاها كسيلة لسنوات خمس و أظن متأكدا الشهيدان كان لهما صراعا سياسيّا طائفيا عشائريا و تغلبت لغة العصبية القبلية بالمفهوم الخلدوني للفظ. و هذا يستدعي اليوم تحقيقا تاريخيا يتناوله المؤرخون بقراءات جديدة و بمعايير أخلاقية بعيدة عن التعصب المذهبي و الديني و استعانة بالامازيغ إن كانت لهم وثائق لتداعيات الأحداث . أليس الأمازيغ جزء من شعبنا دون انفعال حفاظا على وحدة نسيج المجتمع التونسي المتلاحم و المتعايش مع الكل من تاريخه الطويل … الطويل… الطويل.

و قد كان لهم جزءا هاما في النضال الوطني لم ينقطع إلى الآن فالواجب على الوطن الاعتراف بمخزونهم الثقافي و المادي و الامادي و المحافظة على هويتهم . فلا معنى اليوم لمفهوم صحيح للعروبة و الإسلام بالإقصاء و التهميش و إنّي انوه بفكرة متحف وطني خاص بالامازيغ حافظا على الذاكرة الوطنية و المخزون الحضاري المجيد في تناغم مع روح المجتمع المدني و الدستور و ثوابت الأمة التونسية. فتونس حاضنة و محضونة لجميع أبنائها. بل أن تونس رائدة في التسامح و الذوبان في الأخر بعفوية قلّ نظيرها في العالم، حتى المتقدم.

بفضل المخزون التاريخي وما تهيأ لها من أرضية دينية معتدلة توحد ولا تفرق و تجمع ولا تشتت و لعلّ مع التأكيد كان للقيروان الدور المهم في تأسيسي الفكر المعتدل و المتسامح و التنويري بفضل مشائخ جامع عقبة كأول حاضن لقيم الإسلام مازالت جلية بروح الفاتحين المتشوقين لمزيد الفتوحات بأخلاق التسامح و نشر المحبة بين القبائل المتصارعة و المتقاتلة في شمال افريقية ففكر التسامح و الاعتدال كان هدفا و غاية بمنهجية التعامل اليومي فسحنون مثلا رحمه الله ركز المذهب المالكي و نشره وما ورد عنه تعامله مع العصاة باللين و الرفق حتى أنّ سكيرا مجاورا له لم يؤذيه لعربدته هو قاضي قضاة افريقية فلمّا حال الحوّل صلّى سحنون بالجامع الكبير على أذان ذاك السكير فقد استوعب قوله تعالى في خطابه لرسوله صلى لله عليه وسلم القدوة المهداة ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “.

الفكر السلفي الجهادي

فهل استوعب الفكر السلفي الجهادي هذا الفكر السحنوني الممزوج بفكر الرسالات و الأديان في تعايش يحسب للإسلام و السلف الصالح و التابعين و اتباع التابعين و لمن اهتدى على هديهم إلى يوم الدين؟

إنّ مأساة المسلمين اليوم و قديما التنكر لقيمة الحرية الشخصية و الإيمان بقيمة العمل كفرض إيماني و تغليبهم الفرائض على الأخلاق . الم تحضن اليهود لما اطردوا من أوطانهم ؟ الم تحضن الموريسكيين فتابهت بهم تونس علما و فنّاو اقتصادا ؟ أليست تستور و سليمان و العالية من صنع هؤلاء ؟

علما أن التونسيين من تاريخ طويل كانت نظرتهم للأخر التقدير و الانسجام و الذوبان دون خلع جبتهم الوطنية هذا قبل الاستقلال و مع الحركة الوطنية بل اخبرنا القدامى بشراستهم ضد الاستعمار الفرنسي و المقاومة المسلحة الشعبية تيقظت من أول يوم من دخول أول جندي للتراب التونسي على خلاف ما سجل في ذاكرتنا الشعبية و أن المقاومة تاريخ انطلاقها بظهور الحزب الحر الدستوري التونسي على يدي مؤسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي و إنّي استغرب كطالب زيتوني ما وقفت عليه من مباركة بعض مشايخ الزيتونة للاحتلال الأجنبي و تهليل لمعاهدة المرسى 1881 . إن الواجب التحفظ أمام الخبر بالتعليل و تسليط قانون الجرح و التعديل كما حدث للحديث النبوي في المتن و الرجال لقراءة جديدة تليق بذاكرة التاريخ. فما كل ما ورد من ماضينا السياسي و الاجتماعي قران منزل له القداسة.

و هذا دور النقاد و الباحثين من أهل الاختصاص. إن دوري كشاعر لم ارتقي أكاديميا و إنما دوري الإثارة و النبش في المسكوت و الممنوع فيه. و إني أستغرب و بكل إدانة من مسلـّم مشكوك في إسلامه بحكم إنتمائه للإرهاب دعوته لقتل المسيحيين و الشيعة فكل من رفع السلاح في وجه البشرية أعتقد أن الدين الإسلامي لا يتشرف بالانساب إليه و لو أدى فرائضه ليلا و نهارا فحاشا لمسلم يؤمن بالله و اليوم الأخر عدوانيا معادي للأديان قال تعالى : ” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” و قال : “لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ” و عزز بقوله ” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” و على هذه المبادئ الربانية الفاضلة فلا يحق لمسلم أن يجاهر بالعداوة للمسيحية وهي دين قديم سابق إعترف به القران بقوله: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ”. ما دامت لا تحارب دين من الأديان على الأرض قاطبة فمن حق المسيحيين العيش معنا بأمان و في سلام.

بل الإسلام حفظ لهم حرياتهم الدينية و الإنسانية و دافع عن كرامتهم و من لم يؤمن بالأديان السابقة و عادها فقد انسلخ من دينه أليا . أمّا الدعوة إلى قتل الشيعة فهذا عين التطرف و الغلو الديني المرفوض من القران للنص : ” لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق” ثم من هم الشيعة حتى ندعو إلى تقتيلهم ؟ أليسوا مؤمنين مسلمين مثل أهل السنة و الجماعة بمعتقد إيماني صحيح ؟

السنة والشيعة في تونس

فالخلاف بين اهل السنة و الجماعة و الشيعة لم يكن أبدا خلافا عقائديا و لم نسمع بها في تاريخ أهل السنة و لم يشككوا في المعتقد الشيعي بكل مذاهب فقهائهم على الإطلاق فالخلاف بين الشيعة و أهل السنة خلاف مذهبي حكمته ظروف تاريخية و سياسية مختلفة و إخترقها أعداءا للطرفين لأجندات من الأفضل نسيانها و الواجب الدعوة للتقارب و التعاون و التصدي للعدو الحقيقي الصهيونية و التعايش السلمي الأخوي فالسنة و الشيعة أختان شقيقتان لدين واحد و ما يجمعها أكثر ممّا يفرقهما علما و إن فرقة الزيدية الشيعية أقرب إلى أهل السنة لقولها بإمامة الفاضل مع المفضول و لا تسبّ الصحابة رضوان الله عليهم جميعا و بهذه المقاربة فقد كانت الزيدية كمذهب شيعي سباقة لتوحيد المذاهب و قد انتصرت مذهبيا بالذود عن الحرومات و حفظت المخزون المادي و لامادي لآل البيت و باتت مرجعا يعتمد عليه في الدراسات العلمية و الثقافية و السياسية لفترة زمنية رديئة في تاريخ الإسلام السياسي فحفظت موروثا يستحق العودة إليه الاستئناس به لقربهم من الصدق و المصداقية و بقربهم من فكر المالكية حتى يصعب على الدارس التفريق بين الزيدية و المالكية .

و ما انتشارها في بلاد اليمن السعيد و ترسخها كمذهب ثابت بعلماء و مشائخ أجلاء أفاضل فتناغمت و تماهت كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فاستغلظ و استوى على عرشه يعجب الزراع . فلا خوف من انتشار المذهب الشيعي بالمفهوم الزيدي المعتدل المتسامح و إنّما الخوف كل الخوف من فكر الشيعي بمذاهبه الفكرية المخالفة لروح الدين الإسلامي في أبعاده العميقة و في أبعاده الحضارية المرتكنة إلى الكونية الإنسانية الخالدة . و الخوف كل الخوف من مذاهب تفرق و لا توحد.

قال تعالى في كتابه العزيز: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”. و الواجب شرعا و عرفا و أخلاقا إصلاح ما فسد من مذاهب الشيعة بروح تعاليم الإسلام السمحة بعلماء من أهل الشيعة نفسها ممن عرفوا بالاعتدال و الرشد و التنوير و العلم بمقارعة الحجة بالحجة في إطار ضوابط الدعوة المحمدية الأولى بأخلاق اللين و الإرشاد و التسامح فالدعوة المحمدية قائمة على هذه القيم الرائدة للإنسانية قبل ظهور منظمات حقوق الإنسان و بذلك توسع الفتح الإسلامي شرقا مغرب مستدلا لقوله تعالى لما بعث موسى و هارون عليهما السلام إلى فرعون الطاغية باسلوب قل نظيره و عزّ وجده

قال تعالى ” اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ” و إنّ كان لي بصيص من الأمل في الفهم و الإفهام فما على الرسول إلا البلاغ. و كفى المؤمنين شرّ القتال. و خير ما يختم به الكلام كلام الواحد العلام وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا”.

أضف تعليقك هنا