آلان تورنغ، مأساة عالم لم تشفع له عبقريته

العالم آلان تورنغ (الان تورنج) Alan Turing

من يقرأ مقالي هذا عن طريق جهاز الكمبيوتر أو الهاتف الجوال أو غيرها من الأجهزة الإلكترونية، فإلى آلان تورنغ يعزو ذلك الفضل. إنه آلان تورنغ Alan Turing. ذلك العالم الرياضياتي، وعالم الحاسوب الآلي، وعالم التحليل المنطقي، ومحلل الشفرات بالغة التعقيد، وعالم البيولوجيا النظرية، والأب الروحي والمؤسس لعلم الذكاء الاصطناعي.

نشأة ودراسة آلان تورنغ

لقد ولد آلان تورنغ بمايدا فالي بلندن عام 1912، والده يوليوس ماثينسون تورنغ، وهو ابن رجل دين من كبار تجار اسكتلندا والتي استقرت بعد ذلك وأقامت في هولندا. أما والدته فهي إثيل سارا، ووالدها من كبار مهندسي السكك الحديدية من عائلة بروتستنتية إيرلندية، وكان له أخ أكبر يدعى جون.

حين مولد آلان كان والده يؤدي الخدمة المدنية في الهند البريطانية حين إحتلال بريطانيا للهند، ولكثرة أسفار والداه ما بين إنجلترا والهند اضطرا إلى تكليف أسرة من متقاعدي الجيش لرعاية شئون ولديهما، وكان ذلك له عظيم الأثر على آلان تورنغ في ذلك الحين من حيث البعد عن الوالدين، وكذلك صرامة وخشونة معاملة القائمين على تربيته، وأيضاً صعوبة وقسوة مدرسته الداخلية التي التحق بها فيما بعد.
على الرغم من صعوبة وشدة تلك الحقبة من حياة آلان تورنغ إلا أنه أظهر براعة وإبداع في سن مبكرة جداً.

دور آلان تورنغ في الحرب العالمية الثانية

لقد ازدهر وتجلي نبوغ آلان تورنغ أثناء الحرب العالمية الثانية بين دول الحلفاء – والتي كانت من بين دولها بريطانيا – وبين دول المحور – والتي كانت ألمانيا النازية من أهم الدول المتزعمة لها.

لقد استطاع آلان تورنغ بعبقريته الفذه ونبوغه العلمي أن يحلل شفرات آلة الإنجما، تلك الآلة التي كانت ترسل ألمانيا النازية من خلالها رسائل مشفرة إلى قواتها البحرية المتجهة إلى بريطانيا.

جهاز آلان تورنغ للتشفير وفك التشفير

كان ذلك الجهاز في ذلك الحين جهازاً بالغ التعقيد في التحليل والتشفير وكذلك في التعامل معه، إلا أن آلان تورنغ والفريق الذي كان يترأسه استطاع أن يصارع الزمن ويتحدى الصعوبة ويدمر المستحيل في أقل فترة ممكنة، لأنه كان يخضع تأخر لمعادلة صعبة جداً، حيث أن معيار سرعة إنجازه يتوقف عليه إنقاذ لحياة مواطن بريطاني في كل ثانية.

وبالفعل استطاع آلان تورنغ أن يهزم ذلك الجهاز من خلال اختراعه لآلة سميت فيما بعد بآلة تورنغ، تلك الآلة تستطيع قراءة وتحليل الشفرات.
لقد كانت آلة تورنغ بمثابة محاكاة بين العقل البشري الذي لديه القدرة على المعاينة والبيان والتحليل وبين الذكاء الاصطناعي.
لقد استطاع تورنغ أن يعمل على تقصير فترة الحرب العالمية الثانية في أوربا على أدنى تقدير إلى سنتين، بالإضافة إلى تحقيق الغلبة والنصرة للجيش البريطاني، مما يعني أنه أنقذ حياة الملايين من المواطنين الأبرياء الذين لولاه لتعرضوا إلى تحت عجلات الآلات الحربية التي لا تبقي ولا تزر من شئ إلا وتحوله إلى فناء وعدم.

المثلية الجنسية لآلان تورنغ 

لم تشفع كل تلك الإنجازات لآلان تورنغ خطيئته المثلية الجنسية ، على الرغم من كونها كانت تعد مرض نفسي يستوجب العلاج، إلا أنها كانت أيضاً جريمة تستوجب العقوبة، ويخير كل من يمارسها إما بعقوبة السجن أو الحقن بالهرمونات الأنثوية يومياً لمدة عام كامل.

لقد اختار آلان تورنغ الاختيار الثاني وهو الحقن الهرموني من أجل التحول الكيميائي، إلا أنه لم يستطع تحمل آلام تلك العقوبة، وكذلك تحمل فصله من عمله الإداري في الإتصالات الحكومية البريطانية وافتضاح أمره بها، وأيضاً تحمل فصله وافتضاح أمره في جامعة مانشستر التي كان يقوم بالتدريس فيها.

انتحار آلان تورنغ

لم يستطع آلان تورنغ الصبر والمثابرة على تلك الآلام والصعاب والأحزان التي ألمت به، فاختار أن يكتب لنفسه فصلآ مغايرآ من النهاية التي فرضتها وحتمتها عليه قوانين دولته، لذا اختار آلان تورنغ لنفسه نهاية الخلاص من الحياة بالانتحار عن طريق تناوله تفاحآ مشبعآ بمادة سيانيد البوتاسيوم السام، ليسطر بذلك آلان تورنغ – كما كان يعتقد – ختامآ لعمره وجد فيه الراحة من آلام العقوبة والأنس من الوحدة التي فرضت عليه والسكينة من حياة يشوبها قوانين مجحفة متعسفة غير قادرة على عدم المزج بين الحياة الشخصية وبين الحفاظ على القيمة العلمية والفكرية.
فهل حقآ. يصدق في آلان تورنغ مقولة:

لا كرامة لعالم في قومه

 

أضف تعليقك هنا

د.فاتن سعيد

دكتورة في الفلسفة اليونانية