الاضراب عن الطعام – من سلسلة انبوب اختبار “4” – في سجون الإحتلال الإسرائيلي

في حقيقة الامر فاني كنت قد عزمت ان اجعل هذا الموضوع في نهاية السلسة حتى لا اكون من اؤلئك الذين يختارون من المواضيع ما يجلب الشهرة والتباهي ولكن كوني قد خضت التجربة بصورة جماعية قبل اعوام اربعة وكون احد ابناء بلدتي يعاني الان الام الاضراب عن الطعام لما يربو عن ثلاثة اشهر, وهو الاسير احمد ابوفارة وكون الموضوع صار بحاجة الى تسليط ضوء تفصيلي بعيدا عن يوميات الاستغاثة والاستجداء والآلام التي لا يشعر بها إلا الدائرة المقربة من الاسير وتحديدا عائلته وبعض من زملائه في الاسر فقد حان الوقت للحديث بألم عن هذه المسالة.

يشكل الاضراب عن الطعام احد الاسلحة الاستراتيجية الاخيرة والقليلة بيد الحركة الاسيرة وهناك تاريخ حافل بالإضرابات وملفاتها التفصيلية لا يمكن التعرض لها هاهنا لان الامر ليس استعراضا تاريخيا ولا سردا قصصيا للأمر بل الحديث عن سلاح يشبه رصاصة الرحمة التي ربما يطلقها الاسرى على انفسهم لينالوا ما يريدون او يرفعوا عقوبات حلت بهم او يطالبون برؤية اهل غيبهم المحتل بحجة المنع الامني او لعدم وجود صلة قرابة بين الاسير وأمه او ابيه او ابنائه الذين من صلبه وهذا ليس من الروايات ولا من خيال الشعراء بل واقع مرير اليم يمكنك التأكد منه بالسؤال فقط ولا اتمنى لك تجربته واقعا.

الاضراب عن الطعام  

يكون الاضراب في أيامه الأولى صعبا بصورة متوسطة إذا ما قيس بألم الأيام التي تأتي مع التقدم في الاضراب.
الاضراب عن الطعام في سجون الإحتلال

والإضراب بصورة مختصرة هو الامتناع عن تناول الاطعمة والسوائل عدا الماء لفترة زمنية وحسب قانون المحتل فأنت لا تعتبر مضربا عن الطعام إلا اذا امتنعت عن تناول تسع وجبات فما فوق وهذا يعني بلغة الايام ان اول ثلاثة ايام من الاضراب غير محسوبة قانونا عند المحتل، ومن ثم اذا استمر اضرابك فان قانون المحتل يقول ان يعرض عليك المدعمات الغذائية في اليوم الخامس عشر وإذا بلغت اليوم الخامس والثلاثين فانه يتوجب على المحتل حسب قانونه ان ينقلك الى المشفى ويتابعك متابعة حثيثة ويكون الاضراب في ايامه الاول صعبا بصورة متوسطة اذا ما قيس بألم الايام التي تأتي مع التقدم في الاضراب.

لماذا يضرب الأسرى في سجون الإحتلال عن الطعام؟

والسؤال الذي يتبادر بذهنك ايها القارئ الكريم ما الدافع الذي يجعل الاسرى يضربون بصورة جماعية او فردية ؟ والجواب متعلق اولا بمعرفة طبيعة المحتل وكيفية تصرفه في القضايا الحياتية اليومية فلا عجب ان يكون ما يقارب ثلث القران يتحدث عن القوم وعكننة صدورهم ومكرهم الذي يكاد ان يزيل الجبال فيعمد المحتل كل فترة الى سحب الانجازات التي حققتها الحركة الاسيرة خلال فترة الصراع الممتدة وذلك من باب التضييق المتعمد وعدم جعل الاسير في ضنك دائم، وعل كلمة الانجازات خدعتك بحروفها البراقة فظننت ان السجون عبارة عن فنادق لذلك لا ضير ان ابين لك ما المقصود بالانجازات في لغة الحركة الاسيرة فمثلا كان التلفاز ممنوع البتة وتم نيله بعد اضراب اسرى سجن نفحة الصحراوي اوائل تسعينات القرن المنصرم وأمور اخرى منها جهاز المذياع الترانزستور وأمور تتعلق بالطعام كالخضار والفواكه واللحوم التي تكون مسموحة بصورة محددة جدا ولا يمكنك تجاوزها وهناك ايضا زيارة الاهل والعلاج الطبي وعزل بعض الاسرى في زنازين انفرادية لأعوام بحجج واهية، وهناك امور تصغر عند من لم يذق مرارة السجن ولكنها امور مهمة جدا للأسير مثلا كإغلاق الباب على الاسير وعدم فتحه لفترات طويلة وقطع الكهرباء والمنع من الفورة “الفسحة ” لأيام او منحها بحدها القانوني حسب المحتل إلا وهو ساعة يوميا حسب رغبة ونفسية السجان القميء وأمور كثيرة اخرى تحسب من الانجازات بدءا من المخيط وصولا الى المطالبة برؤية والد او والدة مدنفين قبل ان يواريهما المنون الثرى.

فكلما جاء مدير جديد لمصلحة السجون الصهيونية يبدآ كما الانظمة العربية الشمولية بحملة عقوبات ورفع لتسهيلات مزعومة قام به سلفه في المنصب وهناك امور اخرى تعد سببا للإضراب مثل الاعتقال الاداري التعسفي العفن وسنفرد له بإذن الله تعالى مقالا بعينه وتطول الاسباب غير ان الحرية والمطالبة بها والكرامة وصونها تبقيان عنوان كل اضراب.

أنواع الرضراب عن الطعام

الاضراب الجماعي عن الطعام

هناك نوعان من الاضراب عن الطعام حسب تجربة الحركة الاسيرة الاضراب الجماعي والإضراب الفردي ونتحدث اولا عن الاضراب الجماعي وهو اضراب لا يطول عادة ويكون مطلبيا بصورة متدحرجة ككرة الثلج والمقصود ان مطالب اول يوم ليست نفسها في اليوم العاشر وهذه الاخيرة لا تقارن بمطالب اليوم العشرين فكلما ازداد عدد ايام الاضراب ازدادت المطالب تفصيلا وتصلبت الارادة واحتدمت المواجهة حتى تصبح المعركة معركة كسر عظم لا غير، وآخر اضراب جماعي كان اضراب الكرامة عام 2012 حيث كانت المطالب تتمثل في اخراج المعزولين من الزنازين الفردية والسماح لأهل غزة بزيارة ابنائهم والسماح للممنوعين امنيا من الضفة بزيارة ذويهم ومطالب حياتية تتعلق بالاكتظاظ في الغرف وملف الاهمال الطبي، وقد تحققت المطالب الاساسية الثلاث بصورة او اخرى غير ان الاضراب كان لفترة طويلة أي ما يقارب الشهر وكان المضربون من فصائل ثلاثة فقط مما اطال المدة وأرهق الجمع المضرب وحقق انجازات اقل من المطموح اليه وكان هناك من يحاول افشال الاضراب ولكن يكفيه ان عاد بخفي حنين وباء بالفشل في مساعيه.

فالإضراب الجماعي عادة ما تكون ايامه قليلة وحاسمة ويشكل فشل الاضراب الجماعي ضربة قاصمة للحركة الاسيرة ويعتبر مدخلا لتغول المحتل وفرض سياسات جديدة اشد تنكيلا من الاولى.

الاضراب الجماعي عن الطعام

والنوع الثاني من الاضراب هو الاضراب الفردي والمقصود منه على الاغلب هو الحرية او تحديد سقف زمني للاعتقال الاداري لان المحتل جعل الاعتقال الاداري عصا العقاب على اللاتهمة إلا ظنونا وشبهات او مكائد ونجح الاضراب الفردي في تسليط الضوء على مصيبة الاعتقال الاداري، غير انه ترك اثرا سلبيا على الحركة الاسيرة وربما لن يروق هذا الحديث البعض غير ان هذا هو الواقع فلقد رفع الاضراب الفردي السقف الزمني لأي اضراب بدءا من الاضراب الجماعي وانتهاء بالإضراب الفردي نفسه، والدليل ان اضراب الاسرى الاداريين عام 2014 استمر ما يفوق الشهرين وكان تعنت المحتل فيه طويلا وكثيرا وأما الاضراب الفردي فالأسرى المضربون عن الطعام احمد ابوفارة وانس شديد يناهزون الثلاثة اشهر دون بادرة حل وتعنت بالغ من المحتل، مما يشكل خطورة على الاسير تصل الى حد الاستشهاد او الخروج بعاهة مستديمة لا سمح الله.

وبالحديث عن الاضراب الفردي فلا بد من نكأ الجرح عميقا فانه وبالاستقراء ومتابعة الواقع يكون الاسير المضرب عن الطعام وحيدا طريدا مستهدفا ولا يكتوي بنار المعاناة معه إلا امه وأبيه وزوجه وذويه وبعض المخلصين.

اما باقي الشعب فتجمعهم اعتصامات خجولة لساعة او ساعتين على مضض ثم ينطلقون الى ملهاتهم الدنيوية وكان الاسير قد انتهت معاناته قبل رحيلهم ثم يغيرون صورهم الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي لأيام قليلة ثم يعودون لصور المراهقة الفكرية والعاطفية ويبقى الالم والمعاناة للأسير ودائرته المقربة في صراع مع الثواني واللحظات، ومن ثم يدخل الاعلام فتجد اهل الاسير من محطة لأخرى يناشدون ويستغيثون والمجيبون كالأنظمة ما بين شجب واستنكار وتهديد وتوعد وتقارير تطول وتقصر وتعرض ساعة الذروة وتحذيرات المسئولين تملا الشاشات، ولا ادري ماذا يفعل المقبل على الموت بالتحذيرات والتهديدات ان حصل له مكروه يعني يقول هذا المنطق الكسيح انه اذا مات الاسير فالويل لك يا محتل والثبور ولا يوجد من يقول فننقذ هذا وإخوانه ولنكف عن الوعيد والتهديد.

من انعكاسات الاضراب عن الطعام

ان المحتل في العام المنصرم عمد الى سياسة جديدة مفادها ان يصل الاسير المضرب عن الطعام الى حد معين يصاب فيه بعاهة ما مستديمة وبخلل وعطب يصعب التشافي منه ثم بعدها يعطي الاسير ما يريد ان اجلا او عاجلا وهنا لا بد ان تعلم ان الجسد وبالتجربة لا ينسى مثل هكذا حرمان فيرده اليك مرضا في قابل الايام.

ان الحركة الاسيرة قد ارهقتها الاضرابات الفردية والجماعية على حد السواء ولكن يبقى الاضراب حيلة من لا حيلة له مع انه ارهاق للجسد وللنفس وللأهل إلا انه كما قلت سلاح اخير في يد اسير يتعاطف معه شعبه على خجل ويعسف المحتل بحقوقه وحريته دونما رحمة، وفوق ذلك يطالب الاسير بالوقوف مع اخوانه المضربين ان كان في الخارج وان يتضامن معه ان كان في ثنايا السجون فيا له من شعب يقف معظمه متفرجا فيما يطالب الاسرى ان يكونوا متعددي المواقف والنضال والمواهب فيا له من واقع مخز ومخيف.

لم يبلغ المرء حده في الكتابة عن هذا الجرح العميق ولكن ربما تكون هذه الصيحة والصرخة ليست كسابقاتها صيحة في واد او نفخة في رماد، والله اسال ان ينصر كل اسير على سجانه وان يمن علينا بما ينهي ملف الاسرى بالكلية وان يجمعنا بهم كما يكتبون على صورهم في ربوع الحرية في وطن محرر حر.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة