الله تعالى … والشيطان والجن !!

عندما تطلع على موروث فكري لأي شخص من الذين تميزوا بالإبتعاد عن الوسطية والإعتدال والموضوعية والحيادية تحت أي عنوان ديني أو مذهبي تجد في هذا الموروث الميل الكبير والواضح لما يعتقد به هذا الشخص مبتعداً عن العقل والمنطق والشرع في طرح أفكاره, فتجده مرة يبرر أشياء يستقبحها العقل والشرع والمنطق ويحاول بطرق شتى أن يشرعنها ويدخلها في عقل الإنسان البسيط حتى تصبح من الثوابت والمرتكزات العقلية والعقدية عنده, ومرة أخرى ينفي بعض الأمور العقلية والشرعية ويقدح بها بطريقة لا تختلف عن سابقتها لكن هذه المرة في النفي وليس في الإثبات كم في الحالة الأولى….
وإبن تيمية من أبرز الأمثلة على مثل هؤلاء, فمثلاً في ما يخص عقيدة ابن تيمية في رؤية الله سبحانه وتعالى في الرؤية الواقعية ورؤيا المنام نجده : يصحح الحديث الذي يخص الرؤيا, يدافع ويبرر عن عقيدته في الرؤيا, أما في ما يخص رؤيا ومشاهدة شخصيات كالخضر والمهدي فإنه ينفيها ويقدح بها ويعتبر ذلك هو رؤية شيطان وجن, ففي الأولى – رؤيا ورؤية الله – عند ابن تيمية هذا الأمر ممكن جداً ومتواتر عليه عند الصالحين وغيرهم, على الرغم من أن تمت رؤيته هو الله الخالق الذي ليس كمثله شيء, أما في الثانية – رؤية ورؤيا الخضر والمهدي – فهي غير ممكنة على الرغم من كونهم مخلوقين ومن يقول بذلك فإنه شاهد الجن والشيطان !! وسنبين ذلك من كلام إبن تيمية …
قال إبن تيمية في ( بيان تلبيس الجهمية 1/325-328)….
(( الرؤية وإن كان في الأصل مطابقاً فقد لا يكون مطابقاً ….. وإن لم يكن مماثلا للحقيقة الخارجة مثل ما يراه الناس في منامهم وقد يرى في اليقظة من جنس ما يراه في منامه فإنه يرى صوراً وأفعالاً ويسمع أقوالا وتلك أمثال مضروبة لحقائق خارجية …. ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس قال بعض المشايخ: إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلا ينكر ذلك …. وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام ولكن لعلهم قالوا لا يجوز أن يعتقد أنه رأى ربه في المنام فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يرى في المنام فهذا مما يقوله المتجهمة وهو باطل مخالف لما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها بل ولما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم ….))…
وهنا نلاحظ كيف إن إبن تيمية يبرر لرؤية الله في المنام وفي الواقع بحيث جعلت هناك :
1- مطابقة بين الأصل ” أي مطابقة الصورة التي شاهدها الرائي وبين أصل صورة الله ” سبحانه وتعالى عما يصف الظالمون, بحيث نرى إن إبن تيمية لديه صورة أصلية لله سبحانه وتعالى ويريد أن يطابق عليها ما تمت رؤيته في المنام وفي الواقع!!!!!.
2-عند إبن تيمية يمكن رؤية صورة خارجة وليس في المنام فقط ويمكن سماع الأقوال ” الصوت ” ويرى حركات ” أفعال ” وهي مطابقة للأصل !!!!.
3-عند ابن تيمية يجب أن تكون الرؤيا والرؤية مشابهة لما يعتقد به الإنسان في ربه !! أي عندما يعتقد الإنسان بأن ربه ” بقرة ” كما في عقيدة الهندوس فإنه يجب أن يرى صورة البقرة في المنام وهذا يعني إن هناك شرعية لهذه العبادة حسب فكر إبن تيمية, وهنا نذكر ما قاله المرجع الديني العراقي السيد الصرخي الحسني في المحاضرة الرابعة من بحث ” وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الإسطوري ” حيث قال في تعليقه على هذا المورد الذي قاله ابن تيمية (ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه ) …
{{… هذا إقرار مِن ابن تيمية بصحة اعتقادات المشركين، وتعدّد آلهتهم، وصحّة عباداتهم، فكل منهم يرى ربّه بالصورة المناسبة لاعتقاده في ربّه… وهكذا تصحّ عبادة مَن يعبد الملائكة والجن وعيسى وعزير (عليهما السلام) وباقي الأشخاص مِن بني الإنسان، وتصحّ عبادة الصلبان والشمس والقمر والكواكب والسماء والهواء والأرض والطيور والبقر والفيل والثعابين والفئران وغيرها مِن آلهة منتشرة في كل بقاع وأصقاع الأرض، فإنّه الله قد أتى بصور وتجليات مختلفة حسب مستويات إيمان الناس!!! ….}}.
4- نرى إن إبن تيمية يرفض إنكار طائفة المعتزلة لإمكانية رؤية ورؤيا الله ويبطل إنكارهم ذلك معللاً السبب هو في أجماع سلف الأمة وأئمتها وما اتفق عليه عامة عقلاء بني آدم !! أي إن علماء الأمة وسلفها وعامة عقلاء بني أدم اتفقوا على إمكانية رؤية ورؤيا الله سبحانه وتعالى حسب ما يقول إبن تيمية !!!!.
هكذا يبرر إبن تيمية لما يعتقد ويؤمن به حتى وصل الأمر بأنه ينكر ويبطل ما يقوله من يختلف معه بالرأي ويخرجهم خارج العقل والمنطق ويخرجهم كمخالفين لعلماء الأمة وسلفها, وهذا يعني أن هؤلاء المخالفين كفار ومخالفين ويستحقون الذبح والقتل وسفك الدماء لمخالفتهم تلك !! في حين نجده ينفي إمكانية رؤية من هم دون الله سبحانه وتعالى من المخلوقات ومن البشر ويجعل تلك الرؤية أو الرؤيا هي رؤية ورؤيا شيطان وجن !!!…
يقول ابن تيمية في منهاج السنة ج / ص 259 (( وأعرف في زماننا غير واحد من المشايخ, الذين فيهم زهد وعبادة يظن كل منهم أنه المهدي, وربما يخاطب أحدهم بذلك مرات متعددة, ويكون المخاطِب له بذلك الشيطان, وهو يظن أنه خطاب من قبل الله)) ….
وأيضاً يقول في منهاج السنة ج 8 / ص / 262 (( ومن هؤلاء من يتمثل له الجنى في صورة, ويقول : أنا الخضر ويكون كاذبا. وكذلك الذين يذكرون رجال الغيب / ورؤيتهم إنما رأوا الجن, وهم رجال غائبون, وقد يظنون أنهم إنس, وهذا قد بيناه في مواضع تطول حكايتها مما تواتر عندنا ))…
وهنا نلاحظ إن إبن تيمية قد نفى أي إمكانية لرؤية ومشاهدة واللقاء بالخضر والمهدي ” عليهما السلام ” وإعتبر ذلك هو رؤية أو مشاهدة للشيطان والجن !!! وهنا نسأل إبن تيمية عن قوله (ويكون المخاطِب له بذلك الشيطان, وهو يظن أنه خطاب من قبل الله ) كيف تقول ذلك في الوقت ذاته أنت تقول بإمكانية رؤية الله في الواقع وفي المنام وتكون الرؤيا أو الرؤية هي حسب اعتقاد الشخص – صالح أو غير صالح – بربه ؟ ألا يعتبر ذلك تضارب في الرأي وتناقض في العقيدة ؟ فإن قلت لا يمكن رؤية الله في المنام وفي الواقع فكيف تتبنى هذا الرأي في كتاب تبليس الجهمية ؟ وإن قلت بإمكانية ذلك فكيف تعرف إن المُخاطِب هو الشيطان وليس الله ؟ بأي طريقة يمكن أن تستدل على ذلك ؟ فأنت تعتقد وتؤمن وتروج لفكرة ومعتقد إمكانية رؤية الله سبحانه وتعالى في المنام وفي الواقع !!.
السؤال الآخر الموجه لإبن تيمية هو : كيف تنفي إمكانية رؤية المهدي والخضر ” عليهما السلام ” وتعتبر تلك الرؤيا أو الرؤية هي رؤية شيطان وجن في حين لهم أصل صورة أصلية وصوت أصلي وأفعال وحركات ويمكن مطابقتها مع ما تمت رؤيته في المنام والواقع, بينما أعطيت إمكانية رؤية ورؤيا الله سبحانه وتعالى وتقول بالمطابقة مع أي شيء ؟ لا يوجد صوت اصلي ولا صورة أصلية ولا أفعال وحركات أصلية حتى يمكن مطابقتها مع ما تمت رؤيته في المنام ؟ فكيف تنفي الأولى وتعتبرها رؤية جن وشيطان وتثبت الثانية وتعتبرها واقع وممكن ؟!.
إن الدافع الحقيقي لإنكار إبن تيمية ونفيه رؤية ومشاهدة واللقاء الخضر والمهدي ” عليهما السلام ” هو لبغضه المهدي تحديداً وإنكاره له لأنه يعتقد بأن المهدي هو من بني أمية وقد حكم وانتهى حكمه عندما كان الإسلام عزيزاً في عصرهم كما يقول, وما جاء على ذكر الخضر إلا من اجل إغلاق باب الإحتجاج به في إمكانية رؤية المهدي, أما تبريره وتبنيه عقيدة رؤية الله هي من أجل التكفير وقتل وذبح الناس كما يقول المرجع الديني العراقي السيد الصرخي الحسني في المحاضرة العاشرة من بحث ( الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول ” صلى الله عليه وآله وسلم “), حيث قال …
{{… الآن اسألوا عمّا يحصل للإنسان وما هي أسباب ومناشيء الرؤية وما يحصل للإنسان من أحلام ومعاني في المنام، من أين تأتي هذه؟ فإذا هذا يُفكر بالشاب الأمرد القطط الجعد، يفكر بربه، يفكر بإلهه ويضع له صورة ويشبّه إلهه بزيد أو بعمر من الناس ويسعى لأن يرى الإله في المنام، فكم مرّة منهم سيرى ربّه، وكم مرة منهم رأى ربّه، كم مرة منهم كاشفه الجن بصورة هذا الشاب الأمرد وأعطاه التعليمات في التفجير وأراه وكشف له زيفًا الجنة والنساء والأزواج والنعيم والخدم والسرر في الآخرة، يفجّر أو لا يفجر نفسه؟ بالتأكيد سيفجّر نفسه، فإذا كان الإله بهذه الضحالة يأتي في المنام على هيأة شاب يقضي معه الليالي والأيام، زيد وعمر من الناس، شيخ الضلالة فلان وشيخ الضلالة فلان فأقرأ على الدنيا وعلى الإسلام وعلى الأديان السلام!! إذا كان هذا الإله يأتي في المنام لكل من هبّ ودبّ فلماذا لا يفجّرون أنفسهم هؤلاء، هؤلاء قد غُرر بهم، فعلينا أن نسعى على نهج النبي على نهج أمير المؤمنين على نهج الصحابة، نأمر ننهى ننصح عسى أن يهتدي هذا أو يهتدي ذاك …}}.

بقلم :: احمد الملا

أضف تعليقك هنا