الواهم

فى مرسمه المقدس نراه يعكف على لوحته الجديده ، بداها منذ ثلاث ليالى ومازال العمل مستمرا ، النهار والليل يتلاحقان دون شعوره بمرورهما وكانه فى فجوه من الزمكان تفقده الشعور بوجوده المادى ، يجرى حوارا روحيا بينه وبين هذه الخطوط المرسومه التى تشكل معا مجموعه من الملامح المجهوله الغير مفعمه بالحياه ، تضفى بعد ذلك الوانه الهادئه بعضا من الحيويه لتبدو اللوحه الان اكثر وضوحا.

انها صوره لفتاة فى مقتبل العمر تبتسم ابتسامه هادئه وينسدل شعرها الفاحم على كتفيها لتبدو كملاك تمثل فى صوره بشريه ، يبتسم الان ابتسامه المنتصر وكانه حل لغزا كونيا عجزت العقول عن حله ، يتجه الى لوحه كبيره ممده على الارض ويقوم برسم دائره كبيره يخط فيها مجموعه من الخطوط المتشابكه مشكلتا مجموعه من الفراغات المثلثه ويضع بكل فراغ شمعه ، والان وقت اضاءه الشموع ، يضع اللوحه فى منتصف الدائره ويغلق عينيه ويتمم بلغه غريبه ، الشموع تزداد اشتعالا و وتتساقط السنه اللهب على اللوحه لتسير وفقا لمساراته المرسومه محيطتا لوحته من كل اتجاه دون ان تمسها.

فجاه ينبعث وميض ابيض شفاف من اللوحه ما لبث ان تشكل على هيئه طيف رقيق لجسم مجهول ، انطفات الشموع ، صار الطيف الان اكثر وضوحا ، مهلا انها تلك الفتاه فالصوره ، تبدو الان فتاه حقيقيه ، على وجهها تظهر نفس الابتسامه التى ظهرت بها فاللوحه وتنظر اليه بنظره آليه ، يتجه نحوها مبتهجا ، يمسك يديها ويجلسها على مقعد قريب ويجلس على مقعد مقابل متاملا اياها بابتسامه يشوبها الحزن ، لحظات من الصمت يتخللها دخان سجارته المشتعله ، الفتاه لاتبدى اى رده فعل وكانها مازالت لوحه جامده ،” هل تريدين احتساء القهوه معى …( لا رد ).. حسنا اليك ذلك” ، ذهب ثم عاد بفنجانين من القهوه قدم لها واحدا وبدا هو باحتساء الاخر.

مازال الجمود يخيم على المشهد .” اشتقت اليكى كثيرا ياصغيرتى ، لقد مر وقت طويل منذ لقاءنا الاخير ، اتذكرين لقاءنا الاول … ساذكرك كان هذا منذ 10 سنين فى مكتبه الجامعه رايتك منهمكه فى تصفح كتاب ما لا اذكر اسمه الان ولكنى اذكر نظراتك المتفحصه لكل صفحه من صفحاته ، فى هذه اللحظه تمنيت لو كنت سطرا من سطور هذا الكتاب المحظوظ باهتمامك ، غادرت المكان وغادرت روحى معكى ، لقاءنا الثانى كان فى عالم الاحلام خاصتى ، تكلمنا كثيرا واعترفت لكى بعشقى واعترفتى لى ايضا ثم استيقظت ، اعلم انه مجرد حلم ولكنه كان بطعم الحقيقه.

تعددت لقاءتنا الخياليه بعد ذلك كثيرا عشنا فيها معا لحظات مختلفه تنوعت مابين تناغم واختلاف مابين وصال وخصام ،تاثرت كثيرا بهذه اللحظات حتى تناسيت تماما انها صور افتراضيه من وحى الخيال ، حتى انقلب واقعى الى حلم كبير وفوجئت بك تتركينى وحيدا اسيرا فى عالم من الخيال الواهم ، فوجئت بكى تبدأين حياتك الحقيقيه مع شخص اخر ، انسان اكثر واقعيه منى ، ذهبتى ولم تتركى لى منك سوى هذه الصوره الافتراضيه العالقه فى ذهنى ، نعم احببت هذا الطيف ولم احبك “، يرشف رشفه من فنجانه ثم ينفث دخان سيجارته فى ضيق ، ومازالت النظرات الاليه لطيفها الكائن امامه تزيده ضيقا على ضيقه ، يبتسم ابتسامه يسخر بها من نفسه ويستطرد قائلا :”، لم الضيق ، صدقينى انا راض تماما بهذا الوضع لم اعد انتظر لحديثى معكى ردا ، ومنذ متى كان له رد ، ومنذ متى دار بيننا حديثا فالاصل ، تكفينى هذه الابتسامه الهادئه ، تكفينى تلك النظره الحالمه ، يكفينى وجودك فى حياتى حتى لو كان وجودك معى مجرد خيال”…

أضف تعليقك هنا