حلب والفقه

هل انتحار الحرّة حفظا لنفسها مباح؟

منذ ان نشرت تلك الحرة رسالتها حول اعتزامها الانتحار حتى لا يعبث مجوسي او علوي او اي طائفي بعرضها وختمت رسالتها بان ما سيجمع الفقهاء والعلماء والوعاظ وشيوخ التواصل الاجتماعي هو حرمة الانتحار، وحتى امتشق ذلك الثائر الكوني المسلم سلاحه واردى السفير الروسيي قتيلا ثأرا لحلب واطفالها ونسائها ومهجريها وشفي شيئا من غيظ الصدور ولو بنزر يسير منذ هاتين الحادثتين شرع جدال فقهي على مواقع التواصل الاجتماعي، ودب شيء ما يشبه حرب التسفيه والرمي بكل التهم حتى انك لو تتبعت ما قيل لوجدت ان كل ما احتوته المعاجم من القاب ومسبات قد استهلك وزيد عليه.

ذلك اننا حتى ان توحدنا للحظة فان صورتنا واعتقادنا الاصيل في مرحلة الضعف والذل والاستعباد يبقى ان الاخر حتى وان كان لديه الف دليل ورايه اقرب للصواب فانه يبقى الاخر المعادي الشيطاني

الفقه وارتباطه بالواقع

لقد كشفت حلب في كل احوالها قبل الاستهداف وبعد الاحتلال ان هناك هوة عميقة جدا بين الفقه النظري من حيث الطرح لا من حيث المسائل نفسها وبين ما يلائم الواقع الحالي الذي نحياه ومما زاد الهوة عمقا ان الكل اصبح يفتي ويحقق مناط مسائله كما يريد حتى انه لا يسند ويمكن القول ان هذا الفقه المتحدث عنه على ثلاثة اوجه

القائلين ان الحكم الموجود في البلاد العربية والاسلامية هو حكم اسلامي

الوجه الاول هو القول بالتحريم المطلق والتعامل على ان الحكم الموجود في البلاد العربية والاسلامية هو حكم اسلامي وان شرعة التعامل الدولي هي الفقه الاسلامي والسياسة الشرعية الاسلامية وهذا الادعاء يقع من الواقع موقع الفرية الكبيرة ومن الفقه والاسلام موقع الافتيات والقول العشوائي غير الواقعي ولا حتى العاقل الفاهم

وهنا لا بد من التأكيد ونحن نتحدث عن هذا الوجه اننا كمسلمين في مشارق الارض ومغاربها وفي كل فج عميق نأمل بعودة الاسلام الى الواجهة وان يتبوأ الاسلام مكانته التي تليق به في واجهة قيادة العالم نحو بر السعادة والايمان والاخاء وان رسالة الرسول عليه السلام هي رسالة عالمية وللبشرية جمعاء غير ان الواقع يقول ان ما سبق امنية يعمل القلة من اجل تحقيقها وجعلها واقعا معاشا والفقه الاسلامي واسع الابواب وعميق الفهم ودقيق الاحكام غير ان من قال بالتحريم او التحليل او ما بينهما من الاحكام نقلا عن امهات الكتب التي نجل كتابها ونحترمهم دون ان يراعي واقع الناس انما هو مشوه للفقه اخذ للناس بالغلظة والتقريع على هواه وتبعا لفهمه الشخصي دون ان يكون امينا في القول بان الفتاوى تتغير بتغير الزمان والمكان

ومناط المسائل الموجودة حاليا في واقع هذه الامة المستهدفة والممزقة يقول بأننا نحتاج لفقه يراعي واقعنا بناء على تقعيدات اسلافنا النجباء لا نصوص فتاويهم التي كانت في عصرهم والقول هنا ليس ردا لما افتى به اسلافنا بل هو ما طلبوه منا ان لا نقع في هاوية التقليد الاعمى دون بحث او تمحيص فان كان الامام الاعظم ابا حنيفة يترك المسالة حولا لتختمر ويختمر معها رأيه فما بال من ينقلون يجعلون الفتوى اسرع من لمح البرق؟

ثم ان هناك من يظن ان الشهادة العلمية وبمختلف الالقاب وتنوع الدرجات هي مظنة الحديث فقط فيما يتعلق بالاسلام وان من لم يحمل تلك الشهادة لا يجوز له ان ينبس ببنت شفة وان كان في علم الشافعي او عمق امام الحرمين وهذا امر لم يقل به الا المتأخرون الذين جاءوا في عصر التخصص الفردي وربما في مسالة بعينها

ان الانتحار محرم ولا يجوز باي صورة من الصور ولكن ما الحل حسب الفقهاء الحاليين ؟

الا يمكن النظر في المسالة على انها استغاثة كاستغاثة تلك المراة من عمورية التي كانت استغاثتها سببا لفتح عمورية نفسها؟ الا يجوز في عرف السادة الفقهاء ان يكون هناك اعادة نظر في المسافة الفاصلة بين الناس وبين بعضهم فبعضهم عقد محاضرة وبين فيها حرمة الانتحار ثم بكى وهو يدعو لحلب ويعدها بالنصر ولو بعد حين

ايها السادة الفقهاء نعلم انه لا يجوز الافتيات على الدين ولا القول فيه بالراي المطلق ولكن ما العمل وبعضكم مذ ان عرفناه وهو يعيش في زمن غير زمننا ويبرع في حفظ المسائل وعرضها ولكن دون ان يكون له راي في حالنا ؟

القائمون بالخلط بين المسائل

قتل السفير الروسي في تركيا

والوجه الثاني هو وجه التخليط بين المسائل حتى لا تدري كيف تكونت المسالة في عقل ناشرها او كاتبها وهو يفرح بقتل السفير ويتهم من قتله ومن ايد ذلك بالتعدي على الاسلام وتشويه صورة الرسول عليه السلام ومخالفة جهابذة الامة من اسلافنا وعندما نثر كنانته الفقهية وجدت شيخه الاعلى ومرجعه الاوحد ليس الا محرك بحث جوجل يبحث فيه ومن خلاله عن مسالة توافق هواه ومن ثم يخونه علمه القليل فياتي بالمسالة التي توافق كلمات البحث لا مقصود السؤال الحقيقي فمثلا هؤلاء قالوا بحرمة قتل السفير لانه مستامن ومستجير وان قتله جريمة تخالف الاسلام روحا وفقها ورسالة واكدوا انهم فرحين بمقتله ثم استحلبوا محرك بحث جوجل لياتوا بما يدعم اقوالهم ومواقفهم وبالغوا في التغليظ على من قال انه لا باس في قتل السفير ثأرا لدماء مسفوكة واعراض منهوكة وارض مسلوبة ورموهم بالضحالة الفقهية وضيق المدارك سياسيا

تركيا

والمذكورون سابقا قالوا ما قالوا ونسوا ان تركيا ومن ناحية واقعية متجردة لا تحكم بما انزل الله وان الناظم لعلاقتها مع غيرها هو المعاهدات والمواثيق الدولية لا السياسة الشرعية الاسلامية ولا حتى احكام الصلح والمعاهدة والحرب في الاسلام ومع ذلك بالغوا في اظهار الحرص على الاستقرار التركي وحذروا من النتائج السياسية لحادثة الاغتيال وقالوا بان المشرعنين للاغتيال ليسوا الا اطفالا في عرف السياسة العالمية والدولية وانهم تسوقهم العاطفة

احداث الاسنان

والسابقون المتحدث عنهم غالبا ما تأتي مسائلهم الفقهية التي يأتون بها في كل حادثة من باب المخالفة تاتي تلك المسائل قريبة من فقه احداث الاسنان ولكن على الطرف الاخر فاحداث الاسنان ياخذون ظاهر النص فيما يوافق هواهم من القتل والاثخان والذبح اما هؤلاء فدوما حديثهم عن صورة الاسلام امام العالم وتحديدا الغرب وكأن الغرب يملك صورة وردية عن الاسلام ومرجعه فيها ابداعات المسلمين الفقهية لا الف ليلة وليلة وكل شاذ من المسائل والشخصيات التي اعادها المستشرقون للواجهة عمدا

وختاما ان اصحاب هذا الوجه ليسوا احرص على الاسلام ممن يعملون من اجل الاسلام ويعذبون من اجله والا فليقفوا تحت امطار النابالم والبراميل المتفجرة ثم ليسالوا محرك جوجل عن حكم قتل من اباد عوائل باكملها وليسألوا الغرب المتواطئ مع المحتلين لحلب عن حكم من سحل شريفة واغتصبها او بكل بساطة فليفقهوا قبل ان يتحدثوا ويفتاتوا قول النبي الامين عليه السلام “من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت”

أصحاب منشورات جمعة مباركة

اما الوجه الثالث للمسالة فهو وجه يكون اصحابه كالقشة في مهب الريح تفيؤهم الريح العاتية حيث شاءت فظنوا ان منشورات جمعة مباركة على مواقع التواصل الاجتماعي ونشر الادعية اليومية وبعضا من فيديوهات العلماء تعطيهم صبغة الفقيه والمجتهد المطلق الذي لا يرد له قول ولا يمنع من خوض اي مسالة حتى تلك التي يهابها الجهابذة على مر الازمان وليس لديهم اي اشكال في الاستدلال بحرمة الربا عند الجواب عن مسالة في يمين الطلاق والغريب انهم قريبون جدا من وصف المضلين الذين يفتون بغير علم فيضلون ويضلون دون ان ينتبهوا وتجد من حولهم يعاملونهم على انهم من جيل الصحابة فهذا يشجع وهذا يؤكد وهذا يزيد من عنده وكانهم يناقشون بيعا لسلعة في المزاد العلني لا يتهوكون ويعتدون على الفقه واهله ومسائله فيا له من واقع

احتلال حلب

اني كغيري من الناس اؤمن ان احتلال حلب له ما بعده في كل المجالات ومنها الفقه فلقد اذن ليل الظلام بالاندحار والانكسار ولا يمكن ان نمضي هكذا دون مراجعة او تمحيص لفقهنا الحالي الذي يكاد يكون نوعا من ردات الفعل وممارسة لخبط العشواء وعل اول مسائلنا التي بحاجة الى اعادة دراسة هي فقه الاختلاف نعم الاختلاف لا الخلاف فربما لديك دليل نظري وغيرك راى تطبيق قولك عندما فشل فقد فاقك بالمعاينة ومعرفة الدليل ورايه بعد رؤية الواقع اقرب للصواب وربما على الجميع ان يكفوا عن الخلاف الفاحش الذي نحن فيه ويتفقوا جميعا ان الدماء والاشلاء والقصف العنيف تحتاج الى مواقف ومبادرات عملية لا تسفيها لاحلام بعضنا البعض والافتيات المتواصل والشيطنة للاخر

وربما الان لو بادر القريبون من مواقع اللجوء السوري بالاغطية والسقوف والتدفئة لمن يموتون بردا لعلموا ان الفقه انما جاء لخدمة الناس ونفعهم كما يحب الله ويرضى ولم ياتي الفقه لتحفظه العقول وتجتره الالسن دون منفعة للناس

وختاما غريب ذلك الفقه الذي يروج له البعض حيث يكون للقينات والقميئات و ابواق الانظمة القمعية ان يردوا منه ما يشاؤون ويحرم الحريص على الاسلام الساعي لتعلم احكامه من القول بان هناك راي اخر في المسألة ؟؟؟؟؟؟

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة