سد النهضة و حرب الحضارات (3-5)

إنني حين أنا أكتبُ هذه الكلمات لأشعرُ بحصرةٍ شديدةٍ في حلقي و ألمًا شديدًا يعتصرُ قلبي على بني وطني و قومي الذي انساقوا و ما يزالون ينساقون خلف عدوِهم الذي لا يسوقهم إلا إلى المجزرةِ من أجلِ أن يذبحهم على الأشهادِ كما النعاج ، و هم مع ذلك يضحكون سرورًا ، و يفرحون و يمرحون حبورًا ،كما تفرح الشاة التي تساقُ إلى منحرها و هي لا تعلم و لكنها تنظرُ إلى ما حولها في الطريق و قد سيقتْ في يومِ العيدِ على أطفالٍ يلعبون هنا و هناك فتنظر إليهم و تلاعبهم و لا تعلم المسكينةُ أن هذا هو آخر ما ستراه في حياتها .
نعم أشعرُ بالحزنِ و الألمِ بل بالمرارةِ ، و مع ذلك لا ينبغي أن نستسلمَ لليأسِ أبدًا بل علينا أن نظل نقاوم و نمانع هذه الحربَ الضروس حتى آخر رمقٍ في حياتنا و حتى آخر نفسٍ من أنفسنا و حتى آخر قطرة دمٍ في عروقنا ، هكذا علمنا أجدادُنا الأولون من بناةِ الحضارة و هكذا أقاموا هم هذه الحضارة .
سنظل نقاوم حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا ، ننتظر فيه إحدى الحسنيين ، إما النصر أو الشهادة .

سد النهضة من ظواهر حرب الحضارات

ومن ظواهر “حرب الحضارات” الواضحة الجلية ما يعرف على الساحتين الإعلامية و الدولية بـــ “سد النهضة” ، و العجيب أن هذا الاسم هو اسمٌ مستحدثٌ للسدِ ، استحدثَ له فقط بعد وصول الإخوانِ المسلمين للحكم في مصر بعد أن كان معروفًا منذ مدةٍ طويلةٍ بــ “سد الألفية” ، و الأعجب من هذا أن أحدًا في مصر أو غيرها – مع كثرة “المكلمة الإعلامية” حوله و حول غيره – لم يلتفتْ لهذا الأمر أو يتحدث عنه أو حتى يتساءل عن سببِ تغيِر الاسمِ و علاقة ذلك بتوقيت التغيير مع أن المسمى واحدٌ ؟!

و العجيبُ أيضًا أن أحدًا لم يسأل عن ماهيةِ الاسم الأصلي القديمِ لهذا السد ؟ فما هي “الألفية” ؟ و ألفية من ؟ و لمن ؟ و لماذا نهر النيل دون غيره ؟

و لكن على كل الأحوال لننظر نحن الآن إجابة هذه الأسئلة – و أجرنا في ذلك على الله – .
لنعرفَ بعدها لماذا تم تغيير الاسم من “الألفية” إلى “النهضة” بعد ظهورِ الإخوان في المشهدِ المصري ؟ و ما علاقةُ هذا الاسم بالمشروعِ الإخواني الموسوم بــ “مشروع النهضة” ؟ و ما علاقة الإخوان بهذا السد ؟ و هل وافق ” مرسي” على البدء في بناء السد و بارك ذلك كما أشيع وقتها ؟

من الألفية إلى النهضة

و لكن أولًا ما هي “الألفية” و ما علاقة عقيدة “الألفية السعيدة” عند اليهود بمشروع النهضة الإخواني ؟ و ما الرابط بين المشروع الإخواني و المشروع الصهيوني ؟ ثم ما علاقة هذا كله بــ “حرب الحضارات” ؟!

و للإجابة على ذلك كله و كشف ألغازه نستعين بالله فنقول :
إنَّ الألفيةَ السعيدةَ هي عقيدةٌ يهوديةٌ يتلخص فيها الحُلم اليهودي بالحياةِ السعيدةِ أو الجنةِ الأرضيةِ إذ لا تكادُ اليهود تؤمن بالحياةِ الآخرة و لا تكادُ تجدُ في كتبِهم ذكرًا لليومِ الآخر أو ليوم القيامة و إنما الدينونةُ عندهم أرضيةٌ و يعتقدون أن الجنةَ إنما تتحققُ على الأرضِ بحياةٍ سعيدةٍ ،تكن لهم فيها سيادةُ العالم و ينتقمون فيها من كل أعدائِهم و يبيدون من ليس يهوديًا من مسلمٍ أو نصرانيٍ أو غيره تحت حكمِ المسيح لمدة ألف عامٍ و ذلك على نحو ما سنبينه إن شاء الله .

أضف تعليقك هنا