سلسلة انبوب اختبار “1” عن الأسرى

الأسرى الفلسطينيين في سجون المحتل الصهيوني

تشكل قضية الاسرى الفلسطينيين في سجون المحتل الصهيوني الغاصب ملفا مهما من اخر الملفات التي يمكن القول انها تجمع الكل الفلسطيني المشتت مع انها تطرق اليها الكثير من التشرذم والانقسام والانعكاس التام الكامل وان جاز القول المبالغ فيه لحال الشعب في الخارج، فسأحاول من خلال تجربتي مع الحركة الاسيرة ان اضعك ايها القارئ الكريم في حقيقة قضية الاسرى الفلسطينيين، وكيف تحولت في عدة محاور الى قضية يشوبها الكثير من الغموض المتعمد، وكيف تحول جزء من تضحيات الاسرى الى لطميات مؤقتة، لا يمحو اللطمية الاولى إلا اخرى يتناولها الاعلام ويزيد عليها ويرغي ويزبد ثم تذوي جذوة التنظير والاستغلال الى لطمية جديدة، وما يستفيده الاسير من هذه الجعجعات الاعلامية تماما هو الهباء.

لا غرو ان أي بلد يتعرض لاحتلال تنشب فيه معارضة ومقاومة وممانعة لذلك المحتل وتتطور اساليب المقاومة والرفض في تواز مع تطور اساليب المحتل في قمع تلك المقاومة والمعارضة وفي بدايات القرن المنصرم كان الحل المتوفر والسريع لدى الاحتلال الممهد للاحتلال الحالي هو القتل وتهديم البيوت وأحيانا السجن وكما العادة فان الاحتلال يرث اساليب احتلال اخر ويطبقها فمنذ ان حمل اول فلسطيني السلاح في وجه الاحتلال البريطاني الممهد للاحتلال الصهيوني كان السجن واحدا من الخيارات التي سيتعرض لها ذلك المقاوم والرافض للاحتلال وهنا يجدر بنا تسجيل ملاحظة تاريخية مهمة وهي ان اؤلئك الذين حملوا السلاح في وجه المحتل الاول قد تعرضوا لهضم شديد وعسف ظالم لحقوقهم ذلك ان الفصائل الحالية تؤرخ للثورة الفلسطينية فقط من خلالها انطلاقها او اعمال عناصرها فقط وهذا من الظلم الموازي لظلم الاحتلال حيث يمحق تاريخ شعب كامل لأنه لم يكن مؤطرا او تابعا لفصيل بعينه ونعود الان الى الحركة الاسيرة فبعد الاحتلال الصهيوني لكامل ارض فلسطين كان من حلول الاحتلال ادخال المقاومين والرافضين له السجن سواء بحجة او غيرها ففي زمننا هذا لا يعوز الاحتلال او الطغاة الاسباب لزج أي انسان في السجن بتهمة او بدونها.

ينقسم تاريخ الحركة الاسيرة في شكلها الحالي الى ثلاث مراحل اما الاولى فهي مرحلة ما بعد الاحتلال مباشرة الى توقيع اتفاق التنازل في اوسلو ومن ثم من بعد اوسلو الى اندلاع انتفاضة الاقصى والمرحلة الثالثة تأتي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة من قبل حركة فتح وأتباعها على الحكومة الشرعية عام 2007 وربما لا يكون هذا التقسيم هو التاريخي الدقيق لتاريخ الحركة الاسيرة غير ان التقسيم بهذه الصورة يرصد ما يمكن تسميته الحالة المخبرية التي يهيئها الاحتلال للأسرى محاولا اجراء التعديلات الايديولوجية والفكرية لينال ما يريد عبر كسر اخر حصون المقاومة الوجدانية والفكرية له وهذا ما سنتكلم عنه في حينه.

الأسرى في تجارب مخبرية توقف استعمال التعنيف الجسدي في سجون المحتل الصهيوني إلا حالات خاصة يطلق عليها المحتل اسم القنبلة المؤقتة....

ان الاسرى الفلسطينيين يتعرضون لما يمكن تسميته تجارب مخبرية موجهة في شتى المجالات بدءا من المرحلة الاولى للاعتقال حيث يكون التركيز على الناحية النفسية ويستمر ذلك خلال مرحلة التحقيق ومن ثم ينتقل الى ما يمكن تسميته الاستهداف الصحي الجسدي عبر ادخال الاسير في دوامة النقل البغيض ومكان الاحتجاز العفن ومن ثم اذا استقر الاسير في مكان ما وعلى حكم ما يبدأ الاستهداف الفكري والأيديولوجي وهكذا يكون الاسير في حالة استهداف مستمرة تمتد الى ما بعد مرحلة السجن والتحرر الوهمي.

غير ان هناك عدة امور يجب علينا ان نوضحها قبل الحديث عن المسائل التفصيلية للحركة الاسيرة اولا هناك مفاهيم وتصورات تعتبر مسلمات عند البعض فمثلا لك ان تتصفح المواقع المهتمة بالأسرى الفلسطينيين فتجد ان الحديث عن مرحلة الاعتقال والتحقيق هو نفسه منذ سبعينيات القرن المنصرم، ولم يخطر ببال من ينشر المعلومات الخاطئة هذه ان يصححها او يحدثها في بلد يعتقل العشرات من ابنائه يوميا.

فمثلا بعد حادثة استشهاد الاسير عبد الصمد حريزات في نهاية القرن المنصرم اثناء التحقيق معه توقف استعمال التعنيف الجسدي لكل محقق معه إلا حالات خاصة يطلق عليها المحتل اسم القنبلة المؤقتة ويتبع معه اساليب محددة ولفترة محددة يجددها القضاء العسكري الصهيوني كلما احتاج المحققون لذلك. وأساليب الشبح توقفت منذ فترة طويلة جدا والشبح المستعمل الان والذي يتحدث عنه الاسرى هو الربط بالقيود اثناء الجلوس على الكرسي في جولة التحقيق التي قد تستمر لأيام وكذلك فان التحقيق المعتمد غالبا هو التحقيق بالمنطق حيث يعتمد المحققون في البداية تأسيس قاعدة ما من الثقة التي ربما تتطور لاحقا الى ثقة عمياء وتصديق مطلق ان المحقق يريد مصلحة المحقق معه وهنا تحديدا تحدث كوارث الاعتراف وما زال البعض يصور لأتباعه ان التعذيب الجسدي هو المعتمد في التحقيق حتى المواقع الرسمية لازالت تلوح بذلك والمعارض السنوية للأسرى تكرس هذا الفهم الخاطئ.

الأسرى مصعد للشهرة

وينسحب السابق على كل الملفات التفصيلية للحركة الاسيرة فمثلا منذ ان برزت مسالة الاضرابات الفردية لتحقيق الانجازات الفردية لا يتم التعامل مع ملف الاسير او متابعته إلا اذا تعدى حدا معينا من الايام التي تربو على الشهر فيكون التعاطف معه والتحرك من اجل قضيته اعلامي بحت وتحرك اخر محدود يشمل عائلته وأهله وربما بعض من رفاقه في الاسر الذين يشعرون بما يشعر به من الخذلان ولم يتم الى الان صياغة مشروع عام بصورة وطنية بعيدا عن تصويره كانجاز لفصيل بعينه ينهي مسالة التفرد بالأسرى مع انك ستجد ان اشد الكلمات بلاغة وفصاحة واستعراضا تقال بحق الاسرى والأسرى فقط وكأنهم تحولوا الى مصعد للشهرة يستعمله من يعييه الوصول الشريف الى مبتغاه فيستغل الام الناس ومصابهم ليقال عنه مهتم بشؤون الاسرى.

وأمر اخير يظهر كيفية التعامل مع الاسرى في هذا البلد المحتل فانك ستجد ان تجشمت عناء البحث ان الاسرى مطالبون برفض الاحتلال ومقاومته وكذلك بعدم الانصياع لخطته التدجينية وانتزاع حقوقه من انياب المحتل وبعد التحرر ان يركض كعبد من دائرة الى اخرى يجدد اوراقه ويعتمدها وان يتضامن مع رفاقه وان يعيد الكرة مرة اخرى والاهم عند اصحاب القرار من كل التوجهات ألا يشكو او يئن تحت وطأة الحياة المريرة التي يحياها وهذا مؤشر خطير على كيفية النظر للأسير في مجتمع معظمه كان اسيرا او كاد ان يكون.

سلسلة انبوب اختبار

وعليه فان هذه السلسلة بإذن الله ستسلط الضوء على الزوايا التي يتغافلها البعض عمدا او يحاول الاستغلاليون العاطفيون الانتهازيون طمسها عمدا لتبقى صورة مظلومية يتجرون بها امام الناس ويستغلون العاطفة العارمة تجاه قضية كانت ولا زالت وكل ما يتعلق بها قضية الامة والأحرار في العالم.

اذا فالحديث هاهنا سيكون عن عدة محاور في قضية الاسرى بدءا من التعامل الاعلامي الاستغلالي للمسالة الى التفرد بالأشبال في مواقع معينة ودور بعض المتنفذين في ذلك التفرد وكذلك بحث بعض القضايا التي تمس حياة الاسرى ولم تظهر للعلن لهدف او اخر والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة