عام ينتهي .. وعام يبدأ .. و وقفة تأمل و أمل

في هذه اللحظات ..

عام ينتهي .. و عام يبدأ ..

عام أخر ينقضي .. يضاف إلى عمرنا، ولحظة تأمل توقفنا في هذا الفاصل الحاسم من لحظات الزمن الذي يمضي من حياتنا مسرعا بإحداثه ويومياته وساعاته ولحظاته .. يمضي تاركا خلفه سنوات عمرنا.. وما مضى من زمن عمرنا لن ولن يعود .. في هذه اللحظات من نهاية العام، نقف عند محطة نهاية مشوار لمسيرة عمر للانتقال إلى مركب أخر يحملنا هذا العمر إلى عام بعالم نجهل كل معالمه وتفاصيل التي سنعيشها.. وكما بدا، ألان ينتهي.. لنبدأ من جديد.

وهنا في هذه اللحظات لا بد من وقفة مع الذات .. نراجع ما فعلنا وما جنينا.. لنأخذ من كل الاحباطات وإخفاقات ونجاحات وانتصارات، ومن الجهد الذي بذلنا لاخضرار مساحة الأرض ومن مساحة التي لم نفلح حرثها وسقيها، فأكلتها التصحر، وخذها الجفاف، ليسقط جزءا منا، لن يعاد ولن نستطيع استعادتها أبدا كأوراق الشجر التي تسقط ليحملها الريح في مواسم الخريف ……!

دروس وعبر.. نطوي صفحات ما مضى .. لنبدأ بعمر جديد، نستقبل عام بتوديع عام .. بداية ونهاية.. شروق وغروب .. خريف و ربيع .. شتاء وصيف .. وكم من الأسئلة وعلامات التعجب والاستفهام نطرحها على أنفسنا على ما مضى وعلى ما سيأتي بانتظار الإجابة من الزمن الأتي على أسئلة ما ستواجهنا من وقائع وإحداث الوجود الذي نمضي إليه وقد لا نمضي…..!

لأننا نعيش فلسفة الحياة والموت في كل لحظة من لحظات عمرنا ….!

وكما نشطب الأيام من تقاويم زمن الأرض.. وكما تسقط .. يوم بعد أخر، وعام بعد أخر، كسقوط أوراق الشجر، كذلك يسقط الإنسان ويرحل واحد تلوا الأخر …… معها.. ومعهم، ترحل الأماني والأحلام، مخلفة وراءها ذكريات بممرها وحلوها .. بآلامها وطيبها .. بأوجاعها وشدوها ….!
وكما نمضي .. وتمضي الأيام .. يمضي عام ويأتي عام وفي خلدنا دوما في هذا الفاصل الزمني يبقى السؤال ذاته، هل بالإمكان طوي صفحات العمر الماضية ….؟

وهل لدينا استعداد وجرأة في النسيان، ونحن نعيش أخر لحظات من عام يطوي في صفحات عمرنا، بشكل مغاير عما سبق بتضميد جراحاتنا التي داهمتنا في ألأيام الماضي، ونمضي قدما لتغير نمط حياتنا وسلوكنا وتصرفاتنا وأفكارنا ونزرع ونبذر بذور المحبة والسلام والرحمة والتعاطف والإنسانية في مساحة كل الأرض حتى التي تصحرت ……؟

أنها مسألة أخلاقية، وعلينا إن نباشر الآن، فالوقت لم يمضي، لان كل الأوقات جيدة للحب والتسامح وبناء الأخلاق الفاضلة، فلنمد يدنا للأخر، بمحبة وسلام وتضامن لنشارك معا في احتفالات ليلة نهاية عام وبداية عام، المميزة ببهجتها .. وننتظرها بفرح وفارغ الصبر لنعيد لضمائرنا لحظاته بالأمل والحب والرجاء والصفاء والنقاء لاستقبال عام جديد متطلعين فيه النجاح والسعادة والمحبة والسلام وتحقيق الأمنيات على مستوى شخصي و وطني، فنسعى لحظة بلحظة لنعيش تلك اللحظات، متضامنين معا بأفراحنا وأمنياتنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بني البشر ممن ظل طريقه ليعود إلى أحضان المجتمع والوطن، ولنعش من اجل المحبة والسلام لان إعمال المحبة وحدها ستبقى .. وطوبى لمن علم وتعلم الحب، وسقى واستقى من ماء المحبة .

نعم الآن .. وفي هذه اللحظات .. كلنا على يقين، بان عام 2016 سيرحل .. و عام 2017 سيأتي .. وان الإنسان كـ(إنسان ) يواجه مصيره المجهول على هذا الكوكب، وفي هذا الزمن، قلقا ومهموما بتصاعد العنف والإرهاب واللامعقول في عقول البشر .. أزمات نفسية واجتماعية واقتصادية واكلافها، وأزمات سياسية وتراجع في القيم الإنسانية، وطغيان العنف والكذب والنفاق وموت الضمير والأخلاق، وما سبب ما وصلنا إليه إلا نتيجة قصور في (التربية) و (الثقافة) و(الأخلاق)، لتتفشى في المجتمع أوبئة الجهل والتخلف والأمية والعبث واللامبالاة، المسببات التي أوصلتنا على ما نحن عليه من قتل وتدمير وإرهاب وفظائع لم تعرفها البشرية وما عرفناها نحن المجمعات الشرقية، عبر تاريخها وتاريخنا الطويل، وأصبحنا نقول ما لا نفعل، ونفعل ما لا نقول، وهذا التصرف لم ينشأ بعفو خاطر، وإنما نشأ عن إهمال وقصور في التنشئة والتربية وهذا ما قاد الضمير والأخلاق إلى الفساد، والذي ترتب عنه فساد في علاقة الأب بابنه والتلميذ بالمدرسة والمواطن بالوطن، ليترتب عن هذا الفساد فساد العلاقة بالمدرسة والجامعة والدائرة و المجتمع والدولة والوطن، وبتنامي هذا الفساد، هو ما سبب في تنامي موجة العداء في المجتمع وتصاعد موجة الإرهاب وارتكاب الآثام و اختراق منظومة المحرمات وأعراف المجتمع، بما أدى إلى تجاوز كل القيم الإنسانية وحدودها.

فان كان (الضمير) يقف حارسا يقظا في مواجهة النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، و إذ كان هذا (الضمير) رقيبا لنزواتها، وعازلا عند غوايتها وعن غيها، فقد غاب عنهم ولم يعد الوازع الأخلاقي والضمير يردع فهو المسبب لهذه الأزمات التي عصفت بمجتمعاتنا وعالمنا.

فقوانين (الأخلاق) أو (التربية)، لم تكن يوما في عرف المجتمع – أي مجتمع كان – قيدا وتضييقا على حرية الفرد، بل كانتا وما تزال موازين وضوابط تضمن حق كل فرد تجاه غيره ومجتمعه وتضمن حق الآخرين والمجتمع تجاهه، فهي ضوابط وإرشادات لسلوك السليم، وليست مصادرة لحريته وكبتا ، ومن هنا تأتي أهمية (التربية الأخلاقية) والى المنهج التربوي السليم، لنبني أجيال الشباب، بناءا سليما لنخلق مجتمع فاضلا، لان التربية وإنشاء مجتمع سليم (صناعة)، وإذ اتقنا صناعته اتقنا أسس البناء السليم للمجتمع، لان علم النفس يقول بـ(إن الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء، وكل ما يضاف إليه من مشاعر وعلم يكتسبه بشكل تدريجي من خلال بيئته ومحيطه، ومن خلال فترة نموه وتطوره داخل المجتمع الذي يجعل من هذا الطفل إنسان رائعا في المستقبل القريب)، فالمجتمع هو المسؤول عن هذا الطفل، من والدين إلى المدرسة إلى كل من يحيطون به، وهذا المحيط يشكل البنية الأولي لهذا الطفل ليصبح هذا الطفل مهيأ ليكون ذو ضمير حي .

وما أحوجنا اليوم إلى إيقاظ هذا (الضمير) في ذواتنا الذي يسكن بداخلنا، فكلنا بحاجة إلى إحياء ضميره، نعم إن الإنسان غير معصوم عن الخطأ لأننا بشر، ولكن كما يقال (خير الخاطئين التوابون)، فالتوبة والعودة إلى (الضمير الوازع)، قمة الأخلاق ودليل على حسن التربية.

فهل يا ترى ونحن على عتبة توديع عام واستقبال عام جديد، إلا يستحق منا وقفة لتأمل هذا البناء الأخلاقي السليم وكيف نبني أنفسنا بوفقه، ونعمل وفق هذه الحاجة.. أنها وقفة تأمل .. وأمل .. ورجاء ……!
وكل عام انتم وأوطاننا بآلاف خير.

أضف تعليقك هنا

فواد الكنجي

كاتب عراقي