فوز ترامب يعطي العرب درساً في الديمقراطية

يقشعر بدني عند الاستماع إلى بعض أصدقائي العرب عند حديثهم عن نتائج الانتخابات الأمريكية هذا العام، وبالأخص عند تحليلهم لأسباب فوز المرشح دونالد ترمب عن حزب الجمهوريين، فيستحضرون في كلامهم الفكرة الرائجة بأن الشعب الأمريكي عنصري بطبعه وأن هذا هو السبب الحقيقي لفوز ترامب، وآخرون يعزون فوره ببساطة لثروته التي ورث بعضها من أبيه وجمع أكثرها من عمله في قطاعات العقارات وملاعب الجولف وغيرها.

حقائق مهمة عن الديمقراطية الأمريكية

للأسف مثل هذه التحليلات، أو التعليقات إن صح التعبير، لا تستند إلى فهم عميق لطبيعة الشعب الأمريكي المتنوعة المنابت ومتشعبة الاتجاهات والولاءات. كما أنها تتناسى بعض الحقائق والاستنتاجات المهمة وهنا أهمهاماذا على العرب تعلمه من فوز ترامب في السباق الرئاسي؟

  • انتخابات الرئاسة الأمريكية سباق طويل يمر بعدة مراحل، يبدأها من يرشح نفسه ضمن أهم أكبر حزبين أمريكيين: الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي. تنافس ترامب وكلينتون مع خصوم أقوياء في التصفيات الداخلية لكل حزب حتى فازا بترشيح كل حزب لأحدهما، ما يغيب عن البعض بأن هذه التصفيات الداخلية حامية الوطيس، و أن خلافات الرأي والاستراتيجيات لإدارة أقوى الدول في العالم جد مختلفة حتى داخل الحزب نفسه وبالتالي فإن وشم كل من ينتمي إلى أحد الحزبين بريشة واحدة يجافي الحقيقة بل ويسخف العملية الديمقراطية كلها.
  • من أكثر ما يوصف به أعضاء الحزب الجمهوري أنهم محافظون، وهنا يجب التأكيد بأن هناك على الأقل نوعان من المحافظة، أولها هو المحافظة الدينية او الالتزام الديني، وبالتالي محاولة تطبيق الفهم الديني على شؤون وجوانب الحياة العامة مثل تحريم الإجهاض وبالتالي محاولة المتدينين الضغط على المحاكم المختصة وغيرها من مؤسسات الدولة لإدراج منع الإجهاض كقانون دولة ومنع المستشفيات من مساعدة المرأة على إجهاض جنينها، أما النوع الثاني من المحافظة هو التقدير الشديد للمبادئ التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها من يوصفون بـ المؤسسين، ومن الأمثلة على هذا تزمت البعض بحق اقتناء الأسلحة النارية مستندين إلى التعديل الدستوري الثاني والذي يضمن لكل مواطن امريكي الحق بذلك. فليس كل أعضاء الحزب الجمهوري متدينين وبالمثل ليس كل اعضاء الحزب الديمقراطي علمانيين او لا دينيين.
  • هل يعد فوز ترامب انتكاسة للحياة الديمقراطية والحريات في الولايات المتحدة؟ يعتقد الكثيرون ذلك، ولكن ليس للجميع القدرة على النظر من زوايا مختلفة لفهم ما يحدث بشكل أعمق وبحرية مما يتلقونه من محيطهم ومن محطات الإعلام المختلفة. فلو أنصتنا قليلاً الى ما يعاني منه الشعب الأمريكي في حياتهم العامة لقدَرنا أن آخِرَ ما يُشَكِل رأي الناخِب هو استراتيجية المترشح الخارجية في الشرق الأوسط على سبيل المثال أو التزام المرشَح بالذهاب الى الكنيسة كل أسبوع، بل يتعدى اهتمام الناخب الى أولاً مدى قدرة المتَرشِح على خلق فرص عمل وتخفيف عبء الضرائب وتحسين وتقليل تكلفة التعليم والتأمين الصحي وغيرها من هموم المواطن الأساسية، وللأسف كما هو الحال في الشرق الأوسط، لا يجد هذا المواطن الغلبان من يعمل بجد على حل مشكلاته في أوساط السياسين الحاكمين الذين ما زال بعضهم محتفظين بمقاعدهم ومناصبهم لفترة طويلة جداً، وهنا يمكنك فهم نتائج الانتخابات هذه بشكل مختلف، فقد ثار الشعب الأمريكي على السلطة التقليدية التي تُبدِل أسمائَها بعد كل حين لكنها تبقى فئةً إمتَهَنَت السياسة والكذب والتضليل لفترة طويلة وتناست هموم المواطن الأمريكي الذي يحلم بحياة مرفهة بَقِيَ يوعَد بها، لكن ثورة الاغلبية الصامتة هذه تمت بأبهى صور الديمقراطية، في هذه الانتخابات قال المواطن الأمريكي بوضوح بأنه يريد التغيير وبأن هذا لن يتحقق إذا لم يُغيِر هو وهي أصلاً من خيارتِهما عند رمي الورقة في صندوق الاقتراع ولذلك اختاروا شخصاً ذو ميزتين أساسيتين: التكلم بلغة العامة ويفهمهم البسيط، وتاريخ بعيد عن السياسة بل خبرة طويلة في مجال الأعمال يُعوِل عليها الناخب بأن تجلب حظاً أوفر له عند تقلد ترامب لسدة الرئاسة.

ليس من المؤكد أن يجلب ترامب أي تحسن على حياة المواطن الأمريكي أو أن يفي بأي من وعوده لكن فوزه بالتأكيد يعطي درساً لدول العالم الثالث بأن التغيير في عالم السياسة يحتاج إلى نظام ديمقراطي حقيقي وأن الديمقراطية إنما هي نتاج وعي الناس ونضجهم وثقافتهم، وهذا هو التطبيق الحقيقي لمقولة بأن التغيير يجب أن يأتي من أسفل الهرم لا من أعلاه، لعل فوز ترامب يذكرنا بذلك.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مطيع علوان

مختص في أعمال الانترنت والمشاريع الريادية يعيش في كاليفورنيا - الولايات المتحدة