قتل السفير الروسي في تركيا، هل هو إرهاب أم بطولة؟ هل ستؤثر على سياسات روسيا تجاه سوريا؟

أثارت حادثة اغتيال السفير الروسي (اندريه كارلوف) العديد من الآراء المتناقضة والتي تشكلت ما بين مؤيدة أو معارضة للحادث، كذلك تباينت حول وصف العمل بالإرهابي أو بالبطولة، وما بين وصف القاتل بالإرهابي أو بالمناضل الشهيد، مما دفعنا إلى ضرورة قراءة المشهد قراءة محايدة حتى لا نفقد مصداقية الحكم على الأمور المتشابهة.

حادثة قتل السفير الروسي في تركيا

بدء المشهد في الإثنين الماضي بمقتل السفير الروسي (اندريه كارلوف) لدى تركيا في معرض للصور بأنقرة؛ حيث تم اطلاق النار على ظهر السفير من قبل أحد الحراس وهو يلقي خطابه أمام الزوار بمتحف الفن الحديث؛ حيث تواجد السفير في افتتاح معرض صور (روسيا بعيون أتراك)، الأمر الذي نتج عنه في نهاية المشهد مقتل كلا ً من السفير الروسي وقاتله.

انتشرت بعدها بدقائق قليلة صور لكلا من القاتل والقتيل، يتخللها بعض العبارات التي قالها القاتل بعد إطلاقه الرصاص على السفير وهي ” لا تنسوا حلب، لا تنسوا سوريا “، وقال أيضا ” كل شخص له يد في هذا الظلم سيدفع الثمن”.

وأعلن أنه لن يخرج من القاعة “إلا ميتا”، وقال صارخا: “ما لم تكن بلادنا في أمان فإنكم أنتم أيضا لن تتذوّقوه”.

الموقف كان فجائياً وغير منطقي فكيف لهذا الضابط الشاب الذي لا يتخطى عمره الـ22 سنة أن يضحي بمستقبله وعمره من أجل تلك العبارات، كذلك فإن مثل هذه النوعية من الأعمال الإجرامية التي تفتعلها الدول تحدث بشكل يومي منذ عشرات السنين في كلا من فلسطين وميانمار وغيرها، ولماذا لم يتم القبض عليه وتم تصفيته ؟! علامات استفهام كثيرة حملها هذا المشهد ، لكن لوحظ أن الطبع الغالب على مواقع التواصل الاجتماعي لردود الفعل كان مؤيداً ومشجعاً له، مبرراً موقفه بالأعمال الإجرامية التي تحدث في سوريا ، ولكن على الجانب الآخر كان هناك ردود أفعال أعلنت اعتراضها على الحادث ووصفته بالعمل الإرهابي ورفضت هذه النوعية من الحوادث أياً كانت مبرراتها.

هل ينطبق على حادث قتل السفير الروسي في تركيا وصف الإرهاب؟ 

قتل السفير الروسي في تركيا، لابد من قراءة المشهد قراءة محايدة حتى لا نفقد مصداقية الحكم على الأمور المتشابهة
لابد من قراءة المشهد قراءة محايدة حتى لا نفقد مصداقية الحكم على الأمور المتشابهة، قتل السفير الروسي في تركيا

تعريف مفهوم الإرهاب

وحتى تتضح الأمور ونفك هذا التداخل والتشابك بين أركان الجريمة الإرهابية وبين أركان النضال الوطني أو الكفاح المسلح من أجل الحرية لابد من تعريف ماذا يعني (الإرهاب)؟

في واقع الأمر لا يوجد اتفاق على تعريف محدد لمفهوم الإرهاب من قبل الباحثين أو الدول أو من واقع القوانين والتشريعات الدولية ؛ ويرجع ذلك إلى حساسية المفهوم واختلاف وجهات النظر من الجهة صاحبة التعريف والتي جعلت للمفهوم العديد والعديد من التعريفات الفضفاضة والغير دقيقة أحياناً.

هذا إرهابي وذاك مناضل

فدائماً ما يدور الجدل حول من هو الإرهابي؟ ومن هو المناضل من أجل الحرية؟ وما هي مشروعية أو عدم مشروعية الفعل؟

فكما أكد الباحث (نبيل دجاني) أنه لا يمكن مثلاً إقناع الشخص العربي بأن الصهيوني المدني الذي أتى من أقاصي الدنيا واحتل منزل فلسطيني مدني بريء، كما كان لا يمكن إقناع الفرنسي أو الأمريكي بأن المقاومة الفرنسية والأمريكية للمحتل الألماني أو البريطاني عمل إرهابي، فالإرهابي عند شخص ما هو فدائي أو مناضل، بينما عند شخص آخر هو مجرم ولا يلقى الاستحسان.

تعريف صريح لمفهوم الإرهاب

ويعد المؤتمر الثالث لتوحيد قانون العقوبات تحت إشراف الجمعية الدولية لقانون العقوبات في بروكسل عام 1930 هو أول من تناول تعريف (الإرهاب) بشكل صريح ؛ موضحاً بعض التصرفات التي تعد إرهاباً ؛ والتي تتعلق باستخدام متعمد للوسائل القادرة على تعريض حياة الأفراد أياً كان عددهم وأياً كانت جنسياتهم أو جنسهم للخطر، كما شمل تدمير الممتلكات المادية، وتتضمن هذه الأفعال:

الحرق والتفجير والاغراق وإشعال المواد الخانقة أو الضارة، وإثارة الفوضى في وسائل النقل والمواصلات، والتخريب الذي يلحق الممتلكات العامة والخاصة دون تفرقة بينهما؛ إضافة إلى تلويث المياه عمداً عن طريق تسميم الأنهار والترع أو حقن الفاكهة بمواد سامة.

وعلى ضوء ما سبق يعد (الإرهاب) بمثابة استخدام العنف بشكل عشوائي من أجل أغراض رمزية أو سياسية أو دينية أو أيديولوجية تستهدف المدنيين وتخلق أجواء من الخوف والرهبة وترتكب من قبل أفراد أو جماعات أو حتى من قبل الدولة.

أركان الجريمة الإرهابية

إذاً مما سبق تكتمل أركان الجريمة الإرهابية إذا ما توافرت فيها:

1- استخدام العنف بشكل عشوائي ضد المدنيين الذي لا يفرق بين مذنب وبريء.

2-  غالباً ما تكون ضحايا الأعمال الإرهابية ليس لهم دخل مباشر بتنفيذ السياسات التي يرغب الإرهابيون بتغييرها.

تفاصيل هامة في الحكم على حادثة قتل السفير الروسي في تركيا

السفير الروسي موظف مدني

وبالرجوع إلى حادثة السفير الروسي نجده أن العمل نفسه تكتمل فيه أركان الجريمة الإرهابية ، بصرف النظر عن فحوى الرسالة التي أراد القاتل إيصالها للعالم أو القضية التي ارتكب لها فعلته ؛ فالقتيل هو أحد ممثلي الدولة الروسية ، وبالرغم من أن دولته مشاركة في ارتكاب جرائم في الأراضي السورية ، إلا أن السفير التابع لها هو بمثابة موظف دولي مدني يتلقى أوامر من النظام القائم بدولته وينفذها كغيره من الموظفين العاملين في أي كيان وظيفي آخر، ولكن ذنبه الوحيد هو أنه ممثل لدولة تشارك في أعمال إجرامية في دولة أخرى وقتله لن يحل القضية من أساسها، فسوف يكون هناك ممثل آخر للدولة غداً لينفذ هو الأخر أوامر دولته.

السفير كان شخص وظيفته تنحصر في زيه المدني ولم يكن في زي عسكري يقاتل في الأراضي السورية حتى يعتبر قتله من ضمن أعمال المقاومة المسلحة والتي تقرها القوانين والمواثيق الدولية والرأي العام العالمي.

جرائم إرهابية ورسائل استعطافية في حادثة قتل السفير الروسي في تركيا

إن سقوط العديد من الضحايا المدنيين لمجرد وجودهم في أماكن عملهم الدولية ما هو إلا جرائم إرهابية حتى وإن حملت في طياتها رسائل استعطافية في ظاهرها البراءة، خاصة أن الحادث لم ولن يغير من السياسات الروسية تجاه سوريا في شيء ، إن إرسال رسائل للمجتمع الدولي بهذه النوعية من الجرائم، والتي تكون بشكل عشوائي أو عاطفي لن يحل من القضايا الدولية التي يذهب ضحاياها مئات من المدنيين يومياً، فأحياناَ تكون الحوادث الإرهابية فردية ناتجة عن تأثر عاطفي وقتى تجاه قضية معينة أو ناتجة عن غسيل مخ تعرض له الارهابي من قبل جماعة أو تنظيم أو نظام استخباراتي دولي يسعى لأهداف معينة ويغلفها برسائل استعطافية تبعد عنه الشك.

إن مثل هذه النوعية من الحوادث تحولنا لقانون الغابة حيث الغلبة لمن يملك السلاح ويملك الدهاء في التخطيط والتدبير لجرائمه والتمويل الذي يؤهله للقيام بذلك.

الفرق بين المقاومة المسلحة والإرهاب

المقاومة المسلحة

كثير من الأفعال يتم تبريرها بدافع الكفاح المسلح ضد العدو وحتى لا نخلط بين الأمور فإن للمقاومة المسلحة هي أيضا أركان يجب توافرها حتى نستطيع الحكم على مشروعية الفعل وهي تعني ” استخدام مشروع للقوة المسلحة يهدف إلى طرد المستعمر الأجنبي وتحرير الإرادة الوطنية وانتزاع الحق الطبيعي والشرعي في السيادة والاستقلال “.

الإرهاب

وبذلك تختلف المقاومة في مضمونها عن الإرهاب اختلافاً كلياً ، حيث الإرهاب هو أحد أشكال العنف الذي لا يتورع عن استهداف عشوائي للمدنيين والأبرياء الذين ليس لهم علاقة مباشرة بالقضية التي يسعى لبثها ونشرها أو الهدف الذي يسعى لتحقيقه.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

شيماء سمير محمد حسين

باحث في شؤون الإرهاب الدولي