قم لتصلي ؛ فالدولة لم تمنع المساجد !

لا ضير ولا ضرار ، إن جبنا الأعصار و الأمصار ، منافحين عن الحق في غير توجس ولا تهوك ، فكثيرة هي الكتابات التي تتصف بالدوغمائية أو الشوفينية حيث الرؤية متجهة فقط إلى ناحية واحدة ، و غض الطرف عن الناحية المقابلة !

إلا أنني من باب ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى ) صدق المولى العزيز ، و إني مدركة تمام الإدراك أن هناك الكثيرين ممن لا يعجبهم قولي ، فليتحملونا بعض الشيء عسى أن يجعل الله من بعد عسر يسرا ..

1/ على ضفاف مقهى باب الحارة !

أحاول أن ألتفت بعض الشيء نحو تلك الناحية المقابلة فنعطيها حقها في التمعن و النظر و نجانب بذلك الباطل و العاطل ، كي لا نتهم بالكيل بالمكيالين ، كاللذين حينما يذكر في حضرتهم ملفات الفساد يستعرضون لنا ( ضروس العقل ) ترنحا لا تباهيا ، مهمهمين تارة و مزمجزرين تارة أخرى ضد النظام ، و غاضين الطرف عن الناحية الأخرى من الفساد ! .. تماما مثلما :

يجلس أحدهم على كرسي أحد المقاهي مستقبلا المارة ، يرتشف عشرة فناجين قهوة و خمسة أكواب شاي ، أو ينسون ، أو زنجبيل بالقرفة مثلا ! و بين هذا و ذاك قد يطلب شيشة عربية يقوم عبرها بممارسة رياضة الشهيق و الزفير في نفس الوقت الذي يقوم فيه بتنمية قدراته الذهنية بحساب عدد أنفاسه الداخلة و الخارجة … و إذا حضر وقت الصلاة نظر نظرة في النجوم و قال إني سقيم!.

هكذا هو حال بعضهم ، يترك ما يجب عليه فعله و ينشغل بما لم يكلفه الله عز و جل به ، كأن يترك صلاته و ينشغل بالسياسة ! ، فترك انشغاله بصلواته الخمس و اتجه نَحْو الانشغال بالوزراء الخمس ! ، كما نجده يقضي ساعات يومه فيما يفسد دينه و يضعف عقله لا هو أقام دينه ولا هو أبقى دنياه و فوق ذلك نجده أيضا في كل نفس شيشة يسب هذا و يقذف ذاك و يلعن تلك ..! و بدل أن يرطب لسانه بذكر الله نجده يلوي لسانه بسب الدولة من دون أي سبب ملموس يعيشه ! ، أليس الجدير بِنَا الانشغال بما خلقنا لأجله ، عبادة الواحد الأحد ، إقام الصلاة و أداء الزكاة و صوم رمضان و حج البيت ! ، أليست هذه هي أولويات المسلم ؟! أين نحن من الأخلاق و العلم و العمل و الضمير و روح الجماعة ؟! ، أم أننا قد أدينا كل واجباتنا و كل ما علينا ، فبتنا من المبشرين بالجنة ؟!

2/ في حدائق السلطان سليمان !

و المثير للسخرية و الأسف في الآن نفسه ، أن بعض الأمهات سامحهن الله ، نسين أن الأم مدرسة ، تلك الأم التي نعدها مدرسة أولى يتخرج منها رجال و نساء المستقبل الواعد ، نجدها قد استقالت من وظيفتها الاجتماعية تلك ، أن بعض الأمهات سامحهن الله ، لتنشغل بمهام لوجيستية في تمويل و تموين قنوات الضلالة ! ، حيث يكفيها تصدير زوجها نحو عمله و عرض أبناءها في سوق العرض و الطلب ( أي الشارع ) لتنشغل هي بتفريغ التلفزيون من محتوياته الشرقية و الغربية لتستقر في خنوع و وجوم بباب الحرملك حيث حريم السلطان ، لاعنة حضها الذي حاد بها عن أخذ جولة رومانسية بأحد حدائق السلطان سليمان ! ، لا هي رغبت إبنها في الصلاة منذ السابعة و لا هي ضربته عليها في العاشرة ولا هي منعت عنه برامج الفساد المدججة في هاتفه أو كمبيوتره ، ثم بعد ذاك تجلس مع جاراتها في جلسة ( برلمنشارية ) يناقشن أسباب فشل أبنائهن موجهين أصبع الاتهام نحو ” المعلمة ” ! ! ..

3/ و كل الناس أفقه من عمر !

و من فج آخر ، ليس بعميق ، يتحدث أحدهم عن الفوارق الطبقية رافعا أصبع الاتهام نَحْو النظام ، حيث عشش في ذهنيات الناس صورة نمطية تقول أن السلطة الحاكمة قد أتت على الأخضر و اليابس ، متناسيا أو غافلا عن أن هناك نظاما اقتصاديا – اجتماعيا اسمه الزكاة ، هو كفيل بأن يقضي تماما عن ذلك البون الشاسع بين ذوي الثراء و الفقراء .. و لهذا أسأل ، هل حاسبنا أنفسنا عن الزكاة ؟ هل كل من بلغ ماله النصاب يقتطع ذلك الجزء منه اذا دار عليه الحول ؟ هل يعطيه لمستحقيه من الأصناف الثمانية ؟ أم أن الناس استحلوا لعبة الرشق بالحجارة و نسوا ما قدمت وما لم تقدم أيديهم .. فبات فقههم أفقه من عمر ذاته !

فالحمد لله ، الدولة لم تمنع المساجد ، كما لم تمنع الزكاة ، و إنما الناس هم من منعوا أنفسهم من أن يغيروا واقعهم نحو الأجمل .. إننا نخشى من أن يسأل أحدهم يوم غد عن تركه لصلاته فيشير بإصبعه صوب النظام !!! ، أين نحن من عصر أولئك الذين خاض فيهم الصديق ابن أبي قحافة رضوان الله عليه حروب الردة لأنهم فصلوا بين الصلاة و الزكاة ؟ و اليوم نرى الكثيرين ممن يسمون أنفسهم من الشعب البسيط من التجار الصغار مثلا ، أو غيرهم ممن جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده ، من التاجر إلى المكتنزة ذهبا ! ، لا يعطون الفقير حقه المستحق من الزكاة ثم يجلسون على ضفاف المقاهي و دهاليز الفايسبوك أو على أعراف الشرفات ليرددون خلف أم كلثوم ” أعطني حريتي أطلق يديا..إنني أعطيت ما استبقيت شيئا ” ! .

4/ … فالبدار البدار !

سؤال لابد أن يوجه كذلك ، للبعض ممن يتلذذون بلحس حذاء فرنسا و المهووسون بتاريخ الجماجم لتغذية نعرات الجاهلية ، هو عن ماذا ستسأل يوم غد و انت بين يدي الله ؟ هل ستسأل عن دينك أم عن عرقك ؟؟؟ من سيقلب موازينك هل هو الاسلام أم نعرة الجاهلية تلك ؟! من سينقذك من وقفة الأعراف (إن كنت من أهل الاعراف ) هل هو إسلامك أم أمازيغيتك ؟! ..فإن كنت مسلما فالبدار البدار لوأد تلك النعرة الخبيثة حيث لا عرقية تفصلنا ولا لون يلوننا ولا حقد يفرقنا ولا سياسة تشغلنا عن آخرتنا .. فحسبنا أن نكون مسلمين و كفى ، أما إن كنت نصرانيا أو يهوديا أو حتى ملحدا أو غير ذلك ، فكذلك البدار البدار إلى حضن الاسلام ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بَعضُنَا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) 64 آل عمران ، صدق المولى العزيز.

فالجزائر عربية اسلامية بنص الدستور ، و شعبها متعدد الأعراق و لكن يجمعه الاسلام الذي أنسانا من نكون ، عربا أم امازيغا ، اللهم بعض العرابدة اللذين يحاولون باستماتة تغذية تلك النعرة بالتفريق بين أمازيغ و عرب الجزائر ، هذا الاسلام الذي وصل إلينا بفضل الله و منه علينا عَبر الفاتحين العرب جازاهم الله عنا خير الجزاء .. عربيا كنت أو أمازيغيا في الجزائر فنحن مسلمون و إخوة و هوية وطنية واحدة ، و حسبنا كتاب الله و سنة نبيه ، و الجزائر لم تفرق بين عربي و أمازيغي كما لم تضطهد الامازيغي على أرضه حسب ما يردده أبواق الخارج و الباكون على أطلال تلك المنابر المأجورة ، كما لن يفرقنا هؤلاء المتقولون و الوضاعون ممن يتقنون فن اللحس و اللعق و تقبيل الأيادي ..

فالبعض من الناس ، أو الكثير منهم ، يغض الطرف عن واجباته و مسؤولياته في حين يأخذ وقتا طويلا و نَفْسًا عميقا في سرد مطالبه و رغباته و احتجاجاته ، لاعبين دور الضحية كلما جاء ذكر الدولة ، هذه الدولة التي على الرغم من أنها زودت حديقة حيك بحاويات القمامة في كل ناحية و زاوية إلا أنك آثرت رمي فضلات قعدتك الاستجمامية على الأرض و فوق الشجر و تحت الحجر و بين ذرات الأكسجين ! و بعدها ترفع يدك ناقما على الأوضاع و نسيت أن لك يد فيها ، إن لم تكن الطرف الأكبر المتسبب فيها ..

5 / و حتى لا يمتد بي الحبل!

فبناء انسان الحضارة يبدأ من النفس التي اذا صلحت صلح حال المجتمع ككل ،.. إذن لماذا ننظر من زاوية واحدة فقط ، فلننظر للأمر من الزاوية الأخرى كذلك ، و التي لطالما مارس الناس معها هواية الاحتماء بمضلة الكلمات في حين أن الصمت تحت المطر سيكون أجمل !

و حتى لا يمتد بي الحبل أكثر و يسيح بي القول و الصول ، فما هذا إلا غيض من فيض نود فقط أن نجانب من خلاله الباطل ، و يقتنع المواطن أنه مسئول بالدرجة الأولى ، مسئول عن الحفاظ على الممتلكات العامة ، مسئول عن تعمير بيئته و إصلاحها بإصلاح النفس أولا ، مسئول عن إماطة الأذى عن الطريق ، مسئول عن أداء صلواته في وقتها ، مسئول عن دفع زكاة ماله ، مسئول عن إصلاح ذات البين ، مسئول عن توقير الكبير ، مسئول عن قول الحق و لو كان ضد نفسه ، مسئول عن دفع الباطل بالتي هي أحسن ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعضة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضَل عن سبيله و هو أعلم بالمهتدين ) النحل 125 ، حينها سنلتفت و لو قليلا نحو واجباتنا ، و بكل شجاعة أدبية سنحاسب أنفسنا أيضا قبل محاسبة الآخر …… هذا بدل اللطم على الخدود بحثا عن حقوق مزعومة لن يكون لها طعم ولا قيمة في كنف واجبات منسية .

هذا ، والله من وراء القصد ، و عليه قصد السبيل .

أضف تعليقك هنا

د. لبنى لطيف

باحثة متخصصة في علم الإجتماع