مكانة العلماء بين ضعف الأتباع وإجحاف الإعلام بقلم: سعدالدين شراير
مكانة العلماء بين ضعف الأتباع وإجحاف الإعلام بقلم: سعدالدين شراير

مكانة العلماء بين ضعف الأتباع وإجحاف الإعلام – وفاة الشيخ محمد الشريف قاهر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

العلماء يضيؤون الطريق

لقد أثبت التاريخ أن الحضارة تبنى على العلم ، وتقوم على تضحيات الحاملين لنبعها وهم العلماء ، الذين في العادة لايكسبون إلا السرور بنتائج علمهم وتعليمهم ، فبهم ترفع الأمم أوتتضعضع ، بكدهم واجتهادهم ترتقي ، وبتقاعسهم وتقاعدهم تذل ، حتى أضحوا رموزا تضاء بها سماء الناس ، وتنار بهم دروب السائرين في طرق الابتغاء. إن سيادة الأمم تنجلي بحسن الاستضاءة بقناديلهم ، وتحتقر بالاستغناء عنها ، لقد علمتنا صروف الدهر ضرورة الخدمة المبالغ فيها للعلماء ليتفرغوا للبحث والتنقيب والاختراع ، إلى أن أصبحوا يسرون في عروق مجليهم ، بهم يحيون وبفقدهم يموتون ، كما تذبل الشجرة بفقد أوراقها وأغصانها ، فيسمع النحيب لوداعهم ، ويندم المفرط في جنبهم ، ويتحسر العارف لفضائلهم ، أذكر هنا المقولة الشهيرة للخليفة الأموي الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حين استشهد سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه “إنكم لا تدرون ما فقدت الأمة من الفقه بموته”.

إلا عند من لا يكترثون لأنفسهم في الحياة ، لا يدرون أين يقعون من هذه الدنيا ، لا يصيبهم هم ولا غم من انفصال العلماء عن دنياهم ، لا يكرمونهم في حياتهم ولا يندبون حظهم بموتهم.

أتباعهم ضعفاء ينصرفون إليهم في حياتهم في سكينة دون جهر يخلد استحضارهم يدفنونهم في صمت دون قوة ذكر لهم ، ليس لهم في زماننا وسائل تخليد ذكراهم .

في وقت تعتني العامة بالغناء الأثيم والرقص الداعر الخسيس الخاسر أهله ، فإذا مات فنان وصف بكل أنواع المدائح ولو لم تنطل عليه ، يحفل بالرياضة وكرة القدم بالخصوص ، رياضة أصبحت في زماننا مجال مال لا مجال قوة بدن ، فإذا مات رياضي أوبطل منها اهتزت الدنيا ولم تثبت ، وقل مثل ذلك عن السياسي والكاتب اللدود وغيرهم ، يضج الإعلام ولا يسكت ، يثار عباب الهرج والمرج لفقدهم أولمجرد حصول أحدهم على لقب أوفوز في منافسة.

وكم من بطل عالمي في حفظ القرآن مر إحرازه مرور المهانين ، وكم مستنبطا لمسائل حلت أزمات الناس ، وكم مبتكرا تقنيات يسرت على الخلق تدبير حياتهم ، لم يعبأ بهم ، أو ربما لدغتهم نيران الحسد والعطب.

إن العالم في زماننا يحيى في صمت ، قد يستنبىء الحجر والمدروعينه على فائدة الأمة ، يسهر الليالي لأجلها ، لكن قد يكافأ بالتجاهل وربما التحدي ولا يفطن لعلاجه النفسي والفكري والمعنوي إلا إذا أصابنا عطل ، وإذا مات دفن في صمت وتجاهل رهيب.

قد ننبأ بوفاته ودفنه في آخر أعداد نشرات الأخبارالمرئية والمسموعة والمقروءة وبشكل مقتضب ، لكن ليس هذا الذي نبغي من ذوينا ، إن ما نرمي إليه هو الرمز إليهم في حياتهم قبل موتهم فيكونون أنوارا ساطعة نستضيء بها في حياتهم وحياتنا ودنيانا كي نقتدي بهم نحترم ذواتنا ونقدسها.

العالم القدير الدكتور الشيخ محمد الشريف قاهر رحمه الله

أكتب هذه السطور ألما لتغابي إعلامنا عن وفاة العالم القدير الدكتور الشيخ محمد الشريف قاهر رحمه الله الذي توفاه الله البارحة ودفن بعد صلاة الجمعة في العاصمة ، دون إجلال منها لفقده ، ولا مبالاة لقيمته ، وجزيل تركته الفكرية والشرعية.

إني أنادي وأدعو بني جلدتي بكل عناية وأخوة وحرص على مصيرنا إلى إعادة النظر في موقفنا تجاه العلماء وقيمتهم ، ما الذي يمنعنا من تخصيص حصص متلفزة ومكتوبة ومسموعة كل يوم أوكل أسبوع لعالم يحدثنا عن تاريخه الشخصي ، عن مراحل تعلمه ، عن أعماله ، عن سر تفوقه ونبوغه ، لماذا لا نكون أكثر جدية مع هؤلاء الأعلام ونحافظ على منزلة رموزنا لتبقى لنا رمزيتنا الخالدة بين الأمم ؟

إذا فعلنا ذلك يمكن حينها أن ننتسب إلى حضارة ، يمكن أن نسمو بأنفسنا ، يمكن أن نغلب الزمن مثلهم ويحصل لنا ميزان التقدم والرقي.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير