موات العاطفة يغتال العمل المنهجي

أحداث تذيب الصخر، ونحن ما بين مشغول يجهل، ومقهور يخاف، وموضوعي يتفلسف!

أين العرب والمسلمون؟ أين “الإنسان” فينا؟ من يفقد الغيرة على المقدسات والأرواح والأعراض والحقوق، لا يمكن تعبئته في عملية بناء وتقدم وتطوير
أو أين التوازن في حياتنا والذي نحتاج إليه في واقعنا، لنجمع على الدوام ما بين مفعول عاطفة تثور وعقل يعمل، وبين تأثير وجدان يتحرّك ومنطق يوجّه، وبين صوت لسان يهدّد ومشروع يُنَفَّذ، وبين شعور يخطب أو يتظاهر أو يكتب أو يرسم، أو يعبّر بأيّ شكل من الأشكال عن سريان الحياة في عروقنا، وبين تخطيط وتنظيم وعمل وتنفيذ وتقويم وتطوير؟

كبت التعبير الحماسي

إنّ طرح شعارات من قبيل “كفى عاطفة وحماسة” تحوّل إلى سلاح قاتل، فمن يتجمّد الوجدان لديه وينكبت الإحساس بين جنبيه، لا يمكن أن يؤدّي واجبا في الاتجاه الصحيح، ومن يفقد الغيرة على المقدسات والأرواح والأعراض والحقوق، لا يمكن تعبئته في عملية بناء وتقدم وتطوير، ومن يقتل المشاعر بحجّة الموضوعية، ويكبت التعبير الحماسي عن المآسي والنكبات والكوارث بدعوى المنهجية، يقتل فينا القدرة على التحرّك الموضوعي المنهجي، ويتناقض مع الخطاب القرآني بين أيدينا وهو الموجَّه إلى القلوب التي في الصدور وإلى أدمغـة ذوي الألبـاب على السـواء، فيثير الأحاسيس كما يحرّك الأفكار، ويضبط العواطف كما يبيّن الحدود.
ولقد رأينا أثر ذلك التطبيقي في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلّم مع صحبه، وكيف وصل بمواقفه وتعامله مع قضايا عصره ومع المشكلات اليومية إلى القلوب والعقول معا، كما نعلم من مشاهد عديدة من السيرة، كقصة الغنائم والأنصار، أو قصّة من أراد الترخيص لنفسه بالفاحشة، وغيرها.

خطاب حماسي أم إعداد منهجي

وليس صحيحا ذلك الوهم القائل إنّ عالمنا المعاصر لا يعرف على طريق تقدّمه وصناعة الأحداث فيه وتحقيق كلّ فريق لنفسه ما يستطيع تحقيقه من أهداف مشروعة أو أطماع باطلة، إلاّ ما يوصف بطريق الموضوعية والمنهجية والعقلانية، بل هذا جزء من الوسائل التي يوظّفها، إلى جانب وسائل تخاطب العواطف والأحاسيس والمشاعر، فلا تناقض بين بحوث علمية ومنجزات تقنية، وبين معين لا ينضب من القصص والأفلام والمسرحيات والقطع الفنية والمعارض والمنتديات وسوى ذلك من وسائل تسلك دروب العاطفة أكثر من سواها.

لا نريد قطعا خطابا حماسيا دون إعداد منهجي لتحقيق أهداف مشروعة يطرحها وأحلام مستقبلية كريمة يعبّئ طاقاتنا لتوفير الإمكانات اللازمة للوصول إليها، إنّما نريد ذلك التوازن الذي تميّز به ديننا الحنيف، فلم يترك جانبا من جوانب الإنسان وفطرته ومواطن التأثير عليه أو يهمل سبيلا من السبل القويمة لتوجيه طاقاته وإمكاناته وتنميتها، وذاك ما لا غنى عنه إذا أردنا النهوض من جديد، أمّةً تحمل رسالة العدالة والهداية للبشرية في عالمها وعصرها، وليكون من سلك هذا الصراط من أبنائها جديرا برضوان الله وجنته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

نبيل شبيب

كاتب وباحث ومفكر اسلامي

‎مالك ومدير موقع ‎مداد القلم‎