أسرار صعود إيران في المنطقة

لعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية أصبحت اليوم مضرب الأمثال في القدرة على الانتشار، وتحقيق الأحلام بقدرة الأفعال ، ووضع الجسارة في خدمة الإرادة ، وذلك يتجلى على أرض الواقع من طهران وحتى دمشق!

وفى عالمنا العربي النظرة إلى إيران نظرة حدية ، فإما أن تكون: من أتباع عثمان ومعاوية أو من أشياع على والحسين!؟ قومي عربي سُنى أم مجوسي فارسي شيعي؟ مع أو ضد؟ أبيض أو أسود؟ هنا أم هناك؟

كيف ينظر العرب إلى إيران؟

إيران الدولة النموذجية

فهناك فئة من العرب ترى إيران الدولة النموذج التي تقف بجوار القضية الفلسطينية ، وتقف ضد إسرائيل وضد قوى الاستكبار العالمي عن طريق دعم حركات المقاومة في كلاً من فلسطين ولبنان وامتدت المساعدات إلى اليمن وسوريا! (حماس، الجهاد الإسلامي، حزب الله اللبناني ، الحوثي ، الجيش العربي السوري).

إيران الدولة الغازية

وهناك فئة أخرى ترى إيران الدولة الغازية التي تُريد السيطرة على الأمة العربية عن طريق نشر مذهبها الشيعي باستخدام ميلشياتها المنتشرة في كل مكان من المنطقة.

إيران الحقيقية

ولعل الحقيقة أبعد وأعقد من ذلك، فإيران ليست الملاك الحارس المُساعد لكل القوى المستضعفة في المنطقة. كما أنها ليست الشيطان المتنكر بارتداء عباءة الملالى في قُم وطهران!

ولكن إيران دولة ، وليست مؤسسة خيرية تمنح الهبات ، وتتدخل بقضها وقضيضها ، وسلاحها ، وعتادها ، ورجالها كلما احتاج إليها أحد.

إيران دولة لها رؤيتها و مصالحها واستراتيجياتها العليا التي تتصرف وفقاً لها وتنفذها عن طريق قدرتها و أدواتها المرنة (إعلام) والصلبة (التدخل بالقوة سواء مباشرة باستخدام حرسها الثوري ، أو الجيش ، أوعن طريق أجنحتها وميلشياتها في عدد من البلدان).

محددان يصنعا سياسة الدول

وفى سياسة الدول عامة يحكم ويتحكم محددان لدى قادة الدول هما:

• مصالح الدولة.

• مبادئ الدولة.

التوافق بين مصالح ومبادئ الدولة

وكلما استطاعت السلطة السياسة (أي سلطة سياسية) أن توفق بين مصالح الدولة ومبادئ الدولة ، كانت درجة النجاح و الإجادة والإشادة أعلى و أكبر للقائمين على الحكم في تلك الدولة. وتلك طبيعة أشياء قبل أن يكون منطق الأمور وذلك أمر ينبغي معرفته و فهمه جيداً.

أسباب الصعود الإيراني بدأ من عام ٢٠٠١

وإذا أردت أن أضع نقطة إنطلاق لأسباب الصعود الإيراني دون أن أجد نفسى تائهاً في تلافيف التاريخ منذ عصر النبوة (محمد صلى الله عليه وسلم)، فعصر الخلفاء مروراً بعصر الفتنة الكُبرى ، وحتى يومنا هذا. ودون أن أغرق في شرح المذهب الشيعي وفرقه وفكره.

فقد قررت أن تكون النقطة السياسية التي أرتكز عليها وأنطلق منها، وتكون موثقة وكاشفة ومُبينة ومفصحة في نفس الوقت. هي فترة حكم الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش”(2001) ، ولعلها تتشابه مع بدايات حكم الرئيس الجديد (دونالد ترامب)! “فبوش الابن” (الجمهوري) تولى رئاسته وسط شكوك وأقاويل عن أخطاء في فرز الأصوات بينه وبين مرشح الحزب الديموقراطي “آل جور”.

وكذلك الرئيس الأمريكي “ترامب” (الجمهوري أيضاً) الذى سيتسلم مهامه بعد قليل ويتولى مقاليد الحكم. فهناك شكوك أعلنت واتهامات صدرت حول فوزه (أي ترامب) ضد مرشحة الحزب الديموقراطي “هيلاري كلينتون” ! وذلك بتدخل جهات خارجية (روسيا الاتحادية) في العملية الانتخابية لصالح “ترامب” الجمهوري وضد “هيلاري” الديموقراطية! وذلك بأمر من قيصر روسيا الجديد والعنيد “فلاديمير بوتن”.

ولم يعد الأمر مجرد شكوك ولكن تطور للإتهامات صرح بها وأعلنها الرئيس “أوباما” المنتهية ولايته. وكذلك يتشابه كُلاً من “بوش الابن” و “دونالد ترامب” في جهلهم بالسياسة الخارجية ، فبوش الابن قال يوما في اجتماع لأركان إدارته عقب حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر:

” إنني متحيرا، فعندما كنت طالبا في الجامعة وكنت أعيش مع أبى في البيت الأبيض ، كنت أعرف أين نحن.
كنت أعرف أننا “هنا” وأن الشيوعيين “هناك” وأن بيننا وبينهم صراعا، أي أنهم كانوا العدو.
وأما الآن فلدى إحساس بالضياع لا أعرف معه على وجه القطع من هو العدو؟
لكنني في أعماق شعوري ، أوافق أن هناك أعداء لنا ، وأن الأعداء “هناك” في موقع ما “هناك” ، ولكن أين بالضبط؟ ، هذه هي المعضلة!

أما ترامب فقد قال عنه “أوباما” حينما سُأل عن خبرة ترامب في السياسة الخارجية فأجاب:

“يقولون إن دونالد يفتقر للخبرة اللازمة ليصبح رئيسا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لكنه وللإنصاف أمضى سنوات في لقاءات مع زعماء من أنحاء العالم: ملكة جمال السويد وملكة جمال الأرجنتين وملكة جمال أذربيجان” مشيرا إلى منافسات ملكة جمال الكون التي كان ترامب سابقا أحد ملاكها”!

جوهر المشروع الإمبراطوري الأمريكي في عهد الصقور؟

في فترة الرئيس “دبليو بوش” وفى مرحلة التجهيز للحرب ضد العراق ، والإعداد لغزو عاصمة الرشيد (بغداد) ، ومع محاولة إقناع عدد من القادة العسكريين الأمريكيين الذين أبدوا اعتراضاتهم لعدم وجود مبرر(حقيقي للحرب) وغزو العراق وإسقاط الرئيس العراقي الأسبق “صدام حسين”
وفى تلك اللحظة قرر وزير الدفاع الأمريكي وقتها “دونالد رامسفيلد” أن يصارح القادة بجوهر المشروع الإمبراطوري الأمريكي التي جاءت إدارة الرئيس “بوش الابن” لتحقيقه ، ويوضح الأهداف الحقيقية من عملية الغزو التي يعترض عليها بعض الجنرالات الأمريكيين.

وطبقاً لمذكرات الجنرال “ديفيد ماكيرنان” (قائد القوات البرية فيما بعد في العراق. أنه قد حدث إجتماع بين “رامسفيلد” وبين هيئة أركان الحرب المشتركة الأمريكية ، وبحضور قائد المنطقة المركزية الجنرال “تومي فرانكس: أن وزير الدفاع أشار إلى خريطة تملاء جداراً كاملاً لقاعة الاجتماعات السرية عارضاً ما مؤداه :

” إن نظرة على الخريطة تؤكد أن الولايات المتحدة محيطة بكل ناحية بالعراق ، فهي تملك قواعد على تواصل دائرة كاملة تبدأ من الخليج إلى باكستان إلى أفغانستان إلى أوزبكستان إلى قيرجستان إلى تركيا إلى إسرائيل إلى الأردن إلى مصر إلى السعودية ودول الخليج.

وبجانب ذلك فأنها تملك محطات وتسهيلات مفتوحة لها دون قيود في مياه الخليج والبحر الأبيض والبحر الأحمر ، ومعنى ذلك أن العراق بالضبط نقطة في مركز دائرة واسعة ، وهذه فرصة تاريخية:

أولاً- للسيطرة على مركز الدائرة في بغداد ليكون النقطة الثابتة في الدائرة الأوسع المحيطة به.

ثانياً- لتصفية ما تبقى من مواقع مشاغبة ومعاندة للمشروع الأمريكي في المنطقة (إيران وسوريا) وذلك دون حاجة للاستعمال السلاح.
لأن وجود قوات أمريكية في العراق يعنى:

حصار إيران

حصار (إيران) من ناحيتين. ناحية: “أفغانستان” التي تحتلها بالفعل قوات أمريكية (بعد هجوم 11 سبتمبر على برجي التجارة ، وإعلان الحرب على طالبان والقاعدة). وناحية “العراق” إذا وقع احتلاله بقوات أمريكية.

كما أن (سوريا) في وضع أصعب، لأنها بعد احتلال العراق ، مفتوحة من الشرق بوجود أمريكي في الجوار المتصل بها إلى درجة الالتحام. ومحاصرة من الشمال “بتركيا” والوجود الأمريكي القائم فعلاً على أرضها ، و”بمناطق الأكراد” شمال العراق والولايات المتحدة معهم هناك أيضاً. إلى جانب “إسرائيل” من الجنوب. إلى جانب أن النظام في “الأردن” ليس صديقاً مغرماً بالنظام في دمشق، إلى جانب وجود عناصر مؤثرة في التركيبة اللبنانية لا يرضيها تحكم سوريا في القرار اللبناني.

” و إذن فهذه وبضربة واحدة خريطة جديدة “مثالية” تماماً للشرق الأوسط ، تقوم الولايات المتحدة “بتشكيلها” و”رسمها” و أيضاً تنظيفها من “جيوب كارهة” لأمريكا مازالت تكابر وتجادل وتعاند”.

شهادات من جنرالات أمريكا بحق إيران

وطبقاً لشهادة الجنرال ” ماكيرنان”: أن الخريطة كانت ملاء الحائط ، وقد شرح “رامسفيلد” تصوراته بالإشارة إليها وكان شرحه منطقاً استراتيجياً محكماً تصعب مناقضته . و خصوصاً أن محيط الدائرة الواسعة مطبق على كل مواقع إنتاج البترول (العربي والإيراني وبحر قزوين) وذلك أكثر من نصف مارد العالم من الطاقة ، وعليه فان الجائزة الاستراتيجية و الاقتصادية تستحيل مقاومتها”.

وأثناء رفض وممانعة عدد من المؤسسات الأمريكية وعلى رأسها الكونجرس لمنطق الغزو والحرب على العراق، وذلك “لأنها تجد أن كل الحجج والذرائع التي يعلنها بوش وإدارته للحرب على العراق وغزوه ، لا تدُل على انه لديه استراتيجية عُليا تحكمه”.

وهنا ذهب أحد رجال المشروع الإمبراطوري الأمريكي وقتها وهو من أقرب المقربين ل”رامسفيلد” وهو “فرانك كارلوتشى” إلى الكونجرس وقال:
“إن الذين يسألون عما إذا كانت لدينا استراتيجية عليا يصح لهم أن يعرفوا أن لدينا استراتيجية عُليا غاية في البساطة.

نحنُ نريد في المنطقة نُظماً موالية لنا ، لا تقاوم إرادتنا. ثم إننا نريد ثروات هذه المنطقة بغير منازع ، ونريد ضماناً نهائياً لأمن إسرائيل لأنها الصديق الوحيد الذى يمكننا الاعتماد عليه في هذه المنطقة”. ويستطرد ” كارلوتشى” قائلاً :

“لا بد من تغير النظام في العراق بالسلاح ، وبعده في “إيران” و “سوريا” ، وبعدهما في “السعودية” و”مصر” وفى الغالب فإن ذلك ممكن بغير استعمال السلاح ، والواقع أن هذه كلها نُظماً محسوبة علينا وهى تُحملنا أعباء مكلفة بغير فائدة”

والذى حدث أن الولايات المتحدة دخلت بدباباتها إلى العراق من حدود عربية ، وكان ذلك أمراً محزناً ومخزياً ومثير للرثاء داعياً على اليأس من وجود أمة عربية واحدة!

بشار الأسد في طهرانلعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية أصبحت اليوم مضرب الأمثال في القدرة على الانتشار

وهنا نظرت دمشق وطهران وكانت الاستراتيجية الأمريكية واضحة لهما ، وحسب الكتاب المرجع الموثق “الأسد بين الرحيل والتدمير المنهج” للصحفي “سامى كليب”

أن القلق السوري تلاقى مع المخاوف الإيرانية ، وقبل الحرب سافر الرئيس السوري إلى طهران والتقى بالقيادة الإيرانية وعلى رأسها المرشد “على خامنئي”. وكان تقديرهما :

• أن الحرب واقعة لا محالة ، وانه بكل أسف فإن النظام البعثي في العراق لن يستطيع المقاومة كثيراً.

• أن وجود الأمريكيين في العراق سيصبح عامل ضغط رهيب على كلا النظامين والدولتين (سوريا وايران)

• فإما أن يستطيع النسر الأمريكي بقوته أن يفرد جناحيه ويُزيح نظام “البعث في دمشق” ، و “الملالى في طهران”.

• أو أن كُلاً من “البعث السوري والملالى الإيراني” يضعوا الأمريكيين بينهم ككسارة البندق ، ويضغطوا عليه ويرفعوا تكلفة وجوده في العراق حتى يُضطر للخروج مهزوماً.

وذلك ما يظهر من محضر المباحثات الذى نشره سامى كليب في كتابه، والذى الذى أورد فقرة منه: الرئيس السوري (بشار الأسد):

الرئيس السوري (بشار الأسد)

“إن إطالة أمد الحرب مع الولايات المتحدة هي أهم ما يمكن أن نعمل عليه ، لأن ذلك سيؤدى إلى إنهاك أمريكا ، وإغراقها أكثر في الوحل العراقي. صحيح أن الشعب العراقي لا يُحب “صدام حسين” ، لكنه في نفس الوقت لن يقبل احتلالا أمريكياً لأرضه.

ونحن على اقتناع أن مقاومة ستنطلق ضد هذا الاحتلال ، ولابد لنا من التنسيق قبل الحرب ، لأنه في حال نجحت أمريكا في العراق فإن إسرائيل هي من ستقرر مصير الجميع بما فيهم سوريا وإيران .

ونحن نعتقد أن علينا التركيز على المواطن العراقي غير المُرحب بالأمريكي أو المرتبط بواشنطن ، ولا ينتمى لأى جهة . يجب أن نعمل على إفشال أمريكا في العراق ، وإن لم نستطع هزيمتها يجب أن نساهم في إبقاء الوضع متفجراً ، وأن تحصل عمليات استشهادية ، وذلك لأن أكثر شيء يرعب الأمريكيين هو أن نقول لهم : “إن أبناءكم سيقتلون في العراق”.

المرشد الإيراني (على خامنئي) :

“نحن معك تماما في رأيك وتوجهك ، يجب أن يخرج الأمريكيين من العراق بأسرع وقت ممكن ، وذلك ما يجب أن نعد له سويا ، وأن نعمل من أجله من الآن “.

ومن مطالعة محضر الاجتماع الذى حضره الرئيس السوري “بشار الأسد” والمرشد الإيراني “على خامنئي” والرئيس الإيراني “محمد خاتمي”.
يمكن ملاحظة: أن الرئيس الإيراني “خاتمي” كان متردداً وحذراً في قبول مقترحات وأفكار نظيره السوري ولذلك أسباب؟

خاتمي يحاول التفاهم مع الأمريكيين

عرض الإيرانيون وبالتحديد الرئيس الإيراني “محمد خاتمي” فكرة إجراء محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية وفتح كل ملفات المنطقة للتفاهم عليها ، على القيم بالمصالح الأمريكية (لأن أمريكا ليست لها سفارة في ايران) ، السفير السويسري “تيم جولد مان” وخرج “جولد مان” من طهران إلى واشنطن وهو يحمل وثيقة إيرانية تعرض أمراً لم يكن يتصوره الكثيرون في ذلك الوقت ، ألا وهو: مفاوضات شاملة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران.

كان اقتراح ذلك العرض وإعداده جاء من قبل السفير الإيراني في فرنسا “صادق خرازي” وعرضه على الرئيس “خاتمي” وقد وافق عليه. ووضع العرض ملامح عملية اصطفاف استراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران على أساس حل جميع نقاط الخلاف بينهم بما فيها (الصراع العربي الإسرائيلي!).

ووصل الاقتراح إلى وزارة الخارجية الأمريكية ، وكذلك إلى البيت الأبيض عن طريق مستشار الرئيس الخاص “كارل روف” ، الذى وصله الاقتراح من صديقه عضو الكونجرس عن ولاية أوهايو “روبرت ناي” والذى أرسله له الإيرانيون.

أقر الكثيرون في وزارة الخارجية الأمريكية أن العرض مثير للاهتمام وأنه عرض حقيقي للتفاوض والوصول إلى اتفاق. ورد المسئولين في الخارجية ذلك العرض لإحساس ايران بالضعف بعد النجاحات التي حققتها القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق.

فضل بعض كبار المسئولين الأمريكيين أمثال وزير الخارجية “كولين باول” ونائبه “ريتشارد أرميتاج” إعطاء رد إيجابي لطهران. لكن نائب الرئيس “تشيني” ووزير الدفاع “رامسفيلد” لم يمنحاهما الفرصة لمناقشة إيجابيات وسلبيات العرض. كانت حجتهما بسيطة ولكنها مدمرة ، إذ قالا بإصرار :

“نحن لا نتكلم أو نتفاوض مع الشر”. ونحن قادرين في المستقبل القريب على الحصول على ما نريد مجاناً وبدون أية أعباء أو تقديم تنازلات لأحد من آيات الله في طهران.

استراتيجية طهران الجديدة

وبرفض العرض التفاوضي الإيراني قررت طهران الآتي:

• التعاون بلا حدود مع سوريا في العراق لإخراج الأمريكان منهزمين منه. (وقد قامت ايران بتمويل كافة الجماعات الرافضة للاحتلال الأمريكي في العراق ، وكانت أكثرها جماعات من السنة!).

• دعم كل الجماعات الرافضة كذلك للاحتلال في أفغانستان ، ومدها بكل ما تحتاجه من أجل قتال الأمريكيين وهزيمتهم ، وكانت أغلب تلك الجماعات من السنة أيضاً).

• من الأن لن يتم الحديث عن التفاوض مع الأمريكيين مرة أخرى، إلا بعد أن تخلق طهران موقف تفاوضي أقوى، وذلك بالضغط على تواجد القوات الأمريكية في كل مكان في المنطقة المحيطة بإيران وتجعلها (أي القوات الأمريكية) مُحَاصرة(بفتح الحاء) وليست مُحاصِرة (بكسر الحاء).

النتائج السياسية والاستراتيجية

إن ما حدث بعد ذلك هو أن إيران وسوريا شددوا الضغط على القوات الأمريكية في العراق وهو ما أنتج خسائر فادحة في القوات الأمريكية (رغم مرور تلك المدة فان البنتاجون لم يعلن حتى الأن عن عدد الخسائر الأمريكية على مستوى قواته في العراق).

في محاولة لتلافى الخسائر في القوات الأمريكية قام نائب الرئيس وقتها (ديك تشيني) ووزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) بإسناد المهام القتالية لشركات أمنية أمريكية مثل (بلاك وتر) وغيرها.

إن إيران شددت الضغط مع سوريا على القوات الأمريكية في كُلا من العراق وأفغانستان ، ومع الضغط العسكري كانت إدارة بوش الابن تواجه بعاصفة من النقد لسياسته حول العالم من كل مكان ، وكان الداخل الأمريكي يطلب ويلح بل ويضغط من أجل الانسحاب من كُلاً من العراق وأفغانستان.

حاولت الولايات المتحدة بمساعدة إسرائيل توجيه ضربة غير مباشرة للمحور الإيراني السوري فكانت حرب “تموز2006” ضد (حزب الله) اللبناني، إلا أن فشل إسرائيل في تحقيق أهداف العدوان التي أعلنتها ، وثبات حزب الله في المواجهات العسكرية عُد هزيمة لإسرائيل ، أضاف إلى القوة الإيرانية.

شعرت الولايات المتحدة بحاجتها للتفاهم مع إيران سوء من أجل استمرار قوتها في المناطق المختلفة لتقليل الخسائر، أو من أجل الانسحاب باطمئنان بدون قلق.

إن دخول أمريكا بقواتها للعراق أزاح من على كاهل إيران عدو كبير لها وهو النظام البعثي (الصدامي). وعندما أرادت الولايات المتحدة الانسحاب من العراق كان طبيعياً أن إيران هي القوة الجاهزة بل والمؤهلة لأن تملاء الفراغ الذى ظهر في العراق بعد سقوط نظام “صدام” ، وانسحاب القوات الأمريكية.

إن الكثير ينسى أن أغلبية الساسة الذين يحكمون في العراق اليوم هم ممن دخلوا في الدبابات الأمريكية التي غزت العراق (نور المالكي مثال)،ولكنهم اضطروا إلى أن يبدلوا ولائهم من أمريكا الراحلة لإيران المُقبلة بقوة! ولأن السيد الباقي خير وأفضل وأهم من السيد الراحل!

كذلك بدخول القوات الأمريكية إلى “أفغانستان” تم إزاحة نظام سنى متطرف ضد الشيعة عامة وإيران خاصة (طالبان) بقيادة “المُلا عمر” ويحالفه جماعة أكثر تطرف (القاعدة) بقيادة “أسامة بن لادن”.

إن إيران دخلت إلى الساحة الأفغانية وقامت بدعم الشيعة في أفغانستان بكافة الطرق والأشكال ، كي يكونوا ثقلاً موازياً أمام السنة في أفغانستان ، وكى تكون حاضرة في أي تسويات قادمة في ذلك البلد.

رافق ذلك حدوث إختراق مهم في المشروع النووي الإيراني عندما قامت إيران بالحصول على عدة تقنيات تُفيد وتسرع من وتيرة البرنامج النووي الإيراني من مدير البرنامج النووي الباكستاني العالم “عبد القدير خان”.

أنه مع خواء العالم العربي من فكرة تجمع العقول أو توحد القلوب. وفى ظل غياب مشروع قومي جامع يوحد رؤيتها ويوجه جهودها . ومع فقدان العرب لقيادة قوية وملهمة و قادرة على تجميع شتات الوطن العربي والقفز به فوق جراحه ومآسيه . ولكل هذه الأسباب ظهرت إيران بمظهر السيد الكبير المسيطر.

أسرار الصعود الإيراني في المنطقة؟

والخُلاصة أنه ليست قوة إيران فحسب هي التي يجب أن يُنظر لها ويُحسب حسابها ، ولكن أيضاً ضعف العالم العربي ، وتنازع دوله ، وتشاحن قيادته واختلاف شعوبه هو الذى سمح و يسمح وسيسمح لإيران وغيرها بالتدخل في شئون العرب.

لأن العالم العربي قد أصبح في أسوأ حالاته، فهو منقسماً على نفسه في الظاهر والباطن ، ومتضارباً في النوايا وكلها غامضة ، ومنهكاً في المظاهر وكلها خداعة.

ورحم الله الشاعر الذى قال:

“لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها… ولكن أحلامُ الرجال تضيقُ”

فيديو مقال أسرار صعود إيران في المنطقة

المراجع

1- الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج ـ سامي كليب.
2- مذكرات الجنرال “ديفيد ماكيرنان”.
3- إيران والمجتمع الدولي – تيرتا بارزى.
4- البرنامج النووي الإيراني – د. عطا محمد زهرة.

أضف تعليقك هنا

مجدي منصور

‎محامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة