أعظم الضرر من مستصغره

كتاب “العمل الجماعي” للدكتور ابراهيم الفقي رحمه الله

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
وأنا أقرأ كتاب “العمل الجماعي” للدكتور ابراهيم الفقي رحمه الله يتحدث في الصفحة 88 منه عن التوظيف الخاطىء .. باهظ الثمن ، فيقول “إن أعظم الضرر يبدأ بمستصغره ، لذلك عليك أن تعتني بصغار الأضرار حتى تتجنب عظيمها”

فرأيت هذه القاعدة شاملة لنواح شتى ، ومقاصد كثيرة ، ولئن كان الدكتور رحمه الله يتحدث عن التوظيف غير المدروس وهو مفسدة صغيرة تؤدي إلى مفسدة أكبر وهو عدم كفاءة المكلف الذي يصعب بعدها إقالته ، فمجالاتها جمة.

إن دراسة القرارات شيء ذو بال على مستقبل التصرفات ، ومنه ما يعرف بالتسرع. فهذا العالم الرباني ابن تيمية رحمة الله عليه حين طُلِب منه نهي مجموعة من التتار عن الحمر وهم سكارى، فامتنع لأنهم إذا صحوا عادوا إلى التنكيل بالمسلمين ، فرأى نهيهم صغير الأذى سيؤول إلى أعظمه.

منع من النهي عن المنكر إذا أدى إلى منكر أكبر منه

ومنه القاعدة التي سنها الإمام مالك رحمه الله استلهما من نصوص الشرع حين منع من النهي عن المنكر إذا أدى إلى منكر أكبر منه.
ومنه تفسيرنا لما ورد عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق” رواه مسلم.

فلقيا المسلم بوجه عبوس ولو دون قصد أمرحقير لأنه سيؤدي إلى الكبير وهوالنفور. لذلك نهى الله تعالى عن كثير من النوازل الصغيرة المؤدية إلى أعظمها ، كالنهي عن النظرة إلى الأجنبية والخلوة بها لأنه سيؤدي حتما إلى الكبير وهو الفاحشة. ومنه استصغار عاديات الأموال المؤدي إلى الأعظم وهو الربويات والغش والغبن والخداع والسرقات وغيرها.

إن إساءة الحاكم تدبير الأحكام وسن التشريعات وإصدار القرارات انحراف صغير لكنه سيحقق فتنة الهرج والمرج. إن استهتار الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله بالعدو آل به إلى تدمير العراق واحتلالها ثم قبره. إن بريق شرارة لم تعتبر يحرق بيوتا وعمارات.

الجهل

لقد رأيت الجهل من هذا القبيل ، إذ أنه ازدراء قيمة العلم ، فما يكون عاقبته إلا خراب النفوس والأمم. ومنه تفضيل بعض الأولاد على بعض ولو في ضامر السلوكات خلل صغير سيفيء بينهم إلى التباغض وغيره يأتي على الأسرة وقوامتها. قد يتهاون التلميذ عمدا في دراسة محور من منهاج أو برنامج أوعنصر من درس وهو نقص يراه صغيرا لكنه سيصير كبيرا حين يدرج في أسئلة الامتحانات فيخسرها بسببه. قد يزدري عامل بناء ضبط بعض اللبنات فينهار البناء من أصله.

ومنه اللمم وهو خفيف الذنوب التي ألف مرتكبها التجاسر على الله تعالى فيوقعه ذلك في الذنوب الأجل ، ما كانت لترتكب لولا التعود على الرذيل المستصغر ، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشبهات لأنها تقود في طريقها إلى اليقينيات.

إن تطبيقات هذه القاعدة كثيرة تشمل الحياة كلها ، ألا ترى معي أيها القارىء الكريم إلى الكلمة السيئة السافلة التي تهوي بصاحبها في قاع جهنم؟

عَنْ هَنَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ الحَارِثِ المُزَنِيَّ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» رواه الترمذي وابن ماجه والإمام مالك في الموطأ.

ولذلك قال الشاعر “لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى”

ألا ترى أن حروبا انتـفضت لأجل كلمة فقط ، وعداوات أبعدت أحبة بباعث منحط ، ومؤسسات وشركات شامخة تحطمت بين يدي أخطاء تافهة ، بل ودعوات إلى الله تعالى أصيبت بدنيء سلوكات ؟

ومن هنا تحمل التبعة لكل إنسان مهما كان موقعه من المجتمع ، تجنبا لغضيض الأمور خشية دفع باهظ الأثمان.

وفي الأخير إن التوفيق متوقف على حسن النظر والتسديد في الكلام والتصرف والقرار ، من أوهن وهلة كي تتحول إلى الميدان مكللة مراعية المصالح العامة والمنافع الخاصة عاصمة من الاضطراب والنفوروالوحشة.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير