الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بين الحقائق التاريخية والأوهام العاطفية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد خلقت الإنسانية متعددة الجنسيات والشعوب واعتبر ذلك من الثراء البشري في الكون، كان قبل الإسلام لكل قبيلة أوبطن أوعشيرة أيام ومناسبات سنوية تحتـفل بها ، هي مصدر إلهام عند بعضها ، ومنبع تعصب لدى طائفة ، ومنبت جاهلية منتنة لدى فئة ، حتى أضحت باعث تفرقة بين الشعوب بل وحروب كبيرة ،تولد بها الافتخار بالآباء والأنساب والأحساب ، حتى غدا ذلك حشو القصائد والأشعار ، فألغاها جميعا وأبدل الناس بعيدين شرعيين وهما الفطر والأضحى يحل للناس كثير من البهجة واللهو وغير ذلك.

وحذر من العودة إلى مفاخر الجاهلية ، ولنراجع خطبة حجة الوداع التي أصلت لهذا ، وأمر باتباع سنته في الاحتفالات والمناسبات ، في العادات والعبادات.

السنة الأمازيغية والإحتفال بالسنة الجديدة في الاسلام

أتجاسر على هذا الموضوع بعد اللغط الكثير الذي خاض فيه مجتمعنا الجزائري حول عيد السنة الأمازيغية ، وقضية الملك شاشناق التي اتخذها جزء من الخائضين تدليلا على تأصيل العيد الأمازيغي بالقول إنه حارب الفرعون المصري وانتصر عليه ذلك اليوم ، واتخذها شطر منهم للرد على الآخرين وأنه لا علاقة للملك شاشناق بهذا العيد مع كونه أمازيغيا لأن الناير لم يكن معروفا ، والشهور كانت عشرة فقط ، ومن قائل إنه كان ملكا مصريا خالصا استلم الملك بالسلم دون الحرب ولا الانقلاب ، ولا علاقة له بالأمازيغ وما الإثارة عند إخواننا الأمازيغ إلا لتبرير الاحتفال بهذا اليوم ، ومن قائل إنه يوم حساب فلاحي فقط لا علاقة له بالتعداد الأمازيغي ، ومن قائل إن التأريخ له أكذوبة من قبل ناشط جمعوي بمناسبة الربيع الأمازيغي في الجزائر سنة 1980م.

نعم فكرة تعميق البحث التاريخي في هذه المسألة وغيرها أمر من الأهمية بمكان ، لكن بضوابط منها:

نقاط مهمة عن الإحتفال بـ السنة الأمازيغية الجديدة

1 / التحرر من التعصب ، والقبول بالحقائق المدعمة بالأدلة العلمية الصحيحة الدامغة ، ولو أن حقائق الوقائع التاريخية تبقى دائما نسبية ، لأن الغلو سيؤدي حتما إلى إلغاء الآخر والتعايش لا يكون بـهذا الشكل.

2 / عدم اعتبار هذه المناسبات معيارا عنصريا أوجنسيا.

3 / القبول بالتعقيب والرد على الآراء التاريخية والتي نؤكد دائما إنها نسبية.

4 / التـفتح مع المخالفين وتبادل النقاش الهادىء الهادف إلى استصدار الحق ولو ضد توجه النفس وأنه نسبي كما قلنا.

5 / البعد عن التعصب للجنس ، واعتبار كل ذلك من سنة الله في خلقه وهي التعارف وتبادل الخبرات والثقافات.

6 / عدم الاعتماد الكلي على هذه الوقائع في صنع مستقبلنا الاقتصادي والتكنولوجي والصناعي والحضاري.

7 / استخراج الأدلة العلمية والحقائق التاريخية والأحداث اليومية لتلك الحقبات بذكر الشخصيات الفاعلة على مسرح الكون ، مع أرقام السنين والأيام.

صحيح ! قد يطلب البعض منا الاستلهام من الماضي ، لكن الاحداث التاريخية تؤكد على أن الماضي الحضاري الذي نستلهم منه القوة والمستقبل هو الإسلام ، أما حادثة عربية أو بربرية أوغيرهما فلا أظن أنها تساهم في صياغة مستقبلنا ، لأنها لا تملك القواعد والأسس والتشريعات والقوانين كي نتمسك بها فيزهو حاضرنا ثم مستقبلنا. بل وذلك لا يبنى بما يشتهيه الفرد والجماعة البشرية من المأكولات والحلويات والمشروبات ، وإن كان ولابد فلتكن موعدا مع أخذ العبر ، إن كان التأريخ صحيحا.

مقارنة الاحتفال بالإسراء والمعراج و السنة الأمازيغية

فهذه ذكرى الإسراء والمعراج التي لا يجبر مؤمن على الاحتفال بـها رغم تحويلها مسار الدعوة الإسلامية على مستوى الثقة في رسول الله صلى الله عيه وسلم ، وأهمية مكان الإسراء ، ومنها رأس السنة الهجرية ، وكل انتصارات المسلمين وفتوحاتهم ، فكم يكون لنا من عيد لو احتـفلنا بكل غزوة وانتصار للمسلمين على غيرهم ؟ ولذلك ربما تشدد بعض العلماء في تبديع هذه المناسبات.

إخواننا المسلمين من غير العرب

لننظر بكل حيادية إلى إخواننا المسلمين من غير العرب بداية لا نهاية : سلمان الفارسي ، صهيب الرومي ، بلال الحبشي وغيرهم، كيف تخلوا عن عصبيتهم لأجناسهم واصطبغوا بصبغة الإسلام وسادوا العالم ، ولنلتـفت وراءنا إلى إخواننا الأمازيغ الأحرار الذين جاهدوا مع الفاتحين وكانوا مضرب المثل في الوفاء والولاء للعقيدة فقط ، بل وتخلوا عن كل عيد ومناسبة ألفوهما من قبائلهم الماضية ، والتصقوا بما وحد عليه الإسلام الناس ، لكن عندما ضيعنا إلهامهم تخلى عنا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.

إني أحذر إخواني العرب والأمازيغ في الجزائر من التلاعب السياسوي بسبب هذه المسالة التي كانت سابقا تعرف بالعيد الفلاحي فأصبحت عيدا قوميا.

كن عربيا أوقبائليا أوتارقيا أوشاويا أوميزابيا أوغيرهم ، لكن العقيدة هي المقدمة ، هي الناصية التي نبني على أساسها بلدنا وحضارتنا ، والشهود على ما نقول من الألداء قبل الأصدقاء.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير