العرب والأتراك والتجربة الاسلامية السياسية الحديثة

كثيرا ما أرقت فكرة التمايز بين التجربة الاسلامية السياسية التركية والتجربة العربية المفكرين والمنظرين الإسلاميين, ما الذي أتاح للإسلاميين الأتراك الفرصة ان يكونوا جزءا من المجتمع الدولي كأول دولة إسلامية حديثة منذ سقوط الخلافة وحتى يومنا هذا، بينما الاسلاميون العرب لا زالوا يحلمون بدولة الخلافة الاسلامية بشكلها القديم التاريخي دون ان يكونوا قادرين على التواجد في النظام العالمي الجديد بصبغتهم التاريخية القديمة أو أن يطوعوا النظام العالمي ليتماشى وشكل دولتهم.

ولفك طلاسم هذا اللغز المحير لا بد لنا من فهم طبيعة الاختلاف بين الشكل القديم للدولة والشكل الحديث للدولة في ظل النظام العالمي الجديد. يسرد الدكتور ابراهيم الشطي في كتابه “الاسلاميون وحكم الدولة الحديثة” في فصله الثالث أهم الاختلافات النمطية بين الدولة الحديثة المعاصرة والدولة الاسلامية القديمة وهي:

الاختلافات النمطية بين الدولة الحديثة المعاصرة والدولة الاسلامية القديمة 

أسباب محددة أدت لنجاح التجربة التركية الاسلامية الحديثة وأسباب أدت إلى فشل الاسلاميين العرب
مصدر صورة الخلفية Newsweek

١. التباين في التأصيل

فالاصل في دار الاسلام ان تكون في حالة حرب مع جيرانها فذلك كان ما يحكم علاقة الدول العظمى في كل العصور قبل قيام النظام العالمي الجديد. بينما الدولة الحديثة قائمة على حالة السلام الدولي الذي يضمنه الخمسة الكبار أعضاء مجلس الأمن، أو على الأقل حالة السلم فيما بينهم.

٢. الاختلاف حول مفهوم السيادة

ففي دولة الاسلام السيادة هي على ما وصلت له قوة جيوش المسلمين من أراضٍ، بينما في الدولة الحديثة السيادة تنحصر في حدود الدولة الجغرافية مهما تضخمت قوة الدولة السياسية والعسكرية.

٣. غياب مفهوم الوطن والمواطنة

ففي دولة الاسلام القديمة لا يوجد مفهوم الوطن والمواطنة وإنما حقوق وواجبات الأفراد في ظل سيادة الدولة الاسلامية وفق انتماءهم الديني وما يترتب عليه من احكام شرعية. اما الدولة الحديثة فليس للتمايز الديني اي تأثير على حقوق المواطن او واجباته.

أسباب نجاح الدولة التركية الاسلامية الحديثة

إن اهم أسباب نجاح الدولة التركية الاسلامية الحديثة أنها كانت استمراراً للدولة العثمانية القديمة التي انهارت مطلع القرن العشرين، وهذه الدولة كانت قد تطورت ولو نسبيا لتتواكب جزئيا مع شكل الدولة الحديثة التي أوردناها سابقا بمعنى ان الخلافة العثمانية في أيامها الاخيرة كانت قد تطورت لتحكمها العلاقات الدبلوماسية مع العالم مثلما تحكمها حالة الحرب التوسعية. وكان شكل السيادة لها بدأ يتطور لتتشكل حدود الدولة وترسم ولو بشكل جزئي، حتى ان مفهوم المواطنة بدأ بالتبلور بعد الاختلاط بالدول الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر.

فالتجربة التركية اليوم لا تأتي لتسترجع شكل الدولة الاسلامية القديمة أيام الأمويين والعباسيين لتصطدم به مع العالم كله كما هي في عقول وافكار الإسلاميين العرب، بينما هي تستكمل التغيير الذي بدأ به أواخر سلاطينها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للاندماج مع تغير النظام الدولي وشكل الدول الجديد.

فشل الاسلاميين العرب

ولم يستطع العرب القيام بذلك لأنهم وببساطة في القرنين الاخيرين من عمر الخلافة العثمانية كانوا مرتبطين بالتجربة التركية شكليا فقط. ولم يكونوا جزءا من هذا التغيير الفكري الذي طرأ على شكل الدولة الاسلامية التركية بعد اختلاطها بالتجربة الأوروبية الحديثة.

نهاية ليس المقصود من كل ذلك ان نأخذ شكل نظام الحكم الغربي كما هو استنساخا. وإنما علينا تطوير النظام السياسي الذي نراه مناسبا في ظل شكل الدولة الحديثة (حدود، مواطنة، وسلم) لا بشكلها الإمبراطوري القديم حتى يقبل العالم وجودنا في نظامه الدولي كأصدقاء أو حتى كأعداء.

 

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا