الجهل بالشيء أرخص الأثمان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن أهم الكنوز التي حبانا بـها الله تعالى العلم ، لأنه يهبنا ما لا يؤخذ منا ولو عنوة ، أما الجهل فهو مانع لنا من إحراز ما قد لا نشتريه بثمن ، ومما يهبه العلم معرفة أقدار الأشياء ، فمن علم قيمة شيء حافظ عليه ولم يسلمه ولو بأغلى الأسعار ، ومن جهل درجته ، أهمله وتركه أو باعه بأبخسها.

الجهل

إن الجاهل قد يترك ما بيده لغيره ، فلا يأبه به أويندم عليه أويشتريه ثانية بمقابل نفيس ، لأنه بكل بساطة غبي عنه شأنه ، كمن يحتقر رفعة عقله فيدع التفكير به ، أوكالطفل الصغير في جنوب إفريقيا سنة 1948 الذي باع حجر الماس للباحث الياباني يوكي بحبة حلوى ، لأنه لم يدر عزة ما بيده ، أوكالتمثال الذهبي الذي استغنى عنه جيش برمود وهو يغزو الصين لأن غلاف الطين عليه من قبل صانعيه تمويها غطى كنهه ، لكنه أصبح إلهاما سياحيا ومصدرا لثروة صينية كبيرة.

لقد ابتليت أمتنا بمثل هذه الجهالات المزهدة لأغلى كنوزنا ، أمامنا الذهب الأسود البترول الذي عميت عنا عظمته لحد الساعة فنبيعه رخيصا لنشتري مشتقاته غالية ، وأمامنا مختلف اكتشافات مخترعينا وعلمائنا التي لا نلقي لها بالا ثم قد نندم عليها كثيرا ، لأننا ازدريناها ولم نعرف شرفها ، ومنه آحدث اختراع للدكتور زعيبط ، دواء نافع أنكرنا محله من الأدوية {إن لم نوسع دائرة الاتهامات} ، قد نشتريه من سارقي تركيبته غاليا.

لقد قلت لتلاميذي الأعزاء : إن لكم عقولا مثل عقول النابغين لأن الله خلقنا سواسية في الطاقة الذهنية ، فلا تهينوا ما لديكم من كنز ، فتزهدوا في طلب العلم فتندموا ، بسبب إهداركم اعتبار ما تملكون.

الجهل بجلال الوقت

ومن ذلك الجهل بجلال الوقت لو أدركنا جسامته سرنا خلال دقاته بسلام وإلا مر بين أعيننا بغفلات هدرت طاقاتنا. وهذا كتاب ربنا القرآن الكريم من عمي عنه تاه شأنه عن فقهه فبدده بين يديه وخسر الدنيا والآخرة . والبلاهة عن نفاسة الصاحب الناصح الصادق المخلص يقود بعد فقده إلى الغرق في عباب المآسي.

كما أن الكلمة الصادرة من اللسان كثير ممن يتنكرون لمقامها فيضيعون بسببه أحبابا وعلاقات كانت قد تخدمهم بعد زمن ، لذلك منهم المتـفوهون لدنيء اللفظ دون إدراك لحظوته أوامتهانه ، فإذا أحاطت بهم النوائب واحتاجوا إلى من آذوهم وجدوا الأوان قد فات لأن ذلك ضاع حينئذ ، أو كما قيل : الصيفَ ضيعتِ اللبن.

لقد رأيت العواقب الوخيمة للجهل بقيمة الأشياء شاملا لكل ميدان في هذه الحياة ، كل شيء لا تدرك منزلته تفتح له يديك مسرحا إياه بأبخس شيء تجده أمامك ، لكنك تعض على نواجذك من شدة الحسرة التي لن تعيده إليك من يدي العرف به.

لذلك قلنا : إن الجهل بالشيء أرخص الأثمان.
وقديما قيل : إن العلم يبني بيوتا لا عماد لها ، والجهل يهدم بيوت العز والشرف.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير