المحتاجون بين واجب السلطات وتطوع الجمعيات

هل هو واجب السلطة؟ أم واجبا على الهيئات الخيرية؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من طبائع البشر التعاون ، وهو السنن الربانية ، والفطرة الإنسانية ، والناموس الكوني ، والأمر القرآني بقوله تعالى في سورة المائدة {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}

ومن طبيعة بني آدم التكافل ، قال تعالى في سورة آل عمران عن مريم عليها السلام { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا …………….. (37) }

وهو من محصلات التحابب بين البشر ، وعلل التآلف ، ودواعي التعاطف ، ووسائل التأثير العقدي والفكري ، ومخففات الأعباء على السلطة ، ولعله من أساليب نجاح دعوة الصحابة بعد انتشارهم في الأرض.

دور الفضائيات اتجاه تلبية حاجات المحتاجين عدم كفاية دور الجمعيات لأن القضايا كثيرة والمدد قليل، فتصبح العين بصيرة واليد قصيرة

جرني إلى كتابة ماسبق وما يلي ما أشاهد بين الفينة والأخرى في قنوات متلفزة مختلفة أنباء عن فقراء ومساكين محتاجين للمأوى والأكل ، ومرضى سائلي العلاج ومستجدي العمليات الجراحية معدمي المال الكافي ، تساهم هذه القنوات في إبلاغ أصواتهم لذوي البر والإحسان ، والجمعيات الخيرية ، يمكن أن توفق هذه الهبات في إنقاذ المريض والمسكين والفقير ، ويمكن أن لا تصل إلى ذلك لأن الخطب عصيب.

عمل الهيئات الخيرية دون أي أي دور للدولة

هذا شيء جميل ينبىء عن لحمة بشرية لا تزال موجودة بيننا ، والخير باق في أمتنا إلى يوم الدين. لكن ولأن لكل تصرف منافع ومفاسد قد تتفاوت غلبة ، رأيت ، أن هذا العمل وهذا التآلف المعزول عن تدخل السلطة المكلفة شرعا بهؤلاء تكمن مفاسده فيما يلي:

1 / عدم كفايته ، لأن القضايا كثيرة والمدد قليل ، فتصبح العين هنا بصيرة واليد قصيرة.

2 / تعويد السلطة الاتكال على تدخل الرعية في قضاء مهامها الواجبة عليها تجاههم .

3 / تنصلها من التزاماتها والاشتغال بما هو خفي عن الناس.

4 / تعويدها الغفلة عن خشية الله تعالى إزاء إهمال عهدها بشؤون الرعية.

إذ أن الحاكم لم يجعله الله تعالى مكلفا بالتشريع والتقنين وتعبيد الطرقات وتحصيل الأمن والغذاء الضروري وبناء المؤسسات المختلفة والتخطيط للمشاريع وغيرها فحسب ، بل كلفه كذلك بالنظر في شؤون العامة تفصيلا لا إجمالا ، لأنه قادر بحول الله وقوته على إيواء المشرد ، وكساء العاري ، وإطعام الجائع ، وعلاج المريض وغيرهم ، فكيف بالله نجد في كثير من الأوقات مرضى في حاجة ملحة إلى عمليات جراحية خارج الوطن تحجم السلطة أوتعقد مسائلها الإدارية ، ولا تحجم عن غير ذلك ؟ بينما لا تعجز الجمعيات عن الإسراع في نقلهم وإنقاذ حياتهم.

واجب السلطات اتجاه اصحاب الحاجة

كيف تـقبل ضمائرنا رؤية أفراد يتداولون على بيوت هارية عارية ساكنوها متخلفون ذهنيا لتنظيف أفنيتهم وتنقية ملابسهم وطهي طعامهم بينما أرانا تاريخنا موقف خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع العجوز التي كان يتفقد بيتها كل صبح ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقد ديار الناس يلتمس فاقد العشاء ليطعمه ولو من بيت مال المسلمين ، أما السلطات في زماننا تنكص عنه ؟

إنه لا يقبل شرعا ولا عقلا إمساكها عن تنظيف شوارع فرعية وأحياء جانبية وتتفرج على مبادرات العامة ؟

نعم من التربية والحكمة تدريب الناس على التعاون ، لكن ليس بالتخلف وإهمال حساب الله تعالى لمن قام الواجب له. إنه لن يتحقق للسلطة في أي بلد حب الرعية وثقتهم والتفافهم حولها إلا بالاهتمام الشديد بهم ، والاعتناء الكافي بحاجاتهم ، والسؤال عنهم عن طريق كثير من الممثلين عنها ، والأموال كافية لدفع رواتبهم ككفايتها لوظائف غير ذات بال.

أما ترك الأمور للجمعيات فأراه من الفرار عن الزحف ، وأراه من تشكيل هيئات داخل هيئات ، وأراه قاسما قاصما لجهود المجتمع ، وأراه مساهما في تبديد أموال عند بعض الجمعيات تتقاضاها كإعانات. إن على السلطان ربح معركة المقارنة عند المحتاج بينه وبين المتطوعين ، كي يجده وقت الشدة وأوان الوغى وحين الملمات وغيرها. عليه أن يري وجه العدل بين قياداته والفرد ، حين يساوي بينهم في مثل هذه الخدمات.

واجب كل صاحب سلطة اتجاه المحتاجيين

أدعو كل ذي سطوة في بلاد إلى عدم ترك المعوزين لغير من وجب عليه كفايتهم ، كي يبقى التبرع على وجهه الحقيقي ، إذ في غيابها توهم الناس تغير موقع الواجب.

إنه من العار أن يصرخ مريض أومسكين أو فقير أوذو حاجة ليفتقد ذا الواجب ليجد من قد لا يكفيه.

أصرخ بأعلى صوتي ، وأدعو قيادات العالم الإسلامي إلى الحزم في تولي هذه المهمة بجد ، بالبحث عن المحتاجين وإحصائهم بشكلصحيح ، واستقصاء حالاتهم ، ثم القيام بشؤونهم كما تسرع في القيام بشأن أي مسؤول ولو تطلب الأمر في الخارج ، ونحن على دراية بأن حكامنا يتمتعون بقدرة من الله كبيرة على ذلك.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير