انتقال ألفاظ العقود التجارية إلى لغة جديدة ج1

العقود التجارية في بعض ألفاظها حقائق قانونية وعرفية ، قد تتحول لمعنى آخر ، ولحقيقة أخرى ، لذلك فإن الإلمام بذلك مهم لصائغ العقود ، ولمفسرها ، ولا يقل أهمية للقاضي والمحامي على حد سواء، ولم أجد من عرّف هذا المفهوم الشرعي و القانوني، ويمكن أن نعرفه : بأنه انتقال لفظ العقد من حقيقة لأخرى.

أي حينما نعرف أن القبض في البيع له حقيقة لغوية، فإننا عند التفسير القضائي للعقد نجد أن القبض انتقل لحقيقة عرفية توجب علينا اعتبارها.

تفسير ألفاظ العقود

عندما يفسر القاضي أو المحامي ، أو المحامية العقد فإنه يرجع إلى عادة الناس وعرفهم في تحديد المعاني من الألفاظ، فالبيع والنكاح، والقبض والدرهم والدينار، ونحو ذلك من الأسماء التي لم يحدها الشارع بحد، ولا لها حد واحد يشترك فيه جميع أهل اللغة، بل يختلف قدره وصفته باختلاف عادات الناس، فلا يحق لأحد أن يحده بحد معين، ويلزم الناس بعدم تعديه ومجاوزته إلى غيره، بناءً على أنه الحد المراد شرعًا، وأن ما عداه ليس بمراد، بل المخاطبون يعرفون المراد بهذه الأسماء وحدودها عن طريق عرف الناس وعاداتهم، من غير حدّ شرعي ولا لغوي.

فالعقود تنعقد بما دل على مقصودها من قول أو فعل، فما عده الناس بيعًا فهو بيع، وما عدوه إجارة فهو إجارة، وما عدوه هبة فهو هبة، وما عدوه وقفًا فهو وقف، وما عدوه ضمانًا فهو ضمان، لا يعتبر في ذلك لفظ معين، وليس له حد مستمر لا في شرع ولا في لغة، بل يتنوع بحسب عادات الناس وعرفهم، وينعقد العقد عند كل قوم بما يفهمونه بينهم من الصيغ والأفعال، وهذا عام في جميع العقود؛ وذلك لأن الشارع لم يحد في ألفاظ العقود حدًّا معينًا، بل ذكرها مطلقة، وليس لها حد في اللغة منضبط، فيرجع في تحديدها إلى عرف الناس وعاداتهم.

إن الدلالة على رضا الإنسان بتصرف غيره في حقه لم يضع الشارع لمعرفتها حدًّا يرجع الناس إليه، بحيث لا يتجاوزونه، وليس في لغة العرب حد منضبط للتعبير عن إرادة هذا المعنى، فكان المرجع في تحديده إلى عرف الناس وعاداتهم، فما عده الناس إذنًا فهو إذن، سواء أكان لفظيًّا أم فعليًّا.

فالعرف تنشأ به لغة جديدة، تكون هي المعتبرة في تنـزيل كلام الناس عليها، وتحديد ما يترتب على تصرفاتهم القولية من حقوق وواجبات، بحسب المعاني العرفية.

معاني ألفاظ العقود والمجتمع أي حينما نعرف أن القبض في البيع له حقيقة لغوية، فإننا عند التفسير القضائي للعقد نجد أن القبض انتقل لحقيقة عرفية توجب علينا اعتبارها.

فالألفاظ الدالة على المعاني تختلف اختلافا متباينًا، وتتنوع تنوعًا ظاهرًا من بيئة لأخرى ومن مجتمع لآخر، بحسب العادات والطبائع واللغات، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «الأيمان وغيرها من كلام الناس بعضهم لبعض، في المعاملات، والمراسلات، والمصنفات، وغيرها، تجمعها كلها: دلالة اللفظ على قصد المتكلم ومراده، وذلك متنوع بتنوع اللغات والعادات»، ويقول أيضًا: «حال المتكلم والمستمع: لا بد من اعتباره في جميع الكلام، فإنه إذا عرف المتكلم فهم من معنى كلامه ما لا يفهم إذا لم يعرف؛ لأنه بذلك يعرف عادته في خطابه، واللفظ إنما يدل إذا عرف لغة المتكلم التي بها يتكلم، وهي عادته وعرفه التي يعتادها في خطابه».

فحمل كلام المتكلم على خلاف عرفه واصطلاحه الذي يتكلم به، وإلزامه بالمعنى اللغوي الذي لا يعرفه، أو لم يقصده، إلزام له بشيء لم يلتزمه، ولم يرده بكلامه، بل لعله لم يخطر على باله، ولا يجوز إلزام أحد بشيء «لم يرده ولا التزمه ولا خطر بباله».

قال ابن القيم رحمه الله: «من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب، على اختلاف عرفهم وعوائدهم، وأزمنتهم وأمكنتهم، وأحوالهم وقرائن أحوالهم، فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم، على اختلاف بلادهم وعوائدهم، وأزمنتهم وطبائعهم، بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل أضر على أديان الناس، وأبدانهم». وسأذكر في مقال آخر بعض الأمثلة على ذلك .

فيديو انتقال ألفاظ العقود التجارية إلى لغة جديدة ج1

أضف تعليقك هنا

المحامي د. عبدالكريم بن إبراهيم العريني

د.عبد الكريم العريني - محامي وقاضي سابق
قاضي سابق، محامي، محكم دولي.
مستشار شرعي وقانوني ومحكم دولي.
مستشار دولي في الذكاءات المتعددة معتمد من المعهد الأمريكي للتعلم والتنمية البشرية
زميل اتحاد التحكيم الدولي

خبير في تفسير العقود التجارية أكاديمية ليدز إنجلترا

الموقع الإلكتروني لمكتب د.عبد الكريم العريني هو aolaw.com.sa