تلميذنا بين نتائج التعليم وقصور التربية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده والبيهقي في سننه.

لو نقبنا عن كنه الدين الذي بعث به الأنبياء والرسل لوجدنا فيه العقائد والتشريعات الحاملة لأحكام كثيرة في العلاقة مع الله والأسرة والمال والحكم والسلم والحرب والقضاء ، وغيرها من ميادين حياة الإنسان التي يريد الإسلام ضبطها ، ولو تعمقناها لألفيناها متعلقة بحقوق الله أوالعباد أوالحيوان أوالجماد ومنه الشجر ، ولو استقصينا لاعتبرناها أخلاقا ، فإذا كان الحديث خرج مخرج الأغلب الأعم ، باعتبارها أساسا ، فإن الإسهاب فيما سبق يدلنا على أن الدين بان للأخلاق ، لأننا ننفذ تشريعات وأحكاما مع الغير ، من الله إلى الحيوان ، وما استعمال النبي صلى الله عليه وسلم لفظ “إنما” وهي أداة حصر ، إلا للدلالة على التحقيق ، وحصر الدين كله في استكمال منظومة الأخلاق في الناس.

كلنا نسمي ما يمارسه الأستاذ والتلميذ تعليما وتربية ، راجين أن يتحقق لنا حلمنا فيه عالما ذا خلق ، وهذان الجناحان القائدان له إلى ميدان الحياة ، لكن يبدو في رأيي أن برامج التعليم ومناهجه في العالم الإسلامي وبالأخص العربي لم تعد تنتج ذلك العالم المتصف بالخلق إلا من حصن نفسه بكثرة القراءة والبحث والاستكشاف ذاتيا فوجد الأخلاق في طريق ذلك فتحلى بها.

نتائج التعليم الحالي

إذا تفحصنا تعليمنا الحالي وبرامجه ، لاقينا من هذا المنطلق المنطقي مشاهدات واقعنا تكشف لنا عن كثير منالثغرات في حياة المتمدرس ، نتيجة انعدام التركيز على دراسة الأخلاق بشكل موسع ودسم.

تلميذنا

وليت الأمر توقف عند انعدام الخلق فبعده قد نحلي به التلميذ ، بل تعداه إلى تحليه بعنفوان شخصي وسوء سجايا تجاه الآخرين.

لذا نجده يسيء التعامل مع محيطه من الأستاذ إلى الإدارة إلى الزملاء ، يدخن السجارة على مرأى الملأ ، يتعرض بالتحرش لزميلات الدراسة ، يرفع الصوت أمام الكبير ، يمزق ورقة الإجابة إذا وجد فيها علامة سيئة له ، يتهم أستاذه بالتحيز بدل التحلي بالنقد الذاتي ، ضف إلى ذلك سوء المعاملات مع المحيط خارج ميدان الدراسة ، مع الوالدين ، الأقارب ، الجيران ، الشارع ، ميدان العمل ، البذاءة في الكلام ، الفحش في القول ، تشجيع المناصرين الرياضيين بالفواحش المحرجة لما داخل الملاعب وخارجها.

ومن أراد اسقصاء ما سبق فليحضر بعض جلسات المحاكم التي يتنازع في كثير منها الخصوم بسبب غياب أبسط الوقائع الأخلاقية.

كل هذا يدل على قصور منظومة الأخلاق في برامج ومناهج الدراسة ، كل ما أصبح يهم ، ويؤرق مضاجع مسؤولي التعليم هو إنهاء البرامج في آجالها ، والنتائج الجالبة لترقياتهم على حساب من في القواعد ، مديرين وأساتذة ومفتشين وتلاميذ.

إن واقعنا المؤلم يملي علينا البدار إلى إعادة النظر في أساس الدراسة ، إلى حذف كثير من المواد التعليمية المعدمة الفائدة ، واستبدالها بمادة الأخلاق ، والحمد لله مكتبات التأليف عامرة بكتب الأخلاق.

نفتقر إلى تركيز قوي دسم شعوري تنموي عملي على الأخلاق.

نحتاج إلى إشعار التلميذ أنه هنا لأجل التربية والخلق أولا قبل التعليم ، إلى تحسيسه بأن العلم دون خلق مسيء للعلم، ملق له في الهاوية ، مهدر لطاقته.

فلابد من تطوير وسائل وأساليب غرس الخلق في باطن التلميذ ، إيلاجها في ذهنه لئلا تفلت منه ، إحالتها إلى عادة مترسخة فيه ، فيجيد كل ما هو مروءة دون كلل ولا ملل لأنها انطبعت عادة فيه كعادة الأكل والشرب.

تلميذنا بين نتائج التعليم

إذا كانت بعض دول الغرب رسخت بعض القيم بالعقاب والردع فنحن بحاجة إلى التربية عليها قبل ردع مخالفيها. يعجبني الموقف الفرنسي حين حرر الأستاذ من ربقة التوجيهات القديمة في التدريس ، وكلفه بالتركيز على الأخلاق والحساب واللغة مع المناهج المقررة بطبيعة الحال ، لأنه لاحظ قصورا كبيرا في هذه الجوانب ، حيث انعدمت أقل المعاملات الطيبة حتى في حجرة الدراسة كلفظة Merci ، Bonjour ، bonsoir وغيرها من أساليب اللباقة والانبساط.

إذا اعتنينا بالخلق هكذا وأكثر حينها لنا الآمال في تخريج أطباء ذوي أخلاق يعطفون على المرضى قبل تشخيص الداء ، في إنتاج مهندسين يراعون عواقب المشاريع قبل تصميمها ، في تدريب محاسبين يراعون الله في المال قبل حسابه ، في تكوين أستاذ يخشى الله في علم دون غش قبل التدريس ، إلى أن ننصب حاكما يراعي حق الرعية قبل الحكم عليهم.

إلى ذلك الحين أدعو كل القائمين على التعليم والتربية إلى جلسات صادقة لأجل نشء نصمم له منظومات تعليمية تربوية نبغي منها أهدافا واقعية مخلصة مع الله والتاريخ والأمة نستجلب بها من يحقق لنا هيبتها ويكرس سيادتها الضائعة.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير