سرقه الموت ! – قصة علاء

نحن نعيش كما يريد القدر، وسبحان من وزع الأقدار بيننا، حياتنا قصيرة جدا، لا نعلم ما يخبئه لنا المستقبل، وسرعان ما ننسى الماضي، وقد لا نعطي اهتمام للحاضر الذي نعيشه، لو تمكنا من معرفة جزء بسيط من المستقبل لما استطعنا العيش أبدا!

توفيت جدته وهي تحلم بأن تزفه بنفسها في فرحه، أن تستعيد صباها وهي تمسك بيده لتشبكها بيد زوجته، أن تخرج الزغاريد من فمها الذي ذاق المر في حياتها لتتحول هذه الأصوات لفرح، كلها كانت أحلام أمرأة عجوز لحفيدها الأول، لكن قدر الله وما شاء فعل، شهقت أنفساها آلأخيرة قبل أن ترى أخر أحلامها في هذه الحياة

الحياة لا تتوقف عند احد

الحياة لا تتوقف عند احد, عبارة نؤمن بها جميعا رغم المعزة والحب الذي نكنه للكثير من الناس إلا أن غريزة النسيان التي خلقها الله في نفوسنا أقوى من كل شيئ، مرت الأيام وارتبط علاء بفتاة، لعله تأخر في هذه الخطوة ولكن إرادة القدر حكمت بذلك! حدد موعد زفافه بعد سنة كاملة من وفاة جدته، كم تمنى لو أن جدته ما زالت حية، كم تمنى أن يقبل يداها ويطلب رضاها، هي مجرد أمنيات مستحيلة، اقترب موعد الزفاف ولم يتبق سوى شهر، وتدخل القدر ليلعب لعبته، توفي عمه بسكتة قلبية، كانت فاجعة كبيرة للكل، جواد مات! شعور مميت أن تخسر شخصا لم تتوقع فقدانه أبدا وخاصة أذا خطفه الموت منك فجأة، فالموت لا يرحم أحد أبدا، لا يعرف كبيرا ولا صغيرا، توفي وترك زوجته بمفردها لتربي أطفاله الذين تيتموا في عمر الزهور، ليدفن بجانب قبر والدته التي فارقته قبل عشرة أشهر، وها هو اليوم يرقد بجانبها.

قصة علاء

لكن نعمة النسيان أقوى من كل شيئ، غير علاء موعد زفافه ليقدمه خمسة أشهر أخرى، أن تخسر شخصا كنت تتمنى وجوده في أجمل لحظات حياتك وتفقده فجأة أمر ليس بالهين، ومرت الأيام ولم يتبقى على زواج علاء سوى شهر واحد، شهر واحد فقط يفصل اثنين متحابين ليصبحا تحت سقف واحد، لتختلط روحهما وتصبح روحا واحدة، بعد الألم الذي عاشه لفقدانه عمه سوف تعود الفرحة له ولكل عائلته حدد موعد الزفاف ليكون في يوم الجمعة من الشهر المقبل، بدأ بالتحضير لأغراض المنزل من أثاث ومعدات، لكن المستقبل مخيف، لا نعلم ما يخبئه لنا!
ألو. مش فاهم. صلي على النبي يا زلمي! .

لا حول ولا قوة إلا بالله، كانت مكالمة هاتفية مصحوبة بشعلة من النار لتنحبس في القلوب، ” علاء عمل حادث وهو هسا بالإنعاش ” رباه كيف تحملت هذه الكلمات علاء الذي يؤثث في بيته ليتزوج بعد شهر يتعرض لحادث! القدر يرسم حياتنا كما يشاء، لا يكترث بنا ولا بآلامنا ولا حتى بدموعنا، هو أقوى من كل شيئ، يسير كما يريد دون حتى أن يعطي إنذار لما سوف يحدث، يغير حياه كاملة في ثواني، كم أنت قاسي أيها القدر، صدمة جديدة وألم جديد، لا اعلم كيف أستقبل والده وأمه الخبر، كيف تحملت زوجته خبر إصابة خطيبها الذي سوف تتزوجه بعد شهر، اصيب بحادث سير أثناء عمله، كان يجلس خلف صديقه المقرب على دراجة نارية تابعة للشرطة، وتقف سيارة بشكل مفاجئ أمامهم ليقع ما وقع، كان حادث مخيف أشبه بمشهد فيلم أجنبي خيالي، كانت حالته الصحية صعبة جدا كسور في كل مكان، نزيف داخلي وخارجي، صعوبة في التنفس، ومرت الأيام وهو على نفس الحال، غير مدرك لما حوله، يفيق دقائق وينام ساعات، كيف كان يشعر في هذا الوقت! هل تألم كثيرا؟ هل كان ألمه أكبر من ألمنا نحن؟

شهر كامل وهو في المشفى شهر كامل وعيون والدته تنهمر، شهر كامل ووالده لم يذق طعم للنوم، شهر كامل وخطيبته تقلب صوره وتبكي، شهر كامل ذبلت قلوبنا بالانتظار لخبر يفرحنا، خبر يقول بدأ علا بالتحسن، كم تمنيت أن اسمع هذا الكلام.

اليوم هو الجمعة وهو اليوم المحدد لزواج علاء قبل الحادث الذي وقع له، السماء صافية وجميلة، الأرض رطبة ومنعشة، صوت الطيور كان جميلا أيضا، أخبرتكم أن الحياه قصيرة جدا لكن لا نعلم بقصرها إلا عندما نفقد شخصا لم نتوقع فقدانه أبدا، أصبحت الساعة العاشرة صباحا، يرن الهاتف، تخرج منه تلك الحروف، حروف جعلت أمي وأختي تبكيان، حروف جعلت تجاعيد والدي تظهر فجأة، حروف جعلت شريط الذكريات يمر أمامي في ثواني سريعة، نعم توفي علاء، توفي الشاب الذي كان يحلم أن يتزوج ويستقر في منزله لزرع الفرح في عيون عائلته، رحل في يوم زفافه، كان هذا اليوم هو يوم زفافه هو اليوم الذي كانت تحلم به جدته هو اليوم الذي كانت والدته سوف تزغرد له، هو اليوم الذي كان سوف يمسك بيد خطيبته، هو اليوم الذي سوف يهنئه أصدقائه، لكن القدر قلب كل شيئ فالقدر أحيانا لا يرحم.

أضف تعليقك هنا

إيهاب خصيب

صحفي من فلسطين

Snapchat ➡ ehabkhaseeb