شكري فينا حيّْ – الشهيد شكري بلعيد

شكري بالعيد نزيف في ذاكرة الشعب الضعيفة

“إنهم يريدون أن ينسى الناس أمرهم وأمر فضائحهم فلابد من ان يشغلوا ذاكرة الناس بأخطاء الغير”

توفيق الحكيم

إن تأملنا في مسار تحرير 17 ديسمبر 2010 الذي إنطلق ذات شتاء من وجع البلد و لم تكتمل معالمه بعد ، قد نختلف كثيرا في تقييمه -نحن شباب الثورة الذين لم نجني منها سوى خيبات تقضي على الأمل فينا – بينما يتولى الشيوخ الذين أعادتهم هذه الورطة من منافيهم الفاخرة، تسويق “ثورة الياسمين” كنموذج للثورات الناجحة الديمقراطية التي قاموا بإنقاذها بعد تضحييات و توافقات.. فتراهم يقفزون من منبى إلى آخر يتقبلون التكريمات و التتويجات دون وجه حق.

و قد تكون أبرز الأسباب التي قادتنا إلى العودة لنقطة الصفر و إعتلاء جلادي الشعب المناصب ، أن شعبنا الكريم له ذاكرة مثقوبة إنتقائية تتلاعب بها وسائل الإعلام و الخطابات العاطفية.

إننا اليوم أمام مفارقة ساخرة ، يتحول فيها أذيال النظام السابق إلى حكومة ، و إرهابيون إلى رموز نضالية. فمن البديهي أن نتسائل ، هل ينسى شعبٌ شهدائه ؟

محطات الترويج للموت

عملية تضليل

فيما يتناساهم السياسيون ، يبدو أن الشعب لا ينسى شهدائه عمدا. فالشعب ضحية لعملية تضليل و مغالطة تمكن المنتصرين من كتابة التاريخ و تزوير محطاته. لا أعتقد أن شعبا خرج بعشرات الآلاف لتشييع جثمان شكري بالعيد هو شعب قادر على نسيان وجع بحجم فقدان شكري ، فقد كان الرجل رقما صعبا و مشروع قائد لهذه البلاد.

لا يمكننا أن ننكر أن القتلة موجودون ومعروفون، تصريحاتهم التي هددت بالقتل ودعت إليه وباركته و إتهمت الشهيد بالزندقة سواء كانوا من مرتكبي الجريمة أو المحرضين فلن يكلف الأمر الشعب سوى سفرة في الذاكرة لفترة غير بعيدة ، هي فترة حكم النهضة ، ذلك السم الذي تسرب في مفاصل الشعب و اوهنه و زرع فيه فتنا لا تحصى و كراهية زادتها التقسيمات السياسية عمقا.

ضوضاء تبييض الإرهاب و تبييض رموز الفساد

لم يعد في مقدور الشعب أن يحدد معالم هذه التجربة مع كل الضوضاء التي تخنقنا : ضوضاء تبييض الإرهاب و تبييض رموز الفساد و تواقفات المنتاقضين : الشيء الذي طالما حسبناه ضربا من المستحيل. فأي مصلحة للنداء في التستر ؟ الحزب الذي بنى حملته على كشف قتلة شكري يصبح جزءا من مخيال سياسي طالما إعتبره رجعيا ؟ هل تتكاسل الجبهة الشعبية في تقديم مسائلة لوزير الداخلية بعد فشل القضاء التونسي في إرساء العدالة و محاسبة القتلة ؟

الآن وبعد هدوء نسبي و مزيد التعقّل، إن تحديد مصالح القائمين على عملية التصفية هو السبيل للكشف عن ملابسات القضية الشعبية.
محطات صنعت زعيما

الشهيد شكري بلعيد

ولد الشهيد شكري بلعيد في 26 نوفمبر 1964 بجبل الجلود في عائلة بسيطة. زاول دراسته بالمدرسة الابتدائية بنهج سكيكدة ثم انتقل إلى المعهد الثانوي بالوردية وهناك انطلقت حياته السياسية وتم إيقافه سنة 1984 على خلفية مشاركته في انتفاضة الخبز وتم الاحتفاظ به لمدة شهر .بعد حصوله على شهادة الباكالوريا انتقل إلى كلية العلوم شعبة فيزياء كيمياء لكن ثقل الأعباء السياسية و التنظيمية منعته من التفرغ للدراسة بتونس.

أسس في هذه الفترة مع ثلة من رفاقه الفصيل الطلابي “الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة” تم اعتقاله بعد حملة ملاحقات و تجنيد قسري ثم أحيل إلى معتقل رجيم معتوق .

انتقل شكري إلى العراق للدراسة حيث حصل على الإجازة في القانون كما تلقى تدريبا عسكريا حاز على إثره على شهادة “متدرب متميز” . وساهم في بناء علاقات متميزة مع عديد القوى الوطنية و التقدمية في الوطن العربي ثمعاد إلى تونس في أواخر سنة 1998 ليتعرض إلى مضايقات أمنية عديدة .قرر السفر من جديد و كانت الوجهة هذه المرة فرنسا حيث واصل دراسته القانونية في المرحلة الثالثة وتحصل على شهادة الماجستير في القانون . في نفس الفترة كانت له نشاطاته عديدة في مجالات متنوعة لاسيما نشاطات فكرية أهمها كتابة الشعر و المقالات… عاد إلى تونس ليمارس مهنته كمحام فكان حاضرا في كل المحاكمات السياسية و عرف خاصة محاكمات الحوض المنجمي ليتم اختطافه و إيقافه يوم 27 ديسمبر 2010.

بعد 14 جانفي ظل يناضل من أجل استكمال مهام الثورة مؤسسا حركة الوطنيين الديمقراطيين التي كان منسقها العام .عمل جاهدا على توحيد مختلف فصائل الوطنيّين الديمقراطيّين فأثمر هذا الجهد تأسيس حزب الوطنيّين الديمقراطيّين الموحّد الذي عقد مؤتمره التأسيسي في موفى شهر أوت وبداية شهر سبتمبر 2012 وانتخب شكري بلعيد أمينا عاما للحزب الجديد وأطلق خلال مؤتمره التأسيسي مشروع الحزب اليساري الكبير بالتوازي مع تثبيت بناء الجبهة الشعبية التي كان أحد أبرز مؤسسيها في اجتماع شعبي حاشد في قصر المؤتمرات يوم 07 أكتوبر 2012.

كان شكري سياسيا يتمتع بكاريزما و مكانة في قلوب التونسيين. امتدت له يد الإرهاب صبيحة يوم الأربعاء 06 فيفري 2013 بستة رصاصات حاقدة تلقاها بلعيد أمام منزله.

بم ندين للشهيد ؟

لا يمكننا أن ننكر أنه مع التطور المستمر لوسائل الإعلام يتراجع دور النخب في تحريك الرأي العام فتصبح وسائل الإعلام هي المسؤول الأول عن التوجيه حتى لو كان التوجيه محض مغالظة.

لكن ، من حسن حظ هذا الجيل الصاعد أنه صار بإمكانه محاربة معضلة الذاكرة المثقوبة عبر وسائل التواصل الإجتماعي التي صارت شيئا فشيء تتخذ طابعا توثيقيا ، فمامن حدث قد يمر مرور الكرام دون تحاليل و إبداء رأي ليظل كل ذلك موثقا مضمونا ، فيتحول مسار التواصل من : مصدر ، مؤسسة إعلامية ، متلقي إلى أن يصير المتلقي مصدرا و باثا و متلقي في نفس الآن فيتخلص و لو نسبيا من سطوة الإعلام اللاتواصلي في فضاء تفاعلي يمنحه حرية إختيار المعلومة ، ولو أنها الإشاعة قد تجد سبيلها للمرور أحيانا.

إحتراما لدمائهم الطاهرة ، علينا أن نبادر بنشر الوعي ضد خطورة آفة النسيان التي قد تطيح بشعبنا

ندين للشهيد بأن نكون مضادين للنسيان ، أن نسعى لتحويل الذاكرة الضعيفة إلى ذاكرة حية ثائرة ، أن نتسلح بوصاياه الصادقة.
ندين له بالكشف عن قتلته و الكفاح في سبيل ذلك قلما حرا و صوتا حرا يدغدغ الذاكرة.
ندين له بالنضال فكرا و ساعدا.
ندين له بنشر ثقافة الحياة شعرا و نغما.
ندين لهم جميعا بأن نحب هذا الوطن ملىء الوجع الذي يزرعه فينا ، ملىء الجوع الذي ينخر معتصميه ، ملىء البرد الذي يقتل فقراءه ، ملىء العجز الكافر.

فالثورة فكرة ، و الفكرة لا تموت ! و عمر الثورات لا يقاس بالأشهر و السنوات القليلة .

أضف تعليقك هنا

عبير قاسمي

عبير قاسمي

من تونس

في يدي قصفة زيتون و على كتفي نعشي.