قانون التقاعد يحرِّك التكتلات النقابية في الجزائر

قانون التقاعد

قانون التقاعد من جديد يصبح محطَّ أنظار الكثير منَ المراقبين لتطورات السَّاحة السِّياسية والاقتصادية والنقابية ولازدياد الاحتقان المجتمعي داخل المنظومة القيمية والأخلاقية لهياكل الدولة ومؤسساتها،والقرارات التي تصدر عنها بناءً على هذه القيم السِّياسية والتي أقرت تعديلات هامة في قانون التقاعد الحالي الذي يعتبره الكثير من المختصين مكسباً هاماً وحيوياً لهذا القطاع العمالي الواسع والذي حسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مؤسسة الوظيف العمومي يضمُّ ضمن صفوفه أكثر من 1.511.952موظف دائم وأزيد من 394.923 متعاقد.

هؤلاء بحسب القانون الذي انتهى العمل به في 31 ديسمبر 2016 والخاص بتنظيم آليات ميكانيزمات وكيفية تنظيم علاقة العمل التي تمكنهم من الاستفادة المباشرة من قانون التقاعد العضوي المؤرخ بتاريخ 31 مايو1997 والذي يحمل المرسوم رقم 17-97 والذي أسَّس لأرضية ما يسمى بالتقاعد النسبي والتقاعد كذلك دون شرط السِّن والذي تمَّ فرضه من طرف صندوق النقد الدولي نتيجة الأزمة الأمنية والاقتصادية الخانقة التي كانت تعيشها الجزائر وعدَّ منذ ذلك الوقت حقاً مكتسباً وضمانةً إستراتيجية طويلة الأمد لكل من يعمل في قطاعات الدَّولة وأجهزتها المختلفة،والذي صمدَ رغم كل الزوابع والأعاصير التي مرت بقوانين الوظيف العمومي ومتعلقاتها من أوامر ومراسيم وملاحق كان الهدف الرئيسي منها حسب الكثير من المراقبين، إعادة هيكلة قوانين العمل في البلاد تمهيداً لضرب استقرار هذا القانون الذي كلَّف الخزينة العمومية مليارات الدولارات منذ إقراره إلى نهاية السنة الماضية،والذي لا يتناسب اطراداً مع المنظومة الرأسمالية واقتصاد السُّوق والاتجاه إلى خوصصة الاقتصاد الوطني بما في ذلك الشركات الطَّاقية الإستراتيجية لأمننا الاقتصادي والمالي.

التكتلات النقابية

التكتلات النقابية والتي خرجت للشَّارع بمختلف أنواعها وفروعها واتجاهاتها الفكرية والأيدلوجية تركت كل خلافاتها جانباً،وربما لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة من أجلِ المطالبة بإسقاط القانون المعدِّل والمتمِّم الجديد والذي جاء تحت رقم83-12 والذي يلغي كليةً القانون السَّابق الأنف الذكر ويرفع سنَّ التقاعد بالنسبة للمرأة في سن55ِّوالرجل ب60سنة مع إلزامية الخدمة لأكثر من 15سنة مع استثناءات تتعلق بالإعمال الشَّاقة والمرهقة والتي تتطلب جهداً عضلياً كبيراً،كالعمل في المقاولات،وقطاع البناء والمنشآت العمرانية ….الخ،كما يمكن العمل لخمس سنوات إضافية فوق هذه السنِّ القانونية لتصبح 65بالنسبة لرجل وحوالي 60سنة بالنسبة للمرأة،وبالتالي إلغاء التقاعد دون شرط السنِّ الذي كان معمولا به سابقاً والحدِّ من التقاعد النسبي الذي يعتبر بالنسبة لكثيرين هروباً حياتياً منَ الوظائف الإدارية المملة أو لأسباب صحية أو اجتماعية أو ضغوط والتزامات أسرية إلى غير ذلك،وبدل أن تضع الحكومة في الحسبان بأنَّ الجزائر تمرُّ بفترة حرجة وحسَّاسة جداً من الناحية الأمنية والاقتصادية،وتحاول ما أمكن الابتعاد عن القيام بإجراءات أو سنِّ قوانين تؤدي إلى زيادة حالة الاحتقان الاجتماعي والغضب العمالي،تقوم بالإقدام على القيام بخطوةٍ أقل ما يمكن وصفها بها أنَّها متسرعةٌ وغير مؤسَّسة على دراسات اقتصادية وسوسيولوجية معمقة،وحتى أمنية من أجلِ محاولة قراءة وفهم تداعياتها المرحلية على المجتمع الجزائري،عملاً بالمثل الصيني القائل بأنَّ القائد الحكيم هو من يدرس قراراته وتأثيراتها على شعبه بعناية فائقة.

طريقة سن القوانين

-فالحكومة عندنا تسنُّ في العادة قوانين من غير إشراك المختصين أو الدَّارسين أو خبراء القانون أو قادة النقابات المختلفة سواءً كانوا ضمن الأسلاك المشتركة أو خارجها،لتحسيسهم بأهميتهم وبأنَّ دولتهم تأخذ أرائهم بعين الاعتبار ولكن العقلية الأحادية الدكتاتورية وخاصة في سنِّ هذا القانون أوصلتنا إلى التوهان كما تماماً كما حصل “لبحارة الأرجو” في الميثولوجيا الإغريقية القديمة،هذه النقابات المستقلة في مختلف القطاعات والتي في اجتماعها الأخير الذي عقد بمقر الكنابست أكدت بأنها متمسكة حتىَّ النهاية بملفاتها الكبرى الثلاث،وهي

  • -القدرة الشرائية
  • -قانون التقاعد
  • -قانون العمل

ورفعت مطالبها إلى رئيس الجمهورية وناشدته من أجلِ إلغاءه كلية أو تجميده حفاظاً على أمنِ البلاد واستقرارها، وستشرع في حملة جمعِ توقيعات شعبية عمالية على المستوى الوطني من لجمع مليون توقيع لمطالبة بإسقاطه،واتخذت إجراء تصعيدياً أخر وهو تحضيرها القانوني لتأسيس الكنفدرالية الوطنية لنَّقابات المستقلة والتي ستجعلها أكثر قوةً ومنعةً وعزماً في مواجهة الحكومة،إضافةً إلى الحراك الكبير الذي يحضرون له في 28جانفي الجاري والذي يعدُّ أكبر دليل على فشل الحكومة الواضح والذي يشبه فشل الملك أيتيس ملك كولخيس في حماية الجرة الذهبية المقدسة من أيدي جاسون وابنته الكاهنة ميديا.

النقابات

-إذن النقابات لن تتخلى عنْ مطالبها وستبدأ في شنِّ حملة إعلامية ونقابية واحتلال الشوارع والسَّاحات بعدما بلغ السيل الزُّبى وبعد أن تعهدت هيلاراُ بحماية طيور هلابيس التابعة لزيوس،وأمام سياسة الهروب إلى الأمام والأحادية في الطَّرح والمعالجة التي تنتهجها الحكومة ووزارة العمل منذ سنوات،سنشهد حلقة أخرى من حلقات صراع لن ينتهي على خير على الأغلب.حسب كل المؤشرات والدلائل والمعطيات المتوفرة بين أيدينا،إذا لم يسارع عقلاء السُّلطة وحكمائها هذا إنْ كان فيها أمثال هؤلاء أصلا؟إلى اتخاذ ما يلزم من أجلِ تجنب انحدار أخلاقي وغضب عمالي اجتماعي قد يتفجر كقنبلة نيتروجين عالِ الضَّغط في وجه الجميع.
عميرة أيسر-كاتب جزائري

أضف تعليقك هنا

عميرة أيسر

كاتب جزائري