كيف تصنع تابعا “سحيجا”؟ – المطبلين والمدلسين والشبيحة والمخبرين والبلطجية والسحيجة

ظاهرة ازلام الانظمة

يعاني الناس في الاعوام الاخيرة وتحديدا بعد الربيع العربي من ظاهرة ازلام الانظمة الذين يحاولون بل يكونون ملكيين اكثر من الانظمة نفسها ولا يمكن لمراقب ان ينكر ذلك إلا اذا كان وراء اكمته شيء يخفيه وبالاستقراء التاريخي وتتبع السنن الموجودة في القران والتاريخ فان الانسان اما ان يكون تابعا او متبوعا وعلى الاغلب فانه يكون تابعا بغض النظر عن طبيعة ذلك الاتباع وتقعيداته واصطلاحاته الممنهجة والممنطقة احيانا والمبررة احيانا اخرى

التبعية لصاحب السلطة والسطوة

فان التابعين هؤلاء كانوا قديما يتبعون القوي ذو السطوة والسلطة وربما ذو المال فكانوا يخفضون له الجناح بداية ويوسعون له في المجلس ويتزلفون اليه بكل ما يلوح له من متاع وان كانوا شعراء نظموا فيه القول البديع ومدوا يد الذل يطلبون الاعطيات، وان كانوا كتابا ومؤلفين كتبوا التاريخ كما يريد والغوا خصومه وجعلوهم اثرا بعد عين

تبعية الكاتب والشاعر والمغني

ولك ان تبحث في كتب التاريخ التي تجعل الملك والحاكم مطلقا سخرت له الارض بما حملت والسماء بما حوت وهكذا لن يخلو الزمان من تابع مخلص متفان لا يألو جهدا في خدمته سيده سواء كان ذلك السيد فكرة او شخصا او عرفا ثم انحدرت الامور فصار الشاعر معارضا وحل محله زجال او مغن او قينة وأصبح الكاتب الفذ مطرودا وحل محله كل ملفق متهوك حتى الفقيه الانف الذي كان يجلد لعدم رغبته في منصب ما حل محله ثلة من المتدينين الرسميين الذين على استعداد لتحريف القران وإلغاء التاريخ الاسلامي كله اذا اراد طاغية ما ذلك.

ذلك ان الطغاة والبغاة عبر التاريخ قد شكلوا منهجا ما يجعل الذين يشار اليهم بالبنان اتباعا مخلصين اكثر من كلب وأدأب من حمار الساقية، فان الباطل ليس جلمودا لا يفقه ولا يحلل فلكل انسان مدخل ورغبة تسيطر عليه اذا ملكتها ملكت زمام قلبه وعقله وكيانه وصار تابعا لك طوال عمرك.

صناعة الاتباع 

وأول خطوات ذلك المنهج في صياغة وصناعة الاتباع الذين لا يسالون او يعترضون هو كان الولوج من باب الشهرة فكل انسان لديه رغبة في ان يشار اليه البنان وان يحترمه الناس يسمعون له ان تحدث ويوسعون له في المجلس ولا يقضون امرا إلا بإذنه وهذا من اهم الابواب التي استعمل الباطل وطغاته في الولوج الى شخصيات كان يؤمل منها اكثر بكثير مما هي عليه الان من ضياع وضلال ولكن في هذه الحياة ليس هناك شيء بالمجان حيث عليك ان تقدم فروض الطاعة والولاء لمن منحك الفرصة فتصير بيدقا لا قيمة له على طاولة ذلك الطاغية.

علماء السلاطين

ولا زلت اذكر ذلك المجعجع الذي استقدم قبل عقد ليظهر نوعا من الاسلام المغاير لتيار الاسلام الوسطي الذي كان في اوجه حينها فقربه الحاكم المستبد وأطلق له المنابر والقنوات وزاد في عرض ترهاته ليلا ونهارا ليقول للناس ان هذا التدين الذي نريد ثم انتشر وذاع صيت ذلك الامعة فاخذ يقول يمنة ويسرة دون حسيب او رقيب وانف العلماء من الرد عليه ذلك انه سفه كل علماء العصر وقال ان ما يحدث من ثورات ومطالبة بالحرية ليس إلا مؤامرة كونية على الحاكم الذي يحكم بالإسلام التنويري وكم كثر اتباعه ولاكوا السنتهم كما الابقار وهم لا يفقهون ولا يعلمون حتى في أي دائرة وضعوا انفسهم وكم زالت هيبة عالم جلس امام الشاشات يسبح بحمد طاغية هنا وديكتاتور هناك فصار العالم موضع سخرية واستهزاء

وربما يمكن القول ان اكثر من وصل اليهم الطغاة من هذا الباب هم علماء السلاطين وتلامذتهم في مؤسسات الدولة المعتنية بالتعليم الديني فبالله عليك ما القول في رجل وقف على منبر مسجد ما ثم قال لحاكم مستبد امض انت والصالحون من حولك فأنت و اصحابك كأصحاب بدر؟ ولم يكن حوله حينها إلا كل متهالك بائع لدينه ووطنه.

وهناك مفت يبرر للنظام العلوي منذ اعوام ويشرعن البراميل المتفجرة والتهجير القسري باسم الدين والفقه وأخر شرعن قتل ألافا من البشر لأنهم لا يرضون هرطقات تصوفه فما كان منه إلا ان قال طوبى لمن قتلهم وقتلوه وهو يعلم ان قوم عزل لا دروع لهم إلا صدورهم العارية فأبيدوا عن بكرة ابيهم في صبيحة واحدة كأنه لا بواكي لهم وليس اخر هذه الجوقة معمم يسبح بحمد طاغيته ويتبنى نظريته في الاسلام التنويري الذي لا يعرف ما المقصود به فهؤلاء وأمثالهم من البكائين اتيحت لهم الفرص ليدفعوا الثمن عند استحقاقه ولا زال ذلك الالدغ البكاء الممثل مثالا حيا على ان من قدمه النظام ليفتي ويدعو دون رقابة او حسبة ليس إلا بوقا سينفخ يوما كما يشاء الطاغية ويدندن بدندنته.

مرحلة المدلسين

ثم يأتي في منهج صناعة الاتباع المسحجين والمطبلين مرحلة منح الامان الزائف فكم من مجاهد او معارض ذو لب ضمه الحاكم تحت جناحه ورفع عنه كل مطاردة وملاحقة مقابل ان يركن الى حياته الخاصة ولا يتدخل في الشأن العام ثم طلب منه بعد ذلك ان يحضر ممثلا للعقلانية في تياره الام وهنا لا بد من التنويه ان هؤلاء الذين يبالغون في عقلنة الامور وادعاء الحكمة ليسوا إلا جبناء خالي الوفاض قتلوا انفسهم الابية بحجة الملل من المطاردة والملاحقة كان صفقتهم مع الله تعالى كانت فقط ان يطاردوا ويستهدفوا لعام او اثنين ثم ينعمون بجنة الدنيا قبل جنة الاخرة.

وهؤلاء المخدوعين بالأمان الزائف لهم علامات فارقة ذلك انهم اولا يبالغون في البحث عن الادلة التي يسهل ليها وتزييفها وربما استخدموا الاحاديث الموضوعة والخرافات الاسطورية ليستدلوا على اعوجاجهم بأنه عقلانية ثم يبالغون في الحديث عن العقلانية كأن رسول الاسلام هو ديكارت او اسبينوزا وليس محمد صلى الله عليه وسلم ثم علامتهم الفارقة انهم يصبحون كالمدلسين في علم الحديث او الواهمين يستدلون بآية القران عن حرمة الزنى في الحديث عن مقادير الزكاة دون ان ينتبهوا لذلك وكم راجعنا من مفتون فأنكر وهؤلاء ربما يعتبرون الاكثر خسارة بين اتباع الباطل فلا هم مع الحق ولا مع الباطل بصورة كاملة انما هم ادوات تستخدم في وقتها ثم تلقى وتبوء بالخسران وهم اصحاب فكرة استصلاح بعض الباطل من باب الانسنة والقيم العربية الاصيلة فتجدهم في علاقة مع ضباط القمع وجلاوزة الطغاة ولا يسلمون من اذاهم انما هي ضريبة الذل فمن اذل نفسه وتضعضع لطاغية غدى ذليلا في كل مكان وزمان.

مرحلة الشبيحة والمخبرين او البلطجية والسحيجة

ربما يعتبر الامرين السابقين اهم ما يمكن اتباعه في صناعة التابع الذليل الذي يقول دون يفهم ويدافع دون ان يدري عما فإذا فتحت للعاقلين باب الشهرة والمنابر والقنوات وفتحت باب الحياة الامنة واللقمة السائغة للضعفاء صار ليدك ما تريد من اتباع والأتباع في منطقتنا لهم اسماء كثيرة منها الشبيحة اتباع النظام النصيري الغاشم والمخبرين او البلطجية اتباع الانقلاب العسكري في ارض الكنانة وما يعرف بالسحيجة في الارض المحتلة ويعوزني اسماء اخرى تطلق عليهم في بلداننا الاخرى لكن لا بد ان الصورة اتضحت لك ايها الكريم

في بلدي المحتل ينال السحيجة مكانة ووظيفة ومالا وغيره من متع الحياة مقابل ان يكرروا كلمات بعينها عن الشرعية والمصالح الوطنية العليا ولا زلت اذكر بغصة كلام سحيج لآخر عندما سأله الاخر عن سبب الحملة الامنية في البلدة فقال له لا تأبه هي على اتباع الانقلاب والمهم القيادة والسيارة الشعب زيادة وهؤلاء يتصرفون في كل فج في البلد المحتل كأنهم يعيشون وحدهم ويملكون حتى حسب اعتقادهم انزال الغيث ومنعه ولهم الحق في السب والشتم والتفتيش والإهانة على حد سواء ولا يمكن محاسبتهم او حتى الاشتكاء عليهم حتى ان احدهم انكر حدثا نال من عرضه لان النظام قام بذلك وبالغ في السب القاذع على من اثبت الحادثة فانظر الى أي حد يمكن ان يصل التابع الذليل الباحث عن لقمة وشهرة وامان زائف

ومن المهم ذكره ان هؤلاء الاتباع ليسوا ابقارا مقدسة وإنما ادوات مرحلية فعندما سئل زعيم ما عن زمرة من الجهلة والناعقين لم وظفتهم ؟ واستخدمتهم؟ فقال هم احذية مرحلية للخوض في الحول ثم نقضي عليهم.

ولا يمكن ان ننهي الكلام دون ان نعرج على المكانة القميئة التي يضع التابع السحيج نفسه فيها فهو في الاخرة عندما تتحدث البهائم ويقتص لها من بعضها البعض لا يمكنه الحديث وعندما يتحدث لا يطلب من المولى بل من سيده في الدنيا ان يغني عنه من العذاب شيئا وهناك يتبرأ من سيده ولكن لات مناص ول ينفع الندم.

ختاما قبل ان تعلم ابنك القراءة والكتابة والعادات والتقاليد ازرع في جنبات صدره الانفة من ان يكون ذيلا ذليلا ولا تجعله ينحين للباطل ثم علمه ما شئت بعدها فلم نرى الهوان والذل إلا لان اجيالا من المطبلين والمسحجين تتابعت وأعادت الدول العميقة وثبتت الانظمة الطاغية ولك ان تتأمل هذه التسحيجة العالمية العابرة للقرون والأزمان:

ما شئت لا ما شاءت الاقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

قال راغب في المال والشهرة في الاندلس يتزلف لأحدهم ثم خربت الاندلس وضاعت من ايدينا وستضيع بلدان وأجيال ان لم نحارب هذه الظاهرة المذلة والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة