هل الفساد وراثي؟ دور النظام الإستبدادي في تفشي الواسطة والبيروقراطية ليصبح الفساد وراثة

الواسطة – رشوة المعرفة

في نقاش قبل عدة ايام مع احد المجربين في هذه الحياة ذكر انه في بلادنا نوع من الفساد يشترك فيه مع البلاد الاخرى الا اننا نمتاز برشوة تختلف عن الرشى المعروفة الا وهي رشوة المعرفة، والتي تعني اننا لا نقدم مقابل الخدمة المطلوبة من المرتشي مالا او متاعا انما يكفي ان نكون على معرفة به او بأحد اقربائه، او لنقل له جئنا من طرف فلان فالعبارات المذكورة كفيلة بحل كل معضلة لا يقدر عليها العتاولة.

ذلك اننا نحيا في زمن كل ما فيه يعتمد على اعوجاج الباطل لا استقامة الحق, وكما كل الظواهر في هذه الحياة فان الفساد وملحقاته لا بد ان له مسببات ودوافع لا يمكن اغفالها عند الحديث عنه.

ولا يمكن ايضا الا ان يحتل الحكم الشمولي الاقصائي وحكم الحزب الواحد المرتبة الاولى في تكريس الفساد ذلك انه وكما قلنا في مقال سابق بعنوان كيف تصنع تابعا, فان من ينضوي تحت لواء الحزب الحاكم في بلادنا يمكنه ان يتصرف كما يشاء, وقتما يشاء ويجعل الاخرين من الشعب يدفعون ثمن اذلاله عندما دخل في اتون الصهر ليكون ذنبا للنظام وللحزب الحاكم, فثمن ذلك الاذلال والامتهان يكون بان يصبح هذا الشمولي حاجزا بينهم وبين مصالحهم ولا يمكن تجاوزه الا بذنب اكبر وتابع اضخم يحتاج الى من يوصلك اليه بشق الانفس.

الاستبداد والفساد

يتحمل الحكم الشمولي الاستبدادي ثقل ملف الفساد في بلادنا لانه كما قال احد كتاب القرن المنصرم يشجع كل ساقط تافه ويقمع ويمحق كل عبقري فذ يرفض الانصياع لثقافة الاستزلام القطيعية، ويتحمل ثقل هذا الملف ايضا لانه جعل المؤسسات عبارة عن مكان مكافأة لاتباعه واذنابه، وتدخل حتى في اجراء فحوصات البول في مختبراته الرسمية، فانت ترى المريض ومعه واحد من ازلام النظام في بلداننا يجره من طبيب الى اخر ومن مخبري الى مصور اشعة وهو يمن عليه بهذا الفعل ولو صبر المريض واحترم حالته ومكانته الانسانية لتيسرت اموره دون ان يمن عليه تابع نذل لكن هي هكذا النفوس التي يريدها النظام الشمولي والحكم الحزبي المتفرد يريدها مرهونة بايدي اطفال تابعين له يلعبون بمصير الناس يمنة ويسرة ويجعلهم يتجرعون الذل مرات عديدة قبل ان ينالوا موافقة هنا او طابعا على معاملة في مكان اخر

لقد بلغ الامر مداه من حيث تصرفات الحكم الشمولي ففي كل بلد وقرية وفج عميق تجد من نصب نفسه سيدا على ذلك المكان واحاط نفسه بزمرة من عديمي الكيان او اصحاب الشخصيات الهلامية يسبحون بحمده بكرة وعشية، وصل الامر ان يعتقلك من الشارع مواطن عادي مثلك والفرق بينكما انه تابع لحزب انت ليس منه.

وصل الامر ان يحمل ملفات رعاية المجتمع مؤسساته اناس ليس بالمتعلمين ولا بالمؤهلين لخدمة الناس لكنهم يتبعون الحزب الحاكم، ووصل الامر ان يتدخل الحزب الحاكم في تعيين المعلمين والمدرسين والمدراء وان يجعل من يتحكمون بمصير من يعلمون اولادنا زمرة من المنتفعين الذين يخاطبون الناس من عل ويقولون لهم كما قال الاعلام المصري الشعب قاطبة انه من لم يعجبه المقام بشروط الحكم الشمولي فليذهب حيث شاء وليترك بلده وتطول القائمة لو استقصينا مدى تدخل الحكم الشمولي واتباعه في حياة المواطن العربي لان للحكم الشمولي قول وحاجز حتى على رغيف الخبز.

البيروقراطية حاجز أمام المواطن العادي، أما أتباع النظام فيحلون مشاكلهم عبر الفساد بالوراثة

النظام الإستبدادي جعل مناصب المؤسسات عبارة عن مكان مكافأة لاتباعه وأذنابه والفساد

والمرتبة الثانية التي يمكن القول انها من دعائم الفساد في بلادنا والتي تتقاطع مع المرتبة الاولى وتتعايش معها اننا دول بيروقراطية سمجة وورثنا هذه البيروقراطية من المستعمر الذي جثم على ارضنا وصدورنا عقودا بل قرونا عدة فانت ان تخطيت حاجز الحكم الشمولي لتنال معاملة ستدخل في دوامة الالف خطوة او قل الالف مكتب لتنال ما تريد وهذا لا يكذبه الا اتباع الحكم الشمولي ذلك ان امورهم ميسرة وسهلة التطبيق ويمكنهم ايضا تسهيل معاملتك وتسريعها ان نفخت في سحرهم ومجدت افعالهم وافعال حزبهم الشمولي.

البيروقراطية في بلداننا مرغوبة ومطلوبة ذلك انه لو تمكن واحد منا من انهاء اموره في يوم واحد لاصيب بجلطة قلبية من الفرح وتغيير المعاملة الى الاحسن والبيروقراطية تهمنا لان كثيرا من الاسماء والتعريفات المجتمعية والعرفية ستنهار ان لم يكن هناك بيروقراطية، والبيروقراطية في بلداننا مهمة لاننا مدمنون عليها وعلى عمليتها الاذلالية.

فانت ان اردت اجراء معاملة تنطلق الى المؤسسة المستهدفة مع انطلاق حناجر مؤذني الفجر وتأخذ دورا وتنتظر ان تفتح المؤسسة ابوابها الساعة الثامنة ثم تنتظر ان يكون مزاج الموظف جيدا ليرى معاملتك اي انك تحتاج اربع ساعات لترى سعادة الموظف ومن ثم وانت بين يديه يدخل احدهم ويقول ابوفلان يقرؤك السلام وهنا يلغى دورك وتحتاج الى الانتظار سواء غضبا ام استغفارا لتتم المعاملة ثم يحتاج الموظف الى قسط من الراحة ومعنى راحته ان تنطلق في رحلة البحث عن اجزاء مفقودة لا حاجة لها في المعاملة الا لاشباع خزينة الحكم الشمولي وقد يتكرر الامر اياما واسابيعا وربما شهورا وانت مسكين لا تدري ان امورك يحلها ذلك التافه الذي مررت عنه امام حانوت الحي ولم تلقي عليه السلام او ابو فلان الذي تأنف من محادثته، وهكذا تضيع اوقاتنا بين كاتب عدل واخر وتابع واخر وقانون جديد وغيره معدل حتى وصل الامر الى كون كومة اوراق موقعة ومؤرشفة اهم بكثير من المواطن ومشاكله وهمومه.

الفساد وراثة

ان الفساد يعتبر وراثة في بلداننا ذلك انه يزهو ويثمر ويتطور وفي المقابل فان الحق يذبل ويحارب وينطوي على نفسه فالفساد وراثة يرثها الحكم الشمولي سافل عن سافل وتافه عن تافه وكثير منا يرضى بان يكون من الاغلبية الصامتة التي تأتي الى الدنيا بصمت وترحل بصمت وما بين الاتيان والرحيل يستثمر الصمت لصالحه ويعد الصامتين من زمرته اذ لو كانوا اصحاب رأي ومواقف لاتخذوا موقفا من حياتهم المذلة على الهامش لذلك قبل ان تحدثني عن التغيير والتأثير والاصلاح هات معولك علنا نتمكن من ازالة جذور الفساد العميقة فلا تدور الايام دورتها لصالحه.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة