الاستيطان بين اعتراف السلطة الفلسطينية واستنكارها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

القضية الفلسطينية واسرائيل

لقد غرس في أرضنا بلد بيت المقدس نبتة غريبة لا تناسبها تربتنا ، فاحتلت القوة الصهيونية بلد الإسراء والمعراج وأسكنت رعاياها في ربوع الأرض المباركة ، وناورت مرات للتقسيم وأخرى للاعتراف بـها كدولة قائمة ، ونشب نزاعها مع المنافحين الحقيقيين على الخروج ، ومع المتزعمين للقضية حول مواقع النفوذ بعد اليأس من خروجها، بعد ادعاء رمي إسرائيل في البحر بالديبلوماسية، وبدأ تداول كلمة “إسرائيل” في أجهزة الإعلام العربية والمسلمة بالتدرج عبر الزمن تمهيدا للقبول بـها ، أدى إلى الاعتراف الجزئي فالكلي بالدولة الدخيلة. فتم تبرير الإذعان ، وسمي أصحابه بالسلطة الفلسطينية التي قبلتها دولة الكيان المزروع في جسد الأمة بضوابط محكمة.

كل ذلك تم وفي خضمه وغفلته بناء الكثير بل الآلاف من الإقامات اليهودية لاستكمال الاحتلال ، وبعد تشكيل السلطة الفلسطينية استـفاق الناس على مواقع كثيرة أصبحت ديارا لليهود في أرض الإسراء.

معاهدة السلام

وبعد توقيع معاهدة السلام وتبادل الزيارات الرسمية التي على غلبة الظن كانت سرية من قبل ، وبعد تبادل المفاوضات الرسمية العلنية مع تلاعب بالقضية سرا ، وبعد الاكتـفاء بالحكم الذاتي الذي يشرف فيه الصهاينة على الخارجية والسلاح والإذن بالخروج والدخول وتعيين معابرهما ، بعد كل هذا الخضوع والخنوع يطل علينا من حين لآخر قيادات بإباء الاستيطان كلما أقبلت عليه السلطة اليهودية ، للاستهلاك السياسوي وذر الرماد على العيون واستغفال الدهماء الذين تفطنوا لكل مناوراتـها مع ضعف في التـغيير نتيجة الاحتلال والافتقار إلى وسائله.
إن الذي يحق له في نظري الاحتجاج هو كل من لم يعترف بالدولة الغريبة المغروسة في غير أرضها لأنه لا يزال متشبثا بأرضه وقومه ، مؤمنا بأن ما يقع ما هو إلا احتلال ، لا مجاورة.

أما سلطة وقيادات اعترفت بـهذا الكيان ثم تعترض على الاستيطان في مواقع اعترفت بتبعيتها للدولة الأجنبية فهذا في رأيي المناقض للمنطق الذي لا يستساغ ، اللهم إلا النفاق السياسوي فقط إيهاما للعوام بالغيرة على الوطن.

هل هي اسرائيل؟

وإلا فهل تسمية المناطق المحتلة “إسرائيل” إلا تسليم لبعض الأرض للمحتل سلميا وإقرارا ؟ فكيف يتناسب هذا مع شجبهم استيطانـها ؟ هل يعقل لأحد منا تسليم أرض لشخص ثم ينكر عليه السكن فيها ؟ أو البناء عليها ؟ هذا ما تأباه العقول السليمة والأذواق الرفيعة والذهنيات المتحضرة، فهلا خرج هؤلاء من جحورهم الوهمية وصارحوا الفلسطينيين بالحقيقة لتزيحهم من قيادها ؟ أم أن البذخ والاكتـفاء بالأرائك عوض مشقة الكفاح وعلى حساب القضية هو ما يشدهم ويثاقلهم إلى الأرض؟

لا أظن السلطة اليهودية إلا ضاحكة ملء الشدقين على هؤلاء المستـغفلين لشعبهم مع علمها أنـهم لن يسبحوا في بحر لجي كهذا بعيدا ، بسبب تورط كثير منهم في قضايا مشبوهة معها .

لا أقول هذا الكلام لأنني مؤيد الاستيطان اليهودي في فلسطين ، وإنما لأنني لا أقر {في رأيي على الأقل} لمثل هؤلاء بالممانعة للتبريرات السابقة ، ولا أرى مؤهلا للتحدث باسم القضية العادلة من سلم ولو شبرا من أرض المسلمين لغيرهم.

ولنا في الثورة الجزائرية أجلى مثل ، إذ لم يعترف القيادات الثورية حينها بأي سيادة لفرنسا على أي بقعة من البلد ، ومع ذلك تم تأميم ما احتـفظت به بعد الاستقلال ، كدليل على عدم الاعتراف للعدو بالأرض.

كما لا أظن المفاوضات الظاهرة الجارية من آونة لأخرى مع الولايات المتحدة أوالدولة المحتلة حول توقيفه إلا مما سبق ذكره فقط ، لأننا لم نجد في أرض الواقع شيئا مما يزعمونه قد توقف ولا شيئا مما يتـفق عليه في المفاوضات قد تم تنفيذه .

في رأيي لابد من مراجعات تتـقدم بـها هاته القيادات قبل تعرضها لمحاسبة الشعب الفلسطيني ثم الله تعالى ، والرجوع إلى منطق الشعوب في التحرر وأساليبه ووسائله ، والخروج من وهم كرسي المكتب المراقب عن قرب ، حفاظا على الكرامة والحرية.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير