انتقال لفظ العقد للغة جديدة ج(2)

من الأمثلة على مقالي السابق “انتقال لفظ العقد للغة جديدة ج(2)” ، الأجور والأثمان فالمرجع فيها إلى العرف، فإذا لم يذكر الثمن في عقد البيع فيرجع القاضي إلى ثمن المثل، وبما يبيع به الناس، والشراء، والاستئجار يكون بالعوض المعروف، دون تحديد سعر معين، ويرجع في تقدير العوض إلى العرف؛ وذلك لأن الله لم يشترط في البيع إلا التراضي، ولم يحد له حدًّا يرجع الناس إليه، فكان مرجع ذلك إلى عرف الناس، وغالب الخلق يرضون بالسعر العام، وبما يبيع به عموم الناس.

أجرة المثل

وأجرة المثل ليست شيئًا محدودًا، وإنما هي ما يساوي الشيء في نفوس أهل الرغبة, وهي تختلف باختلاف الأحوال، والعادات.

والناس في مقادير الدرهم والدينار على عاداتهم، فما اصطلحوا عليه وجعلوه درهما، وتعاملوا به تكون أحكامه أحكام الدرهم، وما جعلوه دينارًا فهو دينار، وماجعلوه ريالا فهو كذلك وخطاب الشارع يتناول ما اعتادوه، سواءٌ أكان صغيرًا أم كبيرًا، ذلك لأن النبي لم يحد للدرهم والدينار حدًّا معينًا، وليس له في اللغة حد منضبط، فكان المرجع في تحديد مقداره إلى عرف الناس وعاداتهم.

وإذا عرض على القاضي عقد مطلق ، ولم يحدد المصطلح منه فإنه يرجع في تفسيره إلى عرف الناس وعاداتهم، ويرجع في موجبه إلى العرف: إذا لم يكن هناك تحديد لفظي من قبل المتعاقدين.

تحديد الالتزامات الناشئة عن العقد

وبناء عليه فإن الالتزامات الناشئة عن العقد يرجع في تحديدها، ومن تجب عليه إلى العرف، من ذلك مثلاً: أنه لا نفقة للمضارب في شركة المضاربة إلا بشرط أو عادة, وكذلك العقد المطلق يقتضي السلامة من العيوب في الثمن والمثمن، فإذا اكتشف أحد المتبايعين في نصيبه عيبًا كان له الحق في الرجوع على صاحبه, وكذلك: «أجرة السمسار ، وأجرة إخراج البضاعة المبيعة من مستودعها، وأجرة كيلها أو وزنها لأجل تسليمها…» كل ذلك يرجع في تحديده إلى عرف المتبايعين، إذا لم يكن هناك تحديد لفظي من قبلهما.

ومن ذلك أيضا القبض المذكور في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال: رسول الله : ((من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يقبضه)) ، يرجع في تحديده إلى عرف الناس، فما عده الناس قبضًا فهو قبض، وما لم يعدوه قبضًا فليس كذلك.

كذلك الجائحة التي ينفسخ العقد بحدوثها، يرجع في تقديرها إلى عرف الناس وعاداتهم، فما كان يسمى جائحة تعلق الحكم به، وما لا يسمى جائحة، مما يأكله الطير من الزرع، أو ما جرت العادة بسقوطه مثلاً، ونحو ذلك، لا ينفسخ به العقد.

ولفظ الواقف ولفظ الحالف، والشافع والموصي، وكل عاقد، يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها، سواء أوافقت العربية العرباء، أم العربية المولدة أم العربية الملحونة، أم كانت غير عربية، وسواء أوافقت لغة الشارع، أم لم توافقها، فإن المقصود من الألفاظ دلالتها على مراد الناطقين بها، فنحن نحتاج إلى معرفة كلام الشارع؛ لأن معرفة لغته وعرفه وعادته تدل على معرفة مراده، وكذلك في خطاب كل أمة، وكل قوم، فإذا تخاطبوا بينهم في البيع والإجارة، أو الوقف، أو الوصية، أو النذر، أو غير ذلك بكلام رجع إلى معرفة مرادهم، وإلى ما يدل على مرادهم من عاداتهم في الخطاب، وما يقترن بذلك من الأسباب.

إن الرجوع إلى العرف لتفسير مراد المتعاقدين، أو أحدهما ليس على إطلاقه، ولا يرجع إليه في كل الأحوال، بل لا يصار إليه إلا في أحوال معينة، ولمعرفة تلك الحالات التي يصار فيها إلى العرف، لا بد من هذا التقسيم.

أولاً: أن يكون المتعاقد منشئًا لالتزام يستقل به: مثل: الوصية، والوقف.

ففي هذه الحالة، يصار أولاً إلى مقصود المتكلم ومراده، فإذا قال: إنما قصدت بهذا اللفظ هذا المعنى، قبل منه، وكذلك يقبل تفسير الموصي مراده، وافق ظاهر اللفظ أو خالفه، وفي الوقف: يقبل في الألفاظ المجملة والمتعارضة، ولو فسره بما يخالف الظاهر فقد يحتمل القبول، كما لو قال: عبدي، أو أمتي، أو ثوبي وقف، وفسره بمعين، وإن كان ظاهره العموم. وهذا أصل عظيم في الإنشاءات التي يستقل بها.

فإن لم يكن هناك مقصد معين، فإنه يصار ثانيًا إلى القرائن المختلفة بالخطاب، من حال المتكلم، أو حال المخاطب، أو غير ذلك من القرائن التي تدل على المعنى المراد .

ثانيًا: أن يكون من الإنشاءات التي لا يستقل بها، كالبيع والإجارة ونحوها.

ففي هذه الحالة: إذا كان المعنى العرفي هو الظاهر المتبادر من اللفظ، فإنه يصار إليه، ولا يقبل تفسير المراد بما يخالفه، إلا إذا وافقه الطرف الآخر، فإنه يقبل منه تفسيره، بما يخالف الظاهر .

ويظهر مما سبق أهمية ألفاظ العقد ، وأنها قد تنتقل للغة جديدة وعرف حديث يجب الأخذ به في الاعتبار.

 

فيديو انتقال لفظ العقد للغة جديدة ج(2)

أضف تعليقك هنا

المحامي د. عبدالكريم بن إبراهيم العريني

د.عبد الكريم العريني - محامي وقاضي سابق
قاضي سابق، محامي، محكم دولي.
مستشار شرعي وقانوني ومحكم دولي.
مستشار دولي في الذكاءات المتعددة معتمد من المعهد الأمريكي للتعلم والتنمية البشرية
زميل اتحاد التحكيم الدولي

خبير في تفسير العقود التجارية أكاديمية ليدز إنجلترا

الموقع الإلكتروني لمكتب د.عبد الكريم العريني هو aolaw.com.sa