قسيدة شعر حر: و تشيئ الحب

قصيدة تحت عنوان – و تشيئ الحب – للشاعر العراقي فواد الكنجي

و تشيئ الحب

فواد الكنجي

تشيّئتُ،
ككل الأشياء التي تشيّئت،
من حولنا …..
فأي زمن،
هذا الذي جعلني إن أكون،
لا إنا…..
ولا انا في انا …….
………….
………….!
تشيّئنيِ الزمان
كما تشيّئ الإنسان .. والزمان
…..
وما عاد
لنحيا براحة البال….
…..
أتعبتنا نساء،
شانزليزيه
ولاس فيكاس …
……..!
و راحت المدن الكبرى،
تشيّئُ الحب في القلب .. والعقل….
……..!
وما عاد الحب،
إلا شيء من الأشياء
يباع في الحانات
وفي الشوارع
وعلى الأرصفة
وعلى قارعة الطرقات
وفي الملاهي
والمراقص
ودور الدعارة …….
……..
يباع، كما تباع الأقمشة ..
والطناجر ..
والورود الاصطناعية
ويشاع بيعه
بالمزاد العلني ….
بالدينار ….. والدولار ……
وترى هناك من يزايد ….
دينار .. عشره .. إلف .. مليون .. و زد .. وأزايد …….
……….!
فمتى شئت الشراء
فتعال
وزايد
وربما بلا أية مزايدة
تأخذ بضاعتك من الحب .. وتذهب
فليس في هذا العصر
من إنسان يريده .. ليزايد ………
………!
فتشيّئه.. قد أشيع
ليس في المدن الكبرى وملاهيها
بل في كل القرى..
والأرياف ألصغيره ……
………..!
وصار حاضره،
لا يثير عرضه في المزاد ….
……
لأنه بات في عصرنا
شيئ،
من الترهات القديمة
يصنع .. و ينتج
بكل بساطه
لا لشئ ….
إلا كون صناعته باتت صناعة معاده
ويعاد صنعته،
سبكا .. وتقليدا ..
مرارا .. وتكرارا…….
……….!
وتراه
كما ترى الورود الاصطناعية
بلا يناعة ..
وبلا طراوة
وبلا عطر ……
……..!
فعصرنا .. قد انسانا
كيف كانت،
رائحة الورود
وعطرها الفواح في البساتين
والحدائق الطبيعية
……..!
وراح العاشق
متشيئُ في الأشياء الصناعية
فلا عشق
ولا حب
ولا قصة تثير حرقة القلب
والوجد
والجوى
والهيام
والود ………..
…………..!
فلقد فقدنا
كل شيء
في الأشياء ذاتها
وتشيّئنا .. في قصص المعامل
والمصانع
ودفاتر الحساب
والبنوك
والمصارف
والبورصات
وتحويل العملات
وسوق السوداء……….
………..!
فما عاد لنا
قصة تثير
كقصة مجنون ليلى ..
و جوليت ..
وبثينه
وماجدولين ……….
……..!
مراقص الليل في سانزليزيه ..
ولاس فيكس ..
تشيّئتنا
وجردتنا
من لوعة العشق ..
والحب الرومانسي ..
والوقوف الحالم لتأمل عيون السمراء،
التي كانت يوما سمراء
ولم تعد……….
…………!
فلقد أحرقتنا المصانع ..
والمعامل
وحولت وجه السمراء، المثار
إلى وجه بلون الرماد،
بلا نبض مثار ……
………
وكل شيء،
صار رمادا ..
وبلون الرماد …………
………!
وحتى السماء صار لونها،
بلون الرماد
بعد أن كانت ذات يوم،
بلون الأزرق ..
ولم تعد ……..،
لحجم دخان المتصاعد في السماء
من المصانع ..
والمعامل……
………!
فأين سيذهب (قيس)
ليناجي ليلاه
في البراري……..
……..!
ليعدُ نجوم السماء
واحد …. اثنان ….. مليون…..
………..!
ويتيه………..
ليعود من جديد، يعد إلى ما لا نهاية
ويسرح بالخيال….
أين…..
أين……
أين……………..!
والبراري،
قد حولت إلى مصانع
ومعامل
وشقق
وعمارات
و أبنية لمجمعات سكنية
وأبراج
وناطحات السحاب……
…..!
تشيّئتنا المدن
وضجيج الآلات ..
و العربات .. والقطارات .. والطائرات ..
والميترو………
………
وقد تشيّئنا، تشيّئاً مفجعنا،
بين كل الأشياء المشيّئة
لتتشيّئ مشاعرنا ..
وأحاسيسنا ..
وعواطفنا ..
وضمائرنا ..
و أخلاقنا
فلا تسال عن إنا في إنا المتشيّئة ….
……..!
وعن الحب والقلب ……
وعن المشاعر ..
فلقد تحول
الإحساس
والمشاعر إلى مصانع
منها ما تجد
مكررا بالآلاف… بل قل بالملاين ……
…………….!
ليشاع بيعها في الأسواق
والمتاجر
بماركات مسجلة وغير مسجلة
وكسلعة معروضة
بين الأقمشة
والطناجر
و ما من احد يشتري
وليس من احد يريد
ولا احد له الوقت
ليذهب إلى المزارع،
ليشتم عطر الورود الطبيعية ….
……..
ولا إلى البراري
ليناجي حبيبته..
و ليعش قصة حب رومانسيه……..
………..!
فان رغبت بالحب
فلنذهب الآن ……
أو بعد ساعة
أو غد
أو بعد غد
وحسب ما يسمح وقتك و وقت العمل في المصانع
لنعقد في المحكمة الشرعية ..
أو مدنية ،
عقد زواج ….. بل قل :عقد نكاح .
لعشرة دقائق
أو لساعة .. أو ليوم
وحسب ما يسمح وقتك و وقت العمل في المصانع
ثم نمضي
دون اعتذار
من (قيس)
و (روميو)
و (جميل بثينه)
ومع كل رواد العشق،
الذين افنوا حياتهم،
في الحب
والعشق
والعناء
والشوق
واللوعة
والنواح
والبكاء للحظة عشق حقيقية ……
………!
والآن بعد إن تشيّئنا
يختصر الحب في عشر دقائق
وعلى سرير اصطناعي
لا يفوح منه سوى رائحة المصانع …..
خلف أسرة المراقص
في سانزليزيه ..
ولاس فيكس ..
لنتشيّء في حب اصطناعي
مصنع
ومستوردا خصيصا
لتشيّئنا
في بضاعته الرخيصة،
شئنا أو أبينا ……
…….!
تشيٌئنا أصبح واقع الحال
لنتجرد
من لوعة عشق حقيقية …….
…………..!
تشيّئنا
ككل الأشياء
دون طعم
ولون
ورائحة
وإحساس……….
……….!
فلقد نسينا …….
…….
بل لقد إنسانا عصر التشيّؤ،
كيف كانت،
رائحة الورد في الحدائق ….
……….!
وما عاد
العشق في عصر تشيّئنا
يعرف نبضه
واضطرابه
وعشقه
وآهاته
ودموعه
و نواحه لآلاف الساعات……
بل العمر كله ……..
……..!
فعصر الحب والرومانسية
قد ولىّ وراح
فلا وجد
و لا هيام
ولا شوق ولا غرام …….
…………!
فلقد تشيّئنا بتقنية العصر، تشيّئا
سرق منا أحلامنا
على صفحات تويتر.. و فيسبوك .. و انستغرام
وغدا كل شيء بإمكان
بعد أن كان بغير الإمكان،
ان تحاور الحبيب
لدقيقة
تحت الأنظار………
……….!
الحوار كان في زمان الرومانسية
أمر لا يأتي إلا بشقاء الروح
و معانات
و بؤس
و حرمان ……..
………….
…….
وسعيد من أمكن
الحوار مع (الحب)
لدقيقة
تحت الأنظار………
……….!
عصر الصدق والوفاء،
غاب
فلا نظرة عشق .. وإعجاب ..
وغمزه عين .. وإشارة ..
وموعد ..
وانتظار …… لساعة .. ولساعتين … وعشره …
ويمضي النهار .. وأنت في الانتظار
تحت الحر .. و البرد
بلا قرار
تحت الأنظار
غير مبالي بظروف الطقس والمناخ
تنتظر رحمة الأقدار……
……!
مضى عصر الصدق والوفاء
فلم يعد العاشق
يحترق
بنار الصبر.. والانتظار
تحت الحر والبرد،
ساعة .. وساعتين … وعشره …
و يمضي النهار ..
وأنت تنتظر
لمجرد لمحة بصر
أو إشارة
ترسلها إلى من أضناك هجرا وحرمانا …….
وقد تفلح تارة ..
وتخيب إلف تارة .. وتارة……
…………!
وكل ما كان بالأمس، بغير إمكان
عاد هذا النهار بإمكان
تحاور من تحب
وفي كل الأوقات
عبر توتر .. .. وفيسبوك .. وانستغرام
بلا موعد وانتظار
لتقضي نهارك متشيئا
بحوار بلا إحساس
لحد الذي تنسى نفسك،
بأنك بحاجة إلى النوم ..
والأكل..
والحديث مع الأهل والأصدقاء، وجها لوجه
لا بلغة ميكانيكية متشيّئة
دون إرادة منك أو منه……
…….!
تشيّئنا العصر
فما عاد لنا
وجد
وهيام
بلغة القلب والعقل…….
……….!
تشيّئنا
بعصر التقنية وبدعة (موبال)
وبصفحاته في توير.. وفيسبوك .. وانستغرام
فنلازم هذه الصفحات .. ليل نهار
أينما نذهب
أينما نجلس
فأنت أسير هذه الصفحات
بين تويتر.. وفيسبوك.. وانستغرام
ولا ندري ما الأتي الجديد …..
…………!
ليتشيّء وجودك تشيّئا أكثر..
وأكثر ….
على صفحات القادم الجديد
ليأخذ منا الإحساس والمشاعر
ولغة الحب ..
والصدق ..
والتعبير،
بارتجاف الشفاه .. وخفقة القلب
وأنت تواجه عيون من تحب،
وجها لوجه …….
لا عبر الأسلاك والصفحات الضوئية …….
…………..!
في عصر التشيؤ …..
……
نسينا حتى أسمائنا …
عناويننا ….
هويتنا …
…….!

وقد بادرنا بأنفسنا .. وبأقفالنا
لنغلق الأبواب عن أفراحنا
وأحلامنا
وضحكاتنا
وابتسامنا العميق
وعن الحب،
النابع من عمق أعماقنا،
بمفتاح تشيّئنا
و رميناه في نهر (دجلة) ليضيع في غرينه العميق
ومعه رمينا
كل الذكريات ..
والصبا
من على شواطئ النهر
على (كورنيش الاعظمية)
و (جسر الصرافية)
و (أبو نواس)
و (حدائق الزوراء)
و (المسبح) ………
………!
وتهنا …..
وتاهت عني (بغداد) في (حدائق تشرين)
وكيف كانت قبلتي،
بين شفة امرأة دمشقية
ونحن خلف الشجر اثنان،
نلهو .. ونعشق .. ونمرح ..
ونسرح بالأضواء المتلألئة،
من على جبل (قاسيون) ..
نحضن (دمشق) .. و (دمشق) تحضننا………..
ونمضي وتمضي الأيام بنا
حسرة .. وحيرة
لا نمك سوى الذكريات
وكيف تركنا اثأر الخطوات
على رمال شواطئ البحر الأبيض المتوسط،
في (الاذقيه) .. و (بيروت)،
الذي كان يوما ابيض …
ولم يعد………
……….!
وعدنا وعدت بلا شهيق
متشيّئين
في دخان المصانع، الرمادي
أكثر رمادا من رماده
نذوق طعم الخسارة
والندم العميق ……..
……….!

أضف تعليقك هنا

فواد الكنجي

كاتب عراقي