مقاربة بين مفهوم الثقافة الشعبية والتداولية

بقلم : غاده عبد الستار عواد

التداولية والثقافة الشعبية

تشير الثقافة عموماً إلى مجموعة من المسالك الثقافية أو العناصر التي تشكل نظاماً متداخلاً على أكثر من صعيد، فإذا ما بدئنا بأوائل سبل الحياة الأُولى نقول أن المحراث هو عنصر لنمط ثقافي يتكون أصلاً من المحراث ذاته ، والحيوان الأليف الذي يستخدم في سحب المحراث و محاصيل حبوب العالم القديم مثل القمح والشعير، وحرث أراض أكبر في مساحتها من الحدائق، واستخدام الأسمدة من روث الحيوانات الأليفة. جاءت الزراعة بالمحراث والعوامل المشتركة معها، كنمط ثقافي، جاءت من القرون الوسطى في حوالي 500 ق.م.

أقسام الثقافة البشرية عبر التاريخ

ودخل المصطلح الثقافي في كثير من التناقضات وتعدد وجهات النظر، لاختلاف الشعوب انفسهم، ومن بين المحاولات التي اشارت الى تقسيم الثقافة البشرية، محاولة الفيلسوف بيير ليفي حيث قسم الثقافة البشرية عبر التاريخ الى اربعة انواع وهي:-

1- المشافهة :

تعتمد على الذاكرة بشكل اساسي ،وهي خزين النتاجات الثقافية ،والتي تتميز بانتاجها الجماعي .

2- الكتابية :

مع تطور البشرية والاستفادة من المادة ، صارت الثقافة تدون كتابياً عن مختصين بالكتابة والشرح والتفسير، وتسمى ايضا بالمرحلة التي ظهرت فيها الديانات ،التوراة والانجيل والقراءن.

3- الطباعية :

ظهور المطابع ووانتاج و تأليف الكتب بشكل كبير .

4- الرقمية :

التحرر من العوامل المادية باستخدام الحوامل القادرة على تخزين كم هائل من المعلومات وتحويلها الى كود او رموز .

بالرقم من ان التطور التكنولوجي والرقمي ووجود الشبكات العنكبوتية ،نلاحظ العودة اللولبية الى عصور المشافهة الاولى عن طريق الدراسات اللسانية وظهور المناهج اللغوية و تطبيقاتها وتفعيلاتها في كافة الاختصاصات وخاصة الثقافة والفنون ، فنجد الثقافة الشعبية التي هي محور هذا المقال جزءاً لا يتجزء من الثقافة الشفوية وتحليها بالاخص الى المكونات الهوية وعلاقتها بالحياة الاجتماعية والانثربويولوجية، المتمثلة بالطقوس وعلاقات القرابة والاصل والدين والعرق والجنس والجغرافيا، ومع وجود الثقافة الرقمية والتطور التكنولوجي صارت الثقافة الشعبية اكثر نضوجا من ناحية الفكر والتقدم .

الثقافة الشعبية

إن التفكير في مسألة الثقافة الشعبية يستدعي الوقوف عند ثلاث فرضيات، أولاها أن الشعبي من الثقافة ليس بالضرورة إنتاج الشعب إلى الشعب، إذ أن مفهوم الوسائط المتداخلة في العلاقة بين الإنتاج الفكري والبنية الاجتماعية يصبح هنا ذات أهمية خاصة. والقول إن العبارة الشعبية مصدرها ومآلها الشعب يعني غياب هذه الوسائط. و ثانيتها أن الخاصة والعامة اجتماعيا والخاصة والعامة ثقافيا لا تتطابقان لا باعتبار المراحل التاريخية الكبرى ولا بتلك الصفة الآلية التي كان يراها البعض. أما ثالثتها فهي أن الثقافة الشعبية تعبير عن غياب الحاكم أكثر مما هي تعبير عن حضور الشعب المحكوم. وبما ان الثقافة الشعبية ترتكز على مبدأ المشافهة وتدون افكار الناس وذاكرتهم،وهذه الميزة تمنحها الاصالة والتجذر عن طريق تداول مفاهيمها بين جيل واخر ،بالرغم من الاضافات والتشهويهات التي تعرقل البحث عن اصل المفاهيم القديمة .ومن خلالها استدعت الحاجة الى ظهور مناهج نقدية حديثة ساهمت بشكل كبير في دراسة العلوم اللسانية والادبية وبالاخص المسرحية والتشكيلية من خلال البحث عن ماهو مضمر ومخفي للثقافات الشعبية .

تداولية الدرجة الاولى هي دراسة الرموز الاشارية

ومن بين هذه المناهج ، المنهج التداولي ،التي تختص باقطاب العملية التواصلية فتهتم بالمتكلم ومقاصده بعدهُ منهجاً محركاً لعملية التواصل وتراعي حال السامع أثناء الخاطب وتهتم بالظروف الخارجية المحيطة بالعملية التواصلية ضماناً لتحقيق التواصل من جهة ، ولتستغلها في الوصول الى غرض المتكلم وقصده في كلامه من جهة اخرى ،ويمكن القول ان نقطة الربط بين الثقافة الشعبية المتداوله قديما من حكايات و خرافة وقصص و احاديث و الثقافة الشعبية الداخله عن طريق العولمة هي مترابطة مع المنهج التداولي فهي تعالج العلاقة بين العلامات ومستعمليها،غير انه تعريف واسع ومتكامل يشمل اللسانيات و السيميائيات على حد سواء .

ان الفضل الاكبر يعود للمرجعيات المعرفية اللسانية التداولية يعود الى الثقافة الغربية على يد الفيلسوف الامريكي (تيشالز ساندريس بيرس) عن طريق نشر مقالتين الاولى بعنوان ( ميتافيزقيا) والثانية ( كيف يمكن تثبيت الاعتقاد )ومن خلالها اكد ان الفكر يحمل ابداعات مقرونة بعادات فعلية متى يتم الفعل وكيف بدأ فيكون مقرونا بعملية الادراك ،وفي الحالة الثانية يؤدي الفعل الى نتيجة ملموسة للوصول الى ان الممارسة والتطبيق والفعل هي الاساس والقاعدة لمختلف الافكار والمفاهيم .وهذه الاساسيات مرتبطة بشكل او باخر بالثقافة الشعبية المتداولة .

من العلوم التي غذت المنهج التداولي ، علم النفس المعرفي والمنطق ونظرية المحادثة والفلسفة البرجماتية والفلسفة التحليلية ، والاهم من ذلك الاشارة الى الدرجات الثلاثة المعتمدة للمنهج التداولي والتي يمكن ادراجها ضمن مفهوم الثقافة الشعبية هي ثلاث درجات :

1- تداولية الدرجة الاولى : دراسة الرموز الاشارية وتشمل العلامات الاشارية (انا – هو – هي ) / ( انا هنا ) التي تتجلى في القول مع توضيح العلاقة بين الزمان والمكان .

2- تداولية الدرجة الثانية : تشمل المعنى الحرفي والمعنى التواصلي وتدرس الدلالة الضمنية للقول التي قد يكون معنى الجملة فيها مبهما وعدم احتوائها على اشارات.

3- تداولية المرحلة الثالثة : وهي نظرية الافعال الكلامية التي تنطلق من مسلمة مفادها ان الاقوال الصادرةضمن وضعيات متعددة تتحول الى افعال ذات ابعاد اجتماعية .

اخيرا يمكن القول ان الربط بين مفهوم الثقافة الشعبية والتداولية هو ربط مستقيم يمشي في خط واحد،حيث ان الثقافة الشعبية اصبحت مرتبطة بالعولمة المحدثة واستخدام الاسعتعارات اللغوية الشفهية الشعبية اوالمادة كالحكايات المدونة وعلاقتها بالزمان والمكان بشكل اساسي.

بقلم : غاده عبد الستار عواد

فبراير /2017

أضف تعليقك هنا