هل يجب وضع مادة للتربية العاطفية ضمن المقررات المدرسية؟

 المقال بقلم: Grace Rubenstein، ترجمة: عمار الحامد

إن مشاعرنا المكبوتة وغير المستقرة قد تدفع بنا صوب القلق والاكتآب ولربما تتعداهما إلى الأسوأ. يرى بعض المثقفين أنه حان الوقت لأن يتلقى أطفالنا دروساً في العواطف إلى جانب دروس الأبجدية. ترى، من علمك كيف تتعرف إلى عواطفك؟ كيف تسيطر عليها؟ كيف تعبر عنها حين يفيض بها قلبك؟ كيف تتخذها بوصلةً تستدل بها؟ بالنسبة لكثير من البالغين فإن الجواب لا أحد. باختصار، يجب أن تشق طريقك في هذه الغابة المتشابكة بمفردك.

رغم كون المدارس لا تعلمنا أن نسبر أغوارنا لنتعرف إلى ذواتنا من الداخل، إلا أن ذلك هو ما يجب أن يحدث، يؤكد عدد من الباحثين الذين يعتقدون أن المهارات العاطفية لا بد أن تحتل مرتبةً متقدمةً في تعليم الأطفال، مرتبةٌ لا تقل أهميةًً عن الرياضيات والقراءة والتأريخ والعلوم.

لماذا يجب علينا الاهتمام بتدريس العواطف؟

أظهرت إحدى الدراسات أن الذين يتمتعون بمهارات عاطفية في حقيقتهم أشخاص متفوقين، اجتماعيين، قليلي الانخراط في السلوكيات غير الصحية بشكل ملحوظ. برغم كون العالم يعيش عصر المكننة، غير أنه ما يزال بأمس الحاجة لما بات يعرف بالمهارات الناعمة، تلك التي تشتمل على القدرة على المطاولة وإدارة الإجهاد والتواصل، مهارات من شأنها أن تجعل الاستغناء عن العنصر البشري أمراً غير وارد بالمرة. تشهد المدارس الأميركية في الآونة الأخيرة مساعٍ متزايدةً لتدريس المهارات الاجتماعية والعاطفية، والمعروفة اختصاراً ب(SEL)، غير أن هذا النوع من التعليم يأخذ منحًى تواصلياً أكثر منه عاطفياً.

“غالبا ما يتعلم الأطفال لتجاهل أو إخفاء عواطفهم، كيف لا والكثير من مجتمعاتنا الغربية تنظر إلى تلك العواطف بوصفها محض ترف وتضييع للوقت”، يقول توماس شيف: عالم اجتماع من جامعة كاليفورنيا سانتا باربرا، وأحد دعاة التعليم العاطفي، والذي يتابع قائلاً: “عواطفنا التي يحدث أن تزودنا بمعلومات قيمة عن العالم من حولنا، تعلمنا أو قل تعودنا أن نتجاهلها، الأمر الذي لا يقل خطورةً عن تنكرنا لها”. وجد شيف أن الرجال على وجه الخصوص ميالين إلى إخفاء مشاعر الخجل خلف قناع الغضب والعدوانية، وفي أحيان كثيرة العنف.

كيف يتسنى لنا الانتقال لمرحلة تدريس العواطف؟

أحد أبرز مقررات التعليم العاطفي في المدارس يعرف ب(RULER)، وقد وضعه كل من مارك براكيت، ديفيد كاروسو وروبن ستيرن من مركز (Yale) للذكاء العاطفي سنة 2005. جرى تطبيق هذا المقرر المتعدد المراحل في أكثر من 1000 مدرسة داخل وخارج الولايات المتحدة، بدءً من رياض الأطفال حتى سن الثامنة. ويرمز مصطلح (RULER) إلى الأهداف الخمسة المتوخاة منه وهي: إدراك العواطف وفهمها وتمييزها والتحكم بها والتعبير عنها. ترتكز فكرة (RULER) على تعريف صغار السن بأساس فكرة العاطفة عوضاً عن تركهم يتخبطون محاولين تحديد ماهيتها.

تقول روبن ستيرن من مركز (Yale): “حين يستبد بك الانفعال، فإن إلمامك بأسبابه ربما يساعدك في التغلب عليه. على الرغم من عدم وجود تعريف ثابت لمفردة الغضب، إلا أنها ما تزال كما هي في أصلها ردة فعل لشعور بالظلم أو الإجحاف. وكذا الحال مع خيبة الأمل والذي أصله شيء توقعته ولم يتحقق، والإحباط والمتأتي في الأساس عن إحساسك بأن ثمة ما يحول بينك وبين ما تصبو إليه. باختصار، يساعد الإلمام بأصل المشكلة المرء على التعرف عليها وفهمها والاستعداد لمواجهتها”.

لا يقتصر دور (RULER) على تغطية جميع المراحل كما أسلفنا، وإنما يتعداها ليغطي جميع مفردات الحياة. فعلى سبيل المثال، إذا حدث وتناول أحد الأساتذة البعد العاطفي لمفردة “التيه”، فليس من المستبعد أن يطلب هذا الأستاذ من تلاميذه إيجاد العلاقة التأريخية بينها وبين حملة لويس وكلارك. لا بل قد يتجاوز الأستاذ حدود الفصل الدراسي فيوجه تلاميذه أن يسألوا أولياء أمورهم أو مربياتهم عن آخر مرة ساورهم هذا الشعور.

وجد الباحثون في مركز (Yale) أن المدارس التي تعتمد مقرر (RULER) تتصف بانحسار ظاهرة البلطجة مع انخفاض ملحوظ بمعدلات القلق والاكتئاب في الأوساط الطلابية، هذا فضلاً عن حضور لافت لظاهرة القيادة الطلابية وارتفاع في العلامات.

لماذا إذن يعد التعليم العاطفي استثناءً لا قاعدة؟

إنه من المدهش حقاً أن يتفق العلماء والتربويون على الحاجة لتدريس العواطف دون الاتفاق على كمية ونوعية المادة المراد تدريسها. فبينما يغطي (RULER) المئات من المفردات الحسية بما في ذلك الفضولية والنشوة واليأس والإحباط والغيرة والتحرر والحرج، نجد أن المعاجم العاطفية لمراكز الأبحاث المماثلة تتأرجح بين 2 و11 مفردة لا غير.

يلمح شيف إلى ضرورة أن تبدأ الدراسة العاطفية للطلبة بهذه المفردات الحسية الست قبل غيرها وهي: الحزن والخوف والغضب والفخر والخجل والإجهاد. منذ بداية تدريسه بوصفه علماً قبل أكثر من قرن وحتى يومنا هذا، ما يزال علم النفس يركز وبشدة على تحديد الاضطرابات وعلاجها. شيف الذي عكف سنين طوال على دراسة الشعور بالخجل وأثره المدمر على تصرفات الإنسان بوصفه أحد التابوهات، يعترف قائلاً: “مهما اعتقدنا أننا نعرف الكثير عن العواطف، فإن تلك المعرفة تبقى قاصرة، الأمر الذي ينطبق على عامة الناس والباحثين على حد سواء”. ذات المعنى تعبر عنه فرجينيا وولف بقولها: “مدينة لندن على اتساعها شوارعها منظمة بخريطة، في حين أن عواطفنا ما تزال مجهولة المسالك”.

يستطيع الوالدان تنمية مدارك أبنائهم العاطفية من خلال مستحث حسي مبسط: “حدثني عن أسعد لحظات حياتك”. تلك العبارة التي لطالما استهل بها شيف مناقشاته مع طلابه في الجامعة. كل من شيف وستيرن متفقان على أن المدارس لا يمكن أن تنتظر حتى يفرغ الأكاديميون من فرز المفردات الواجب تدريسها قبل الشروع بالعمل. “نحن ندرك وجود العواطف في حياتنا، سواء كان ذلك بوعي منا أم بعدم وعي”، تأكد ستيرن. إذن، دعونا نعلم صغارنا كيف يركبون أمواج هذا البحر الهائج قبل أن يلفظهم بعيداً.

المصدر: ideas.ted.com/should-emotions-be-taught-in-schools/

فيديو هل يجب وضع مادة للتربية العاطفية ضمن المقررات المدرسية؟

أضف تعليقك هنا

عمار الحامد

كاتب ومترجم حر وأستاذ لغة إنجليزية من العراق