أين يسكن الجن؟

أين يسكن الجن في هذا الكون الفسيح؟

أقوال كثيرة تتحدث عن أن الجن يسكن تحت الأرض او في الخرابات أو المراحيض وكلها أقوال لا يرتضيها العقل المفكر طبقا لما ورد في أيات القران الكريم أن منهم مسلمون يعرفون الله حق المعرفة ويخافون عذابه.

واذا فكرنا في دلالة قرآنية عن مسكن الجن لن نجد آية صريحة تقول ان الجن يسكن في هذه الاماكن التي تحدث عنها الاقدمون ولكن نجد ما يؤيد هبوط الجن معنا في سورة الاعراف

” قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (24)

القول في تأويل قوله : قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)، قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم، “بعضكم لبعض عدو”، ذلك عند الهبوط من الجنة الي الارض لكن لم يحدد موضع الجن الذي هبط معنا علي الارض.

تأملت كثيرا آيات القرآن الكريم ووجدت في عدد منها حديث للجن والانس مجتمعين يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) هذا في سورة الرحمن والتي تتكرر فيها كلمة تكذبان في اشارة للأنس والجن معا.

وسورة الرحمن فيها معاني كثيرة عن وجود الانس والجن معا ولكن لكل منهما طبيعته الخاصة( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) [الرحمن: 19-21]. وكلمة الثقلان تشير الي ان الانس والجن متساويان.

لماذا لا يكون الجن ساكن فينا او معنا؟

تأملت هذه الآيات وقلت لماذا لا يكون الجن ساكن فينا او معنا في جسد واحد طالما ان الخالق ينادينا مجتمعين، وذهبت ابحث عن آية قرآنية تؤيد فرضية ان الجن يسكن فينا وأهديت الي الآية( 72) من سورة الاحزاب، يقول الله عز وجل في هذه الآية الكريمة:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)

وطالعت كل التفسيرات عن الامانة في اقوال السلف الصالح ومجملها ما يلي : الحمد لله، عرض الله تعالى طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا .

هذا هو تفسير قول الله عز وجل: ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب /72.

وتفسير الأمانة بالتكاليف الشرعية هو قول ابن عباس والحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وابن زيد وأكثر المفسرين . راجع : “تفسير الطبري” (20 /336- 340) – “تفسير ابن كثير” (6 / 488-489) – “الجامع لأحكام القرآن” (14 /252- 253) – “فتح القدير” (4/437) . قال قتادة : الأمانة : الدين والفرائض والحدود . وقيل : بل عنى بالأمانة في هذا الموضع : أمانات الناس . وقال بعضهم : الغسل من الجنابة . وقال زيد بن أسلم : الأمانة ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والاغتسال من الجنابة . قال ابن كثير رحمه الله :” وكل هذه الأقوال لا تنافي بينها ، بل هي متفقة وراجعة إلى أنها التكليف ، وقبول الأوامر والنواهي بشرطها ، وهو أنه إن قام بذلك أثيب ، وإن تركها عُوقِبَ ، فقبلها الإنسان على ضعفه وجهله وظلمه ، إلا مَنْ وفق اللَّهُ ” انتهى . “تفسير ابن كثير” (6 / 489) .

وقال الطبري رحمه الله : ” وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس وذلك أن الله لم يخص بقوله : (عَرَضْنَا الأمَانَةَ) بعض معاني الأمانات لما وصفنا” انتهى . “تفسير الطبري” (20 / 342) .

وقال القرطبي رحمه الله : ” الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ، وهو قول الجمهور ” انتهى . “الجامع لأحكام القرآن” (14 / 252)

وقال السعدي رحمه الله : ” جميع ما أوجبه الله على عبده أمانة ، على العبد حفظها بالقيام التام بها ، وكذلك يدخل في ذلك أمانات الآدميين ، كأمانات الأموال والأسرار ونحوهما ، فعلى العبد مراعاة الأمرين ، وأداء الأمانتين ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ” انتهى . “تفسير السعدي” (ص 547) .

وقال الشنقيطي رحمه الله :” ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه عرض الأمانة ، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب على السماوات والأرض والجبال ، وأنهن أبين أن يحملنها وأشفقن منها ، أي : خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه ، وهذا العرض والإباء والإشفاق كله حق ، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكا يعلمه هو جل وعلا ، ونحن لا بعلمه ، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها ، وأبت وأشفقت ، أي : خافت ” انتهى . “أضواء البيان” (36 / 139) .

والخلاصة عن أين يسكن الجن؟

أن الأمانة المذكورة في هذه الآية الكريمة ، والتي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسان ، هي التكاليف الشرعية ، سواء في ذلك حقوق الله تعالى ، وحقوق عباده ، فمن أدى حق الله وحق عباده أثيب ، ومن فرط في حق الله وحق عباده استحق العقاب . والله اعلم.

كل التفسيرات السابقة نحترمها ونقدرها ولكن اغفلت ان الانسان ظلم نفسه عندما تحمل هذه الامانة وحاشا لله ان يظلم الانسان نفسه بتحمل تكاليف الله الشرعية،
الشيء الاخر ان السماء والارض ليست عاقلة لكي تتحمل التكليفات الشرعية والمقارنة بينها وبين الانسان مقارنة غير عادلة.

الامانة شئ اخر غير التكليفات الشرعية، انها شئ جبار خافت منه السماوات والارض لكن الانسان لم يخف وحمله وكان بذلك جاهلا بخطورته وظلم نفسه بحمله
الامانة هي الجن، هي الثقل الثاني الذي تعداده مثل الانسان، كل انسان يحمل قرين من الجن، موجود معه ومولود معه.

والاجابة على السؤال اين يسكن الجن في هذا الكون الفسيح، إنه يسكن فينا

الحلقة القادمة عن القرين الذي يسكن فينا

فيديو أين يسكن الجن؟

أضف تعليقك هنا

د. الامير صحصاح

د. الأمير صحصاح