الطريق نحو المعالي

في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية والتي نشهد فيها فصولا متتابعة من الاستضعاف والتشرذم والتمزق وانقسام الأوطان ، والاحتراب الطائفي ، والصراع على السلطة ، وانهيار الدولة القومية ،ومحاربة الاسلام ووصمه بالارهاب زوراً وبهتاناً، وانحسار القيم ، وغياب الهوية ، لا يليق بنا أن نيأس أو نستسلم فنحن فى مرحلة لها ما بعدها ، وهذه هى سنة التدافع والانضاج والابتلاء والمخاض العسير لتنهض الأمة من جديد ، لذا علينا أن نجد السعى نحو المعالي وفي طريقنا نحوها لابد لنا من زادٍ يعيننا على اجتياز هذا الطريق والوصول إلى الهدف المنشود.

وزادنا في هذا الطريق هو صدق العزيمة ، وعلو الهمة ، والإقبال على الله عزَّ وجلَّ بكل محبة وشوق وإخلاص.

ولقد حاز أسلافنا الفاتحين من تلك المعاني كل فضيلة وغنيمة ، فدفعتهم عزائمهم إلى الترقي في ساحات العبودية والجهاد والفتح ، والتخلي عن الخضوع والدنية والفتور ودناءة الهمة، فأقبلوا على الله عزَّ وجلَّ بقلوب خاشعة، وعزيمة فتية ، وتنقلوا بين منازل العبودية والجهاد يضربون كلَّ واحدة منها بسهمٍ، فعلموا أنهم في ميدان سباق، وأن حياتهم وجهادهم وصبرهم على المحن هي زمن هذا السباق، فإن أضاعوا أعمارهم خسروا، وإن اغتنموها فازوا وربحوا.

سيادة البشرية 

إذا كان تاريخنا التليد يعج بمئات الصور والمواقف المشرفة لجهاد أسلافنا الفاتحين وصدق عزائمهم وعلو هممهم ، فإن واقعنا المعاصر يخجل من تخلفنا عن مقام السابقين في ميادين العلم والريادة وحسن العبادة والطاعة والإقبال على الله تعالى. ومجاهدة النفس ومقارعة العدو ، وسيادة البشرية بمنهج الوسطية .

إننا – لا شكَّ – نريد العزة ، والريادة وننشد الحرية ، و الفوز بالجنة والنجاة من النار ، وتعبيد الناس لرب العالمين وسيادة الدنيا بالدين ولكن هل تدرك كل هذه المعالي بمجرد الإرادة والتمني ؟

  • أين مجاهدة النفس والشيطان والأهواء ؟
  • أين البذل والعطاء والاجتهاد من أجل عزة الإسلام ؟
  • أين الاجتهاد والتشمير وصدق التوجه ؟
  • أين الإعداد والاستعداد والنيل من كل الفنون والتخصص في دقائق العلوم ؟
  • أين تغليب مصالح الأمة على مصالح النفس والقبيلة والدولة القطرية ؟

قال تعالى : ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ (الإسراء:19).

فإدراك المعالي لا يتوقف فقط على الإرادة والتمني وإنما: ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ فالإيمان والعمل الصالح قرينان لا يفترقان ، أما الأماني المجردة فإنها رؤوس أموال المفاليس .

العزيمة الصادقة

إن كثيراً من شباب أمتنا – على ما فيهم من خير – يفتقدون العزيمة الصادقة التي تؤهلهم إلى إدراك ما يتمنونه تحقيقه من المعالى ، فهناك موانع كثيرة تحول بينهم وبين إكمال تلك المهمات منها اليأس والاحباط والانكسار ، وغير ذلك من الأسباب التي تجعل المعالى والغايات مجرد أحلام تراود أصحابها طالما استمروا على تلك الحال من الفتور وضعف الهمة والارادة.

ومما تميَّز به أسلافنا رضوان الله عليهم قوة الإيمان وصدق اليقين والتحلى بالأمل الواسع الفسيح والثقة فى نصر الله والتمكين لهذا الدين ، فأثمر ذلك أعمالاً خالدة وانتصارات مجيدة لا زال عبيرها يبهجنا بين فينة وأخرى .

قال ابن الجوزي رحمه الله : ( واعلم أن فضائل الصحابة على جميع فضائل الأنبياء ظاهرة ، وكان لسبقهم سببان :

أحدهما : خلوص البواطن من الشكّ بقوة اليقين .

والثاني : بذل النفوس للمجاهدة والاجتهاد . .

وهذا عمير بن الحمام رضي الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وهو يقول: ( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ) . فقال : يا رسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض ؟

قال : نعم .

قال : بخٍ بخٍ . وهي كلمة لاستعظام الأمر وتفخيمه .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟) .

قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها .

قال : ( فإنك من أهلها) .

فأخرج عمير تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة !! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل الكفار حتى قتل رضي الله عنه . ( رواه مسلم) .

وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يحكي عن عمه أنس بن النضر فيقول : غاب عمي أنس بن نضر رضي الله عنه عن قتال بدرٍ ، فقال : يا رسول الله ! غبتُ عن أول قتالٍ قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع ، فلما كان يوم أُحُد انكشف المسلمون فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه– وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء –يعني المشركين– ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذٍ فقال: يا سعد بن معاذ ! الجنة وربّ النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد. قال

سعد: فما استطعت يا رسول الله –والله– ما صنع!

قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربةً بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رميةً بسهم ، ووجدناه قد قُتل ومثّل به المشركون ، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه . فكنا نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23) .
وفي قوله : ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ دلالة على صدق عزائم القوم ، كم بين اليقظة والنوم !! نسأل الله ألا يمقتنا .

فعلى الحازم أن يأخذ نفسه بالجدِّ ، وأن يستمر في مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه ، وأن يعتصم بالله تعالى ويسأله العون والتوفيق إلى بلوغ المعالي .
وعون الله للعبد على قدر قوة عزيمته وضعفها ، فمن صمم على إرادة الخير أعانه وثبَّته ، كما قيل :

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

ومن أخبار عمر بن عبدالعزيز أنه كان يقول : إن لي نفساً تواقة ، ما نالت شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ! فلما نالت الخلاف ، وليس فوقها – في الدنيا – منزلة ، تاقت إلى الآخرة .

وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسامُ

ياشباب أمتنا الجريحة :

• العزائم في قلوب أربابها كالنار تشتعل ، إنها لتستعمل البدن ولا يحسّ بالتعب ..

• للعزائم رجال ليسوا في ثيابكم ، وطنوا النفس على الموت فحصلت لهم الحياة ، فهم في صفِّ الجهاد أثبت قلباً من القطب في الفلك !

• من لم يقم في طلاب المجد بالجدّ لم ينم في ظلال الشرف .

• اغسل وجه الجدِّ من غبار الكسل ، وأنفق كيس الصبر في طريق الفضائل .

• إن كانت لك عزيمة فليس في لغة أولي العزم ( ربما وعسى )

• الخير كلّه منوط بالعزيمة الصادقة على الرشد، وهي الحملة الأولى التي تهزم جيوش الباطل، وتوجب الغلبة لجنود الحق .

• من صدق العزيمة يئس منه الشيطان، ومتى كان العبد متردداً طمع فيه الشيطان وسوّفه ومنّاه .

فيا شباب أمتنا الفتية ..

العزيمة العزيمةَ ، فإن دورب المجد تنتظركم ، وبيراق النصر معقودة بنواصيكم ، وبعد الاستضعاف يكون التمكين ، والعالم الحائر المضطرب الذى يموج بالحروب والمؤامرات والفتن ينتظر عدالة الإسلام ورحمته على أيديكم .

فيديو الطريق نحو المعالي

أضف تعليقك هنا

محمود المنير

محمود المنير

كاتب في الشأن السياسي والشأن العام