عناصر القصة الأدبية

تتكون القصة الأدبية من مجموعة عناصر أطلق عليها النقاد “عناصر البناء الفني للقصة” وهي :

  • الشخصيات.
  • الحدث.
  • الفكرة.
  • البيئة.

وسوف نتناول فيها يلي هذه العناصر بشيء من التفصيل .

1- الشخصيات Character: 

يعتمد البناء الفني لأي قصة اعتماداً كبيراً علي خلق الشخصيات التي يسند إليها أعباء كثيرة , فالشخصية تعمل علي تقوية وإيضاح الجانب الأدبي في القصة , كما أن الجانب الأخلاقي في القصة يظهر بوضوح من خلال الشخصيات , في نفس الوقت فقد اتضح بشكل عام أن معظم القصص الجيدة تنبع الأحداث فيها بطريق منطقي من طبيعة الشخصيات التي تتعرض لها القصة .

وتعد عملية بناء الشخصية في القصة أخطر عملية في بناء القصة جميعها , لأنها مرتبطة بتوثيق هيكل القصة ذاته , فالقصة ذاتها موقف إنساني وتحديد معالم الشخصيات الإنسانية هو جوهر عملية بناء القصة , ولهذا تتخلخل كثير من القصص التي اكتفي كاتبها بإبراز الملامح الخارجية لشخصياتها , لأن الشخصية القصصية إنما تبني من داخل القصة , من أحداثها ومواقفها , لهذا تصبح الشخصية بدورها عامل بناء وتركيب وإثراء للقصة نفسها .

وفي بعض الروايات تتعدد الشخصيات , فيصبح بعضها ثانوياً , ويستقطب البعض الآخر الرواية كلها , أو تكون هناك شخصية محورية واحدة , تحظي باهتمام الكاتب , نظراً لخطورة الدور الذي تؤديه , أو لكونها تحمل الرؤية الأساسية , أو لأنها تعبر عما يريد الكاتب , إلي غير ذلك مما يجعل وجودها حيوياً , ولا يعني هذا إغفال بقية الشخصيات , بل أن الكاتب يمنحها قدراً لائقاً من العناية لأنها تساعده علي بلورة الهدف الأساسي من القصة .

والشخصيات في القصة ليست أداة لتوصيل أفكار الكاتب , يحركها كيفما يشاء , وينطقها بما يريد , لكنها – في الحقيقة – عنصر مؤثر وفعال ولبنة في بناء القصة.

فلا يتصور قصة بلا شخصيات , ولا وجود لحدث معزول عن الشخصية التي أحدثته , وعن طريق اندماج الشخصية بالحدث, ونمو الحدث في ظلال الشخصيات تنبع رؤية الكاتب , وتنمو الشخصية , وتتعمق فنياً في القصة الجيدة الناضجة , وتتسطح الشخصية , وتبهت ملامحها في القصة الركيكة المفككة .

2- الحدث Event

تروي القصة خبراً , وليس كل خبر قصة , ولكي يصبح الخبر كذلك لابد وان تتهيأ له الخصائص التالية :

  • أن يكون أثره كلياً .
  • وأن تكون وسيلتنا إلي ذلك ترابط تفاصيله .
  • وأن يصور ما نسميه الحدث .
  • وهو يتكون من بداية ووسط ونهاية .

ولكن وجود حكاية تنطوي علي هذه الأقسام من بداية ووسط ونهاية لا يعني دائماً , وبالضرورة أنها تصور حدثاً , وقد تجيء أخباراً متعددة تتجاور , وليس حدثاً ينمو طبيعياً , وتترابط أجزاؤه , كل جزء يرتبط بسابقة , ويؤدي إلي ما يليه , حتى يبلغ غايته .

والحدث هو اقتران فعل بزمن , وهو لازم في القصة لأنها لا تقوم إلا به , ويستطيع القاص – إذا أراد – أن يكتفي ببعض الحدث نفسه دون مقدماته أو نتائجه كما في القصة القصيرة أو بعرض هذا الحدث متطوراً مفصلاً في القصة الطويلة أو الرواية , كما أن بعض الكتاب يعتمد كي يشد القارئ للقصة أن يفتعل الأحداث وأن يدخل عليها عناصر غير طبيعية , لزيادة المفاجأة والأغراب , وتضخيم الحدث .

وفي رأي الدكتور رشاد رشدي أن الحدث المتكامل هو تصوير الشخصية وهي تعمل عملاً له معني , وليس هذا المعني شيئاً مستقلاً عن الحدث يمكن أن نضيفه إليه وأن نفصله عنه , ولذلك فكل حدث له معناه المعين الذي يميزه عن غيره من الأحداث , وهذا المعني ينشأ من الحدث نفسه , فهو جزء لا يتجزأ منه , وبدون المعني لا يمكن أن يتحقق للحدث الاكتمال , لأن أركان الحدث الثلاثة وهي الفعل والفاعل والمعني وحدة لا يمكن تجزئتها .

وتجدر الإشارة إلي أن ترتيب الأحداث التي يصطنعها الكاتب , تخضع لعملية هامة , إذا كان يريد تقديم عمل فني صادق , ذلك أنه لا يختار الأحداث والمواقف مما يقع بالفعل في الواقع , وينقلها بحذافيرها , بحيث تعد نسخة كربونية طبق الأصل , لكنه يختزل ويهذب , وينسق , ويعيد ترتيب الأشياء , كما أن الأحداث والوقائع غير المترابطة التي تفصل بينها في الحياة فترة زمنية –تطول أو تقصر- يضطر الكاتب إزائها إلي التقريب والتوليف فيما بينها .

والقصة الأدبية باعتبارها فناً حكائياً يعتمد علي “الحدوتة” أو “الحكاية” تقوم علي مجموعة من الأحداث , مرتبة ترتيباً سببياً , تنمو مع تقدم القصة , وتؤدي في النهاية إلي نتيجة طبيعية معقولة , وقد تكون هذه الأحداث التي يسوقها الكاتب في قصصه أحداثاً واقعية , مستوحاة من الواقع المحيط , وقد تكون أحداثاً أسطورية خيالية , أو أحداثاً غيبية خارقة للعادة , أو قد تكون هذه الأحداث ذات طابع ديني أو خلقي أو ملحمي أو سياسي أو اجتماعي أو فلسفي , ومهما تكون طبيعة هذه الأحداث فالقصة لا توجد إلا بها , وطبيعة هذه الأحداث هي التي تكشف عن اتجاهها , وترتيب الأحداث ترتيباً زمنياً لتعكس انطباعاً معيناً ومعالجتها من خلال عناصر القصة الأخرى , هو ما يطلق عليه ” الحبكة الفنية” , أو “القالب” أو “الإطار” أو “المعمار” أو “البناء” .

3- الفكرة Through

ينبغي أن يشتمل موضوع القصة علي فكرة واضحة تنتهي لغاية ومضمون معين , وللفكرة قيمة مثلما يكون للحوادث ذاتها , إلا أنها تتواري وتشف عنها الحوادث سواء أكانت محل قبول أو رفض من المتلقي , والكاتب يقدم قصة حين يقدم فكرة , فنجاح القصة يتوقف علي تقديم فكرة في إطار فني .

والفكرة تعد أساساً في المجالات الاقناعية والتعليمية , لأنها الأمر المقصود وتسمي المعني أو الحقيقة , فلغة العلم هي لمفرداتها مقابلات في العالم الخارجي , تساق في تراكيب تدل علي الفكرة بقدر محدد من العبارات , رغبة في إبراز الحقائق المجردة دون مبالغة , ودون تأثير علي المشاعر بالصور , ويمكن أن توصف بالصدق أو الكذب.

أما لغة الأدب والفن فلا توصف بذلك , لكنها تعبر عن دخائل النفس والأمر فيها لا يقتصر علي الدلالة المعجمية , بل يتعدي إلي الدلالات الإيحائية والنغمية والمجازية , وعلي الرغم من أن الحدث الفني له أثره في إبراز الصور , إلا أنها تبقي أن تتوالي متكاملة ومتسقة في انسجام وتوافق لفكرة كلية , وليست مجرد صور مفككة لا تترابط ولا تتنامي.

والفكرة باعتبارها معني القصة لا تقوم أو تتضح من جزء من أجزائها دون الأجزاء الأخرى وإلا كان هذا المعني دخيلاً علي الحدث , لأن أركان الحدث الثلاثة وهي الحوادث والشخصيات والمعني وحدة لا تتجزأ , يساند كل منها الآخر ويقوم علي خدمته , ولذلك فالمعني ينبغي أن يوجد في جميع مراحل القصة من بداية الحدث إلي نهايته , وعندما تتجمع كل عناصر الحدث في نقطة واحدة ينتهي بها الحدث , وهي ما نسميها “نقطة التنوير” فإن المعني لا يقتصر علي هذه النقطة وإنما يكتمل بها فقط .

فالقصة الفنية الصادقة , هي التي توازن بين الفكرة وبين القيم الفنية , حتى لا تعجز عن شق مجراها التأثيري في نفوس جماهير القراء , ودفعهم إلي تغيير حياتهم وواقعهم.

ومما يؤكد أهمية الفكرة أن هناك كما قدمنا نوعاً من القصص يسمي قصة الفكرة , وفيه ينصب الاهتمام علي الفكرة أكثر من غيرها فتكون قصة الفكرة بالمقابل لقصة الحدث أو لقصة الشخصية.

4- البيئة Settinc :

البيئة تعني مجموعة القوي الثابتة والطارئة التي تحيط بالفرد وتؤثر في تصرفاته, وتوجيهها وجهات معينة .
وتلعب البيئة دوراً هاماً في بعض القصص , ويتفاوت هذا الدور بتفاوت نظرة القاص واهتمامه , ويدخل ضمن البيئة المكان بمظاهرة الطبيعية , وصورة المادية المختلفة أو مجموعة من الأشياء مضافاً إليها القيم المعنوية للمجتمع , وقد تكون البيئة علي هذه الصورة الأخيرة طبقة من الطبقات الارستقراطية أو الوسطي أو الدنيا.

ويدخل ضمن البيئة الزمان , وفي كل نص الأحداث تسير في زمن , الشخصيات تتحرك في زمن , والفعل يقع في زمن , والحرف يكتب ويقرأ في زمن ولا نص دون زمن , إنه ثابت مع ثبات النص , ومخلوق مع خلق النص , وثمة روايات عاطلة زمنياً بسبب طغيان الوصف فيها , وثمة نصوص لا يسير الزمن فيها إلا مع قراءة النص مثل النصوص الحوارية , ومع ذلك يشكل الزمن وحدة مفصلية لبنية النص الكبري .
والواقعيون يعنون أشد العناية بإبراز أثر البيئة – فكرية , طبيعية , اجتماعية , سياسية – لطبقات شخصيات قصصهم , وكان (اميل زولا) حريصاً علي دراسة أحوال العمال الذين يتناولهم حسب مذهبه “الطبيعي” . وبالغ في ذلك إلي الحد الذي جعله يتقمص شخصياتهم , ويلبس زيهم ويخالطهم أثناء عملهم في المناجم حيث نوي كتابة روايته المعروفة “جريمينال” .

ويبدو الحرص علي تصوير البيئة الاجتماعية في القصص الذي يؤرخ للعادات والتقاليد لفترة معينة مما يطلق عليه “قصة الحقبة” , هي قصة لا تحاول إطلاعنا علي حقبة إنسانية تصدق في كل عصر بل تكتفي بتصوير حجم مجتمع ما في مرحلة انتقال .

وبحكم هذه الصلة الوشيجة التي تجمع الشخصيات بالمكان كان من الطبيعي أن تظهر تأملات تحاول أن تبحث في جوهر هذا الموضوع , وقد برز هناك اتجاه يقوى بالتطابق بين الشخصية والفضاء الذي تشغله ويجعله في المكان تعبيرات مجازية عن الشخصية : “إن بيت الإنسان امتداد له , فإذا وصفت البيت فقد وصفت الإنسان , وقد أكد هذا الاتجاه علي العلاقة الجذورية التي تربط المكان بالشخصية وجعل هذا المكون الروائي “المكان” يبدو كما لو كان ديوانا حقيقياً للأفكار والمشاعر والحدوث حيث تنشأ بين الإنسان والمكان علاقة متبادلة يؤثر كل طرف فيها علي الآخر , وهكذا يقدم لنا بعض الكتاب كعنصر مشارك في السرد ويتعاملون معه كما يتعاملون مع الشخصيات .

المصادر:

  • محمود أمين العالم , ألوان من القصة المصرية
  • سيد حامد النساج , بانوراما الرواية العربية الحديثة .
  • علي عبد الخالق , الفن القصصي .
  • علي عبد الخالق , في الأدب ومذاهبه المعاصرة
  • حسين بحراوي , بنية الشكل الروائي .

فيديو عناصر القصة الأدبية:

أضف تعليقك هنا

د. الامير صحصاح

د. الأمير صحصاح