ما قبل الانتحار

أطل برأسه عبر النافذة ليطمئن على الروتين وبنفس المشهد يعود محتاراً إلى منتصف الغرفة، آفة الاكتئاب أنك تصارعه وحدك وأما الآفة الأكبر فهي أنت، لأنك لاتريد ولاتستطيع مشاركة الأمر مع أحد.

تمضي عليه الأيامُ ولايحرك ساكنا إلا ماوجب والليالي أخف على قلبه من نهارها، خصوصا تلك الماطرة حيث لايرافقه في الطريق إلا معطفه الطويل وجمود المشاعر. في قلبه أمرما يريد الانطلاق والانفجار والتوسع لكن آلاف الأشياء تمنعه من التحرك ولها دائما يرضخ. تأتيه نبضاتٌ إيجابية ولكن تكرار السواد جعله لايراها من الزاوية المطلوبة الاعتيادية..

طال صراعه واختفى من أعينهم رغم أنه لازال بينهم ينام ويأكل ويتحرك دون أن يلاحظه أحد، توغل في بحر عزلته وظلامه الاجتماعي حتى بات يرسم طريق الهروب في نهاره، ويحدث نفسه مراجعا خططه في الليالي الممطرة، حتى وإن بلل المطر ورقة التخطيط فوجودها في ذهنهِ البالي يعد أمرا كافيا.. وبعد طول انتظار وحيرة وأخذ ورد بينه وبين انفصاماته وغرائب لحظاته التي ساء تنوعها قرر نوع الرحيل.

قرار الانتحار

كان قراره الانتحار ورغم طول سنين اكتئآبه أصبح شجاعا الآن وللمرة الأولى متأكدا من جسارته على حل الجنباء الذي يحتاج إلى شجاعة!! أعطى نفسه مهلة من الزمن وأسماها “ماقبل الانتحار”. تحرر قليلا في مهلته هذه وفعل أشياءَ لم يفعلها منذ زمن وتجرأ على كثيرٍ من المحظورات الداخلية حتى ظن أنه شفي وأن هوس الانتحار زائلٌ لامحالة، لكن خوفه من عودة الأهوال أقوى من بصيص نورٍ مظلم.

أما سبب تغيره الطفيف في أيامه الأخيره هو إحساسه بأن لاشيء لديه ليخسره ويخاف من أجله فقد عرف مصيره وأدبر عن الدنيا قبل أن يدبر. كان محباً صافيا شغوفا قبل اكتئابه ومسالما منعزلا أثناء ذلك. لن يفتده إلا البعض ولكن الأزقة لاتنسى وسكون الليل يفتقد الطاهرين. لم يكن له قلب لرسالة أخيره فقد اختلط حزنه بالغرابة وخوفه بالاستسلام لكنه كتبها على عجل “لاتكتئبوا فإنها قاسيةٌ سوداء، عالجوا الأمر مبكرا أو افعلوا أي شيء”..

وداعا ياصديقي المحب العابر

فيديو ما قبل الانتحار

أضف تعليقك هنا