ألدَّ أعداء الأمة والإصلاح الحقيقي (1\2)

نبغ في فرنسا في أواخر هذا القرن ـ التاسع عشر ـ فيلسوف عظيم تفرَّد بأبحاثه في الفلسفة والأدب والسياسة وعلم الاجتماع تفردًا حمل الامبراطور غليوم على أن يقرع يوما بيده ظهر هذا الفيلسوف في حياته تحبباَ ويقول له : ” إنك يا مسيو جول سيمون أبو المسألة الاجتماعية “.

الإصلاح الحقيقي

وفي كتابه ” الإصلاح الحقيقي ” لتشخيص وضع فرنسا في حينها يقول : سقف البيت لا يبنى قبل أساسه والنهاية لا تدرك في البداية والأمة التي تطلب صلاح حالها في الاستعمارر أو تنقيح دستورها واطلاق العنان لجرائدها وجمعياتها وإنشاء الحرية السياسية في طبقاتها العليا والسفلى أمة تبنى السقف قبل وضع الأساس . فإن هذه الفضائل السياسية هي من أجزاء صلاح الحال وليست صلاح الحال كله . بل ربما كانت من أجزاء فساد الحال إذا صرفت في غير وجهها الحقيقي.

ضع لأمة من الأمم دستوراً حراً جديداً وأطلق حرية اقلامها ومنابرها وقيد ولاتها وحكامها بمجالس إدارية يكون أعضاؤها رقباءً عليهم وامنح هذه الأمة ما شئت وما شاءت من الحريةة الشخصية والعمومية والسياسية فماذا ينشأُ عن صنعك هذا ؟ ينشأُ عنه واحد من اثنين : صلاح هذه الأمة أو فسادها ؛ صلاحها إذا كان أفرادها عارفين بما لهم وما عليهم يصرفون هذه الحرية الشريفة التي منحوها في وجهها الدستوري لا يميلون مع هوى النفس ويضعون المصلحة العمومية فوق كل مصلحة ذاتية . وفسادها إذا كانوا على عكس ذلك أي أنهم يتخذون حرية الأقلام سبيلاً إلى ثلم الأعراض وابتزاز الأموال والطعن على الحكام . وحرية الجمعيات وسيلة إلى التفاضل والتصدُّر والمجالس الإدارية ذريعة لمقاسمة الحكام ما يمتصونه من دماء الرعية .

فالفضائل التي مرَّ ذكرها ليست خيراً بالإطلاق بل بالإضافة لأنها تكون خيراً مع الأخلاق الفاضلة والسجايا الشريفة وشراً مع الأخلاق الفاسدة والسجايا الدنيئة فصلاح الأخلاق إذاً هوو الأساس الذي يجب أن يبنى عليه كل إصلاح و كل فضيلة سياسية .

والأخلاق أغراس لينة منبت أسلتها حديقتان جميلتان فيهما السعادة والهناء إذا كان على هذه الأرض هناءٌ وسعادة وهاتان الحديقتان هما : العائلة والمدرسة ونريد بهما التربيةة العائلية والتربية المدرسية فإنهما الوسيلة إلى غرس الأخلاق الفاضلة في عقول أفراد الأمة و ابلاغهم الدرجة الأدبية التي يستحقون عندها نعمة الحرية السياسية .

فيجب إذاً على الذين يبحثون في اصلاح الأمم أن يبدأوا بالبحث في اصلاح أخلاقها اصلاحاً أدبياً اجتماعياً قبل الاصلاح السياسي وإلا كانوا كمن يطلب بناء السقف قبل وضع الأساسس .

اصلاح شأن المرأة

ومعلوم أن أوان التربية العائلية قبل التربية المدرسية فالأولى إذاً أساس للثانية والتربية العائلية من شؤون المرأة ووظيفتها لأنها الأم . والأم هي المربية الطبيعية فالمرأة إذاً هيي التي تضع بيدها اللطيفة النحيفة في روح الأمة ذلك الأساس الوطيد الذي يجب أن تبنى عليه الفضائل السياسية .

ففي اصلاح شأن المرأة إذا اصلاح الهيئة الاجتماعية كلها .

وتحت عنوان ” الشرق والغرب ” الداء الخارجي جاء في مجلة الجامعة العثمانية الصادرة في 15 مارس ( آذار) 1899 الموافق 3 ذو القعدة سنة 1316هـ :

يؤخذ مما سبق أن ألدَّ أعداء الاصلاح في الأمة هو الأخلاق الفاسدة التي ينشئها فيها الجهل الوخيم وإن دواء هذا الداء لا يكون إلا بالتربية والتعليم ونسمي هذا الداء الداء الداخليي لأنه ينشأ في باطن الأمة ويولد فيها جارثيم الفساد التي تأكل لحمها وتشرب دمها و تكون أصل جميع بلاياها ورزاياها . على أن هنالك غير هذا الداء الداخلي داء خارجياً يكاد يكون أشد خطراً وأكثر تأثيراً .

إقرأ أيضا:

ألدَّ أعداء الأمة والإصلاح الحقيقي (2/2) 

فيديو ألدَّ أعداء الأمة والإصلاح الحقيقي (1\2)

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان