تفجيرات أسبوع الآلام في مصر لماذا لا يجب أن نتفاجئ إلى هذا الحد؟

أحاول معكم قراءة مشهد التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي حدثت في محافظتين من محافظات مصر، والتي لم يمض على وقوع الأولى ساعاتٍ قليلة حتى حدث التفجير الثاني، وهي عمليات تتشابه من حيث اختيار عامل الوقت أثناء احتفالات الأقباط بمناسباتهم الدينية وإقامة شعائرهم داخل الكنائس، ومن حيث طريقة التنفيذ المتقاربة، وهي تشابهات تلقي بعلامات الاستفهام الكثيفة عن جهاز الأمن المصري في ممارساته ومنهجيته لمواجهة الإرهاب في مصر.

أمّا من حيث محاولة تفسير هذه الأحداث الإرهابية ومدى ارتباطها بالتنظيمات الإرهابية المتطرفة فهي محاولة تجرّنا إلى تجميع خيوط العديد من الأحداث المحلية والإقليمية التي ربما قد تساعدنا في قراءة العمليات الإرهابية في إطار مختلف نحتاج إليه لبلورة رؤية حقيقية عن تلك الكيفية التي يتوجب علينا اتخاذها لمواجهة الإرهاب والتطرف في المنطقة العربية عامة ومصر على وجه الخصوص.

أسبوع الآلام:

لم نصل بعد إلى منتصف العام الحالي وقد شهدنا العديد من الأحداث الإرهابية المأساوية؛ كان أولها تفجير الكنيسة البطرسية في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، ثم انفجارين في محافظتين مختلفتين؛ انفجار كنيسة مارجرجس بطنطا، وانفجار الكنيسة المرقسية بالأسكندرية، وبعيداً عن الصيغ التعبيرية الاستهلاكية للتنديد والشجب والإدانة، فهناك عدة ملاحظات باتت من المهم الالتفات إليها ومناقشتها بجدية، فالمدقق في تفجيرات الكنائس اليوم سيكتشف العديد من نقاط التشابة اللافتة، فأولاً من ناحية التشابه الزماني نجد التفجيرات الثلاثة قد استهدفت المناسبات الدينية والتي يتواجد الأقباط فيها بعدد كبير لإقامة الشعائر داخل الكنائس، وهو ما يوفّر توافر حشود بشرية ضخمة لتحقيق أكبر كمّ من الخسائر البشرية.

ثانياً من حيث التشابه في الشكل فقد تم تنفيذ التفجيرات عن طريق عناصر انتحارية تسللت إلى داخل الكنائس وذلك بهدف زيادة عدد الخسائر في الأرواح، ثالثاً من حيث التشابه في مغزى عمليات التفجير التي نفّذت واحدة منها في قلب العاصمة، والثانية في محافظة تقع في وسط الدلتا، والثالثة بمحافظة ساحلية ذات أهمية بين محافظات مصر(لتعيد إلى الأذهان تلك العملية الإرهابية التي تمت في كنسية القدسيين بنهاية عام 2010)، وهو ما يبعث برسالة مفادها إظهار الأمن المصري بمستوى الضعف والتقصير الشديد ليس فقط في حماية الكنائس أو أي منشأة حيوية أخرى، بل وانخفاض قدرته على جمع المعلومات بدأبٍ والتعلم من الخبرات السابقة للحيلولة دون وقوع تفجيرات مشابهة، خاصة أن وقوع تفجيرين متتاليين في محافظتين مختلفتين تدعم بقوة هذه الفرضية ولا تبتعد كثيراً عن حقيقة الأمر، فهناك علامات استفهام وتعجب كثيرة يلقيها البعض على وضعية جهاز الشرطة وقدرته على التصدي بشكلٍ فعّال وناجز للإرهاب في مصر.

وفي ظل هذه التشابهات، وفي ظل العديد من الأحداث الأخرى على الصعيد الدولي، فثمّة بعض نقاط التلامس بين تلك الخيوط المتشابكة والمتباعدة والتي قد تساعدنا في تفسير هذه الأحداث بعيداً عن الإسقاطات التحليلية الجاهزة والمستهلكة في وسائل الإعلام والبيانات الأمنية الرسمية.

وفي ظني لا يمكن عزل هذه العمليات الإرهابية عن تلك الأحداث التي سنرصدها على النحو التالي:

أولاً: كسر أسطورة جبل الحلال:

لقد أحرزت القوات المسلحة المصرية تقدماً مذهلاً في كسر أسطورة جبل الحلال في سيناء، وقد ألحقت باختراقها وسيطرتها على هذه المنطقة الجغرافية الوعرة ولأول مرة منذ عقود خسائر فادحة ليس فقط للتنظيمات الإرهابية المتطرفة التي كانت تتخذ من الجبل مأوى لها، بل وكذلك لكل تنظيمات المافيا الدولية التي كانت تتخذ من هذا الجبل غرفة عمليات لأنشطتها الإجرامية من الاتجار بالبشر وتجارة المخدرات والسلاح وتنفيذ العمليات القذرة باستخدام عناصر المرتزقة أو القتلة المأجورين، وبالتالي تمثل عمليات التنظيف الشرسة التي قادتها القوات المسلحة بمعاونة عناصر من قوات الشرطة لجبل الحلال وتمكنها من السيطرة على هذه المنطقة الجغرافية شديدة الخطورة، بمثابة مواجهة مفتوحة وأشدّ شراسة مع جميع الأطراف التي تكبدت خسائر فادحة جراء هذه العملية.

ثانياً: زيارة الرئيس السيسي للولايات المتحدة الأمريكية:

تأتي تفجيرات محافظتي الغربية والأسكندرية عقب تلك الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي للولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة منذ تولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم، وقد كشفت هذه الزيارة عن التقارب المصري الأمريكي في العديد من الملفات خاصة ذلك الملف المتعلق بجماعة الإخوان الإرهابية ومكافحة الإرهاب، وملف التسليح العسكري، لكن قبل ذلك ثمّة ملاحظة تتعلق بذلك الاستقبال غير التقليدي وتلك الحفاوة التي استقبل بها الرئيس ترامب الرئيس السيسي، والتي قد تجاوزت بشكل واضح استقبال ترامب لوفد رفيع المستوى لإحدى الدول العربية التي حملّها ترامب مسئولية دعمها للتنظيمات المتطرفة في المنطقة العربية، متنصلاً بشكلٍ لافت لتلك العلاقة الاستراتيجية وثيقة الصلة بين المخابرات الأمريكية وهذه الدولة في دعم هذه التنظيمات بكل الوسائل اللوجستية والمادية، وبالتالي فقد قطع هذا التقارب المحاولات التي كان يأمل فيها بل ويسعى جاهداً تنظيم الإخوان الإرهابي لإجراء مصالحة سياسية مع النظام المصري، رغبة منه في الاحتفاظ بموطأ قدمٍ في الحياة السياسية والاجتماعية في مصر ولو بمجرد الاكتفاء فقط بالنشاط الدعوي وتعليق كافة الأنشطة السياسية كخطوة تكتيكية بعيدة المدى لإعادة بناء هذا التنظيم مثلما قد حدث في مرات سابقة خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأنور السادات، والرئيس الأسبق حسني مبارك.

ثالثاً: النشاط النسبي لقطاع السياحة في مصر:

أتت هذه التفجيرات بعد ثلاثة أشهرٍ تقريباً من بداية العام الحالي والتي قد شهد قطاع السياحة بداية نشاط نسبي ملحوظٍ للعديد من الرحلات السياحية الوافدة إلى مصر من دول أجنبية مختلفة، ومن ثمّ فهو أمر مزعج ومقلق للعديد من الأطراف الخارجية التي تعمل جاهدة على عدم تعافي قطاع السياحة في مصر، خاصة وأن تعافي ونشاط هذا القطاع قد يساهم في زيادة تدفق العملات الأجنبية وبالتالي انخفاض الطلب السوقي وارتفاع قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية.

رابعاً: تغير الطبيعة البنيوية للتنظمات المتطرفة:

نعرف جميعاً أننا لم نعد نواجه مجرد تنظيمات دينية متطرفة بسبب الصراع على السلطة فحسب، بل أصبحنا نواجه تنظيمات دينية متطرفة متعددة الجنسيات ومتمددة بأذرعها داخل العديد من الدول الغربية التي ساهمت في صناعتها والتي لم تعد هي نفسها بمأمن عن شرّها مثلما حدث في العديد من الدول الأوروبية خلال الأشهر القليلة الماضية، وبالتالي فإننا ومنذ الربيع العربي، لم تعد إشكاليتنا في مواجهة أشكال التنظيمات المتطرفة القديمة محلية الصنع، بل أصبحنا في مرمى استهدافٍ مباشرٍ – مثلما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن- لتنظيمات متعددة الجنسيات، والتي تؤدي خدمات جليلة لصنّاعها الحقيقيين من الشركات الرأسمالية العالمية التي تتحكم وتؤثر في سياسات العديد من دول العالم، وليس هذا فحسب بل وتقوم بصناعة هذه السياسات وتوجيهها لما يخدم مصالحها ويزيد من فرص حصولها على المواد الخام والأيدي العاملة رخيصة التكلفة والأسواق المفتوحة على مصراعيها، إضافة إلى ارتباط هذه التنظيمات بمصالح الشركات الرأسمالية ارتباطها كذلك بمصالح الكيان الصهيوني في المنطقة العربية.

ولذا فإنه يجب إعادة النظر في تاريخ التيارات الدينية المتطرفة في العالم وتكويناتها الأولية وفضح ارتباطاتها ببعض أجهزة المخابرات الغربية والعربية، وعدم الاكتفاء بتلك العبارات التي أدت إلى شيطنة المجتمعات المسلمة في نظر المجتمعات الغربية، فقد وقعنا في شرك خديعة حادثة انهيار برج التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية وظللنا لسنوات نردد شعارات وعبارات للدفاع عن الدين الإسلامي من إلصاق تهمة الإرهاب به، ولم نلتفت إلى أن هناك العديد من منظّري التطرف في العالم ينتمون إلى ديانات أخرى ويلقون حفاوة وترحيباً في العديد المجتمعات الغربية ودعماً من بعض النظم السياسية هناك، وهؤلاء لا يقلون تطرفاً بكافة الأشكال عن تلك التنظيمات المتطرفة الإسلامية، ولن نبالغ في القول بأن نزعة التطرف وأدوات تحفيزه وأساليب استقطاب مؤيديه ومبررات جرائمه اللاإنسانية يصنعها كهنة معابد كل الأديان في العالم، وهو ما يجب أن يدفعنا إلى ضرورة مواجهة منتجات هؤلاء الكهنة الفكرية والتي تتخذ من مبادئ الأديان السماوية غطاءاً لتمرير أغراضها غير البريئة وغير الإنسانية تجاه من يهدد مصالحهم وهوسهم المرضي في السيطرة على عقول الشعوب والمجتمعات ليس اليوم فحسب بل ومنذ قرون مضت.

خامساً: محاولة إغراق مصر في النزاعات الإقليمية:

لا يخفى علينا أن هناك محاولات دؤوبة لإغراق مصر في تلك الحرب الطائفية الوهمية التي تقودها بعض الأنظمة العربية السُنيّة في مواجهة المدّ الشيعي في منطقة الخليج العربي تحديداً، وبرغم مشاركة القوات المصرية في تحالف عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية والتي لم تحقق أهدافها بشكلٍ كاملٍ، إلا أنه يبدو أن هذه المشاركة ليست مرضية بالنسبة لبعض الأنظمة العربية، بل أن موقف مصر تجاه الملف السوري غير مرضٍ هو الآخر بالنسبة لهذه الأنظمة، وبالتالي فهناك محاولات مستمرة للضغط على القيادة المصرية بكل الوسائل حتى يصبح ولاء الموقف المصري مرهوناً بمصالح هذه الأنظمة وتوجيهه بالكيفية التي يرغبون فيها لطالما أن هذه الأنظمة قد قدمت مساعدات لمصر خلال السنوات القليلة الماضية تجاوزت مليارات الدولارات لتخطي الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق مبارك.

إننا لن نستطيع مواجهة التنظيمات الإرهابية المتطرفة دون فك ارتباطها بالتراث الديني المصنوع خصيصاً لإحكام قبضة كهنة المعبد على الشعوب، ودون مراجعة حقيقية وناجزة لهذا التراث الذي تستخدمه كافية التنظيمات الإرهابية قناعاً لممارساتها الدموية، وهو الأمر الذي يتوجب في إطاره العمل على تجديد كافة الخطابات الدينية فعلياً وبشكلٍ سريعٍ، وقيام المؤسسات الدينية بفك ارتباطاتها العقائدية الدينية والمذهبية بهذه التنظيمات، بما فيها تلك التنظيمات التي لم تتورط بشكلٍ مباشر في عمليات عنف وإرهاق دماء الأبرياء، حيث أنها بتمسكها بمرجعيةٍ أصوليةٍ غير خافية تساهم في رعاية بذور التطرف ونموها في عقول الأجيال الناشئة.

كذلك لن تنجح مواجهة التنظيمات الإرهابية المتطرفة دون خطاب تنويري إنساني يستلهم مبادئه وقيمه الكلية من جوهر الأديان السماوية الحقيقية التي تنادي بالمحبة والسلام وحفظ دماء الأبرياء واحترام الآخر المختلف دينياً، خاصة في ظل الزخم المعلوماتي الرهيب للشبكة المعلوماتية وسهولة تداولها بين المواطنين، وفي ظل سرعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيراتها الملحوظة على العقل الجمعي في المجتمعات المختلفة.

وأخيراً فإنه القضاء على جذور هذه التنظيمات سيظل كذلك رهناً بفضح علاقتها بالشركات الرأسمالية متعددة الجنسيات وارتباطها وثيق الصلة بالاستعمار الذي لم يتوقف يوماً عن محاولة تدمير المنطقة العربية وخاصة أن ما يحدث الأن في العديد من هذه الدول يؤكد ذلك بوضوح.

فيديو تفجيرات أسبوع الآلام في مصر لماذا لا يجب أن نتفاجئ إلى هذا الحد؟

أضف تعليقك هنا

رمضان عيسى الليموني

رمضان عيسى الليموني