توزيع تركة الرجل المريض عام 1919 و الميلاد الجديد 2017 ؟!

تشهد تركيا تحولات كبرى في هذه المرحلة الحساسة والهامة لذا أردت أن أستشهد بمقالة كتبها الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ في مجلة المنار المجلد 35 الصادرة عام 1959هـ / 1939م تحت عنوان : ” مختارات من الجرائد الغربية في حل المسألة الشرقية ” استشهد بما كتب قبل عشرين عاماً وبالتحديد في رجب 1339هـ :
جاء في جريدة الباقري ( الوطن ) في 17 مايو سنة 1919 : نهاية الدولة التركية – عدم عقد شروط صلح معها – تقسيم الولايات العثمانية .

تقسم الدولة

قالت النيويورك هرالد في عددها الصادر هذا الصباح : إن من المرجح عدم عقد شروط صلح مع تركيا – وإن كان ذلك غير مطابق للقواعد المرعية – لأن المؤتمر يفكر بكل اهتمام في هذا الأمر ، مرتكنًا على أن تركيا لم يعد لها حكومة دولة حقيقة ، وأنه لم يبق للعالم المدني إلا الانتفاع بتركيا الدولة العثمانية . ستنال اليونان أكبر جزء من تركية أوروبا ، وأما الآستانة مع مضايق البحر فتتبع لعصبة الأمم تحت وصاية أمريكا ، التي تعطى في هذا الإبان نفسه الوكالة على أرمينية إلى أن تصير هذه البلاد صالحة لأن تحكم نفسها بنفسها . ثم إن اليونان سيصيبها جزء ليس بقليل من آسيا الصغرى ، وأما باقي ولايات هذه الجهة فتكون تحت وكالة فرنسا وإيطاليا بالنيابة عن عصبة الأمم في الأستانة .

 

كان لدى الدول فرصة وحيدة لوضع تركيا تحت سيطرة دولية ، ثم رؤي اتباع طريقة أخرى وهي تقسم البلاد وتجنيسها بجنسية الحكومات التي لها عليها حق الوكالة أو الوصاية لا حق التملك الحقيقي . إننا بتضحية تركيا وبتشريح هذه المملكة أوجدنا أوجهًا للنزاع وللشقاق بين دول أوربا في المستقبل ؛ إذ أن الرجل المريض سينقل عدوى مرضه إلى أوروبا ، ولأجل تعميم العدوى دخلت أيضًا أمريكا في المسرح ، ولنا أن نتساءل ما شأن أمريكا في تركيا ؟ ولماذا لم تكلَّف الدول صاحبة الشأن حماية مضايق البحر ؟ هل تدخلنا في مراقبة ترعة بنما ؟

 

إن الحل الوحيد هو عدم تخصيص الآستانة لدولة معينة من الدول ، وإذا كان لا بد من وضع مراقبة على تركيا فليس ثمت أحسن طريقة من جعل هذه المراقبة دولية مشتركة ، وكل طريقة أخرى تكون مخالفة للعدالة وللروح العصري والصوالح الأوربية في الشرق .

وجاء في جريدة الفيغارو في 18 مايو سنة 1919 : الإرث العثماني

بعد انكسار ألمانيا العسكري وانهزام دولتي تركيا والنمسا والمجر أصبحت هاتان الدولتان الأخيرتان مزعزعتي الأركان ، وتولد عن ذلك مسألة من أصعب المسائل وأعقدها ، ألا وهي تسوية الإرث العثماني .
إن سقوط الدولتين المذكورتين أنقذ الشعوب التي ليس لها رغبة ، ولم يعد لها
صبر على احتمال نير الحكم الاستبدادي الذي رزحت تحته أجيالاً طويلة . فالذين تؤول إليهم تركة تركيا هم أولاً اليونان ، الذين بعد أن تخلصوا من ذلك الملك الخائن انضموا إلى قضية الحلفاء ، ثم الأرمن ، الذين بسبب السياسة الخرقاء الموعز بها من عمال الألمان قاسوا أشد أنواع العذاب وأوشكوا أن ينقرضوا ، ويليهم السوريون إلخ . وإنجلترا تأخذ بلاد العراق ، وفرنسا تأخذ سوريا ، أما العرب فقد قرر الحلفاء منحهم الاستقلال .

وراثة الخلافة

إن انحلال تركيا أوجد مسألة أيلولة الخلافة ، كما أنه وضع حدًّا لنهاية نفوذ فرنسا في الشرق – لقد كان عدة قرون أكبر نفوذ بسياستنا الودية مع تركيا ، وقد حلت ألمانيا محلنا عندما أهملنا المحافظة على هذا النفوذ ، وكان في إمكاننا استرجاع مكانتنا الأولى على إثر صولة النصر ، إلا أننا لم نغتنم هذه الفرصة بل قبلنا تسوية مجحفة بمصالحنا – فما يكون نصيب فرنسا بالنسبة إلى البلاد المتسعة التي وضعت تحت وصاية إنجلترا وأمريكا ؟ إن ما خصص لنا إنما هي سوريا بعد
استثناء تليسيا و فلسطين منها ، وحرمانها من البوغازين المهمين ، أعني بهما ثغري إسكندرونة وحيفا .

وجاء في جريدة لافنير ( المستقبل ) في 18 مايو سنة 1919 : تعديل الخريطة
إعادة نظام النمسا وانحلال تركيا
عزم المؤتمر فحص المسألة التركية ، وقد بدأ هذا الفحص بإرسال مدرعات وجيوش دولية لاحتلال أزمير التي تقرر ضمها إلى اليونان ، وتم ذلك فعلاً . تقرر أيضًا ضم سوريا إلى فرنسا – ولكن لم ينفذ هذا القرار – وجعْل العراق وفلسطين تابعتين لإنجلترا ، وقد تم ذلك ، ثم ينتظر إلحاق أضاليا وقونية بإيطاليا ، والأستانة وأرمينية بأمريكا . أما التركي فإنه بحسب تخويل الشعوب حق تقرير مصيرها قد صار إزالته من الخريطة ، والمأمول أن هذه المخالفة لمشروع عصبة الأمم لا تتم ؛ لأنه ليس من حسن السياسة تحريك عواطف الوحدة الإسلامية في أنحاء العالم وإضرامها .

 

فاليونان القاطنون في تركية أوربا سينضمون إلى دولتهم التي ستتسع كثيرًا على إثر هذا الانضمام ، كما أن ولاية أزمير – حيث يكون العنصر اليوناني – ستنضم أيضا إلى دولة اليونان بناء على التوكيل المعطى لهذه الدولة ، وبحسب الشروط المعينة لذلك . وأما مشروع إنشاء أرمينية الكبرى مع ضم أطنة ومرسين إليها ليكون لها منفذ على البحر المتوسط ، فالمنظور أن أمريكا تكون الوصية على هذه البلاد كي تساعدها على ارتقائها ونموها ، كما أنها ستكون على الراجح هي الوصية على
الأستانة وعلى المضايق التابعة لها أيضًا ، فإذا قبل الرئيس ويلسون هذه الوكالة باسم الشعب الأمريكي لا يكون قبوله نافذًا ونهائيًّا إلا بعد موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي عليه .

 

وفرنسا تكون الوصية على سوريا بالنظر لعلاقتها القديمة بها ؛ لكن لا بد أن تكون هذه الوصاية شاملة للبلاد السورية بأكملها وليس على سوريا مقسمة . ولا ريب في أن المخابرات التي جرت في ذلك كان فيها بعض التراخي من قبل فرنسا ، لكن من الضروري أن تؤيد حقوقنا بكل حزم وعزم .

 

بلاد الأناضول ستعطى لإيطاليا مع ميناء أضاليا ، ثم إن فلسطين والعراق يكونان تحت مراقبة إنجلترا .
هذا هو التقسيم الذي تم الاتفاق عليه بادئ بدء ، وبقي في آسيا الصغرى جزء مأهول بسكان أتراك يحتوى على بروسة و أنقرة ، وقد طلب من فرنسا حماية هذا الجزء ؛ لأن بروسة – حيث يقيم السلطان – تكون عاصمة المملكة العثمانية الجديدة ، ونتمنى أن لا يتبع الحلفاء سياسة التجزئة في آسيا الصغرى ، والذي نراه هو أن تكون دولة تركيا المقبلة تحت إشراف مستشارين أوروباويين وبمعاونتهم .

 

هذا نموذج مما كان ينشر في جرائد الحلفاء منذ عامين 1339هـ بيانًا للرأي العام في بلادهم عقب الحرب التي كانوا فيها هم المنتصرين ، وكان أكثر الناس من جميع الأمم يظنون أن ما تقوله هذه الجرائد هو القول الفصل الذي لا مرد له ؛ لأنه صدى سياسة دولهم المنتصرة التي لها الدهر عبد والزمان غلام ، وقد وضعوا المعاهدات لجعل تلك الأماني حقوقًا ثابتة ؛ ولكن الزمان جاء بما لم يكن في حسبان أحد من الخطوب والمشكلات التي عجز جميع دعاة السياسة من حل عقدة واحدة من عقدها
الكثيرة ، وقد جف ريقهم من كثرة ما نفثوا فيها ، ودميت أظفارهم من تكرار محاولتهم لها ، فكان ذلك حجة بالغة على جهل المغرورين بالقوة والعظمة الباطلة ، الذين يرتكسون في اليأس عند سماع كل صيحة هائلة : { فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ } ( الحشر : 2 ) .

تعليق الشيخ محمد رشيد رضا عام 1359 :
لم يقف الأمر عند حد هذه المشكلات ، بل قامت الثورات في كل جهات العالمالإسلامي ؛ فقد ثارت مصر ، وثارت العراق ، وثارت سورية ، وثارت فلسطين ثوراتها المقدسة ، وثارت المغرب مرات متتابعة ، ولا زالت كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي تطلب الحرية والاستقلال بكل وسيلة ، وستنتصر في النهاية ، ولعل هذه الحرب الحالية ـ يقصد الحرب العالمية الثانية ـ هي المعول الذي يحطم من الشرق الإسلامي القيود والأغلال .

 فيديو توزيع تركة الرجل المريض عام 1919 و الميلاد الجديد 2017 ؟!

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان