رسالة من البحرين بداية القرن الـ(20) تكشف حقائق هامة عن الصفوية

نستكمل الرسالة التي نشرتها مجلة المنار في مجلدها الثالث عشر لكاتب من البحرين بداية القرن الـ (20) والتي تكشف حقائق هامة عن المذهب الشيعي ومنها سبب اجتماع علماء العجم في النجف وكربلاء فيقول الكاتب : كان محل ومأوى علماء الشيعة أواخر سلطة بني العباس الحِلَّة في العراق وفيها يتخرج مجتهدوهم ثم ينتشرون في بلاد العجم إما للدعوة أو لالتماس دولة تأويهم وتنصرهم ، لا لرفع التقييد عنهم فقط بل لحصد أهل السنة ، يدل على ذلك حين قدم هلاكو خان إلى قومسين قاصدًا بغداد وفد عليه يوسف الحلي والد ابن المطهر الشهير عندهم بالعلامة ، وكربلاء إذ ذاك قرية صغيرة والنجف لا يبلغ سكنته عدد الأصابع وإنما هو عبارة عن رباط يسكنه الزوار أو يلجأ إليه الدراويش والزهاد كما فعل الطوسي ، والغالب في بلاد إيران ذلك الوقت مذهب أهل السنة إلا مدينة قم وكاشان وبعض بلاد طبرستان فإنها كانت تسكنها الشيعة .
ظهرت دولة الصفوية في القرن التاسع وأبادت السنيين من إيران إلا بقايا منهم بعيدين عن مقر السلطنة مثل كوهستان جيلان المسماة بطالش وفيها من السنيين حالا زهاء 15ألف نسمة ، وبرفارس وبنادره مثل لنجة و بندرعباس فيها من السنيين 50 ألف نسمة وأيالة كردستان الإيرانية أجمع ومقر حكومتها ( سنندج ) وأهلها كلهم سنيون وكذلك بلوجستان أهلها كلهم سُنيَّون ، وبادية ججان من التركمان كلهم سنيون ، فكان علماء الشيعة من سائر الأقطار ينتقلون إلى مقر السلطنة أصفهان وفيها يتخرج مجتهدوهم كما فعل بهاء الدين العاملي والكركي وأضرابهم ، وقد تلقاهم الصفوية بالاحتفاء والترحيب فشيدوا لهم المدارس العظيمة والمساجد الفخمة وآثارهم باقية إلى الآن مع أن أكثرها قد خربه ظل السلطان نجل ناصر الدين شاه حين كان واليًا على أصفهان ، حدثني بعض علمائهم أنه كان يوجد في أصفهان في ذلك العصر أربعمائة مدرسة .
لعل القارئ إذا رأى قولي مقر السلطنة أصفهان يظن أني جاهل بتاريخ الصفوية لِما يعلم من أن أوائل دولة الصفوية كان مقر سلطنتهم قزوين فإنهم حين إقامتهم في قزوين كانوا لا هَمَّ لهم إلا الفتح أو بناء التكايا ليتخرج فيها الدروايش ويبقونهم في البلاد لمدح علي وأولاده ، وسب … ضعفت الدولة الصفوية فاستولى عليها العلماء بحيث لم يكن يقدر أحدهم أن يتصرف في شيء بدون إجازة العلماء فَقلَّ وثوق عامة الإيرانيين بعلمائهم لما عهدوا من العلماء الأُول من التقشف والزهد ورأوا من هؤلاء الترف والبذخ واستدرار الدراهم والدنانير بأي وجه كان ، فمن ذلك الحين شرع طلابهم بالمهاجرة إلى كربلاء لا للتحصيل ، ثم الرجوع كما يفعل علماؤهم حالا بل لتحصيل الدرس والمجاورة هناك ومن رؤسائهم الأردبيلي . قدم الأفغان وفعلوا ما فعلوا ، ثم ظهر نادر شاه ونفى العلماء والطلاب وتصرف في الأوقاف أجمع فهاجروا إلى كربلاء فصار تجمع كبير له شهرة عند أهل إيران في ذلك الوقت ورئيسهم الآغا البهبهاني الشهير في أوائل سلطة القاجار ثم انتقل إلى النجف ثم إلى ( سر من رأى ) ( سامرًا ) في أوائل هذا القرن ثم عاد إلى النجف فكان هؤلاء يكتبون لهم الرسائل التقليدية ويبعثون تلاميذهم بها إلى إيران لرواجها والشيعة يبعثون إلى علمائهم ومقلدتهم الدراهم بقصد الخمس والزكاة وشيء يسمونه رد المظالم ؟ وما هو ردُّ إذا ذهب حاكم مثلاً إلى ولاية ومص دم أهلها ثم عزل وأراد أن يذهب لزيارة أحد أئمتهم أو إلى مكة أعطى للمجتهد جزءًا من ألف جزء وطهر له ماله ، وقد شاهدت علاء الدولة في كرمان شاه بقومسين أهدى لابن الحاج ميرازا حسين خليل ما يبلغ ألف ريال مجيدي فأحل له ما يملك وهو يملك أربعة ملايين من الفرنكات وأمثال ذلك كثير فإذا وصلت هذه الدنانير إلى المجتهد فلابد من تفريق بعضها على طلبته والمتخرجين عليه حتى إذا ذهبوا إلى إيران روجوا رسالته .

لماذا قلَّد أهل إيران علماء العراق ؟!

قد قلت إن عامة أهل إيران قلَّ وثوقهم بعلماء إيران أجمع فانحصر تقليدهم في علماء العراق وكانت الرسائل تخرج إليهم منه فكان علماء العجم بعد تحصيلهم العلوم العقلية يذهبون إليه أفواجًا إما للمجاورة أو لطلب الرزق أو للإقامة مدة ثم الرجوع إلى إيران بالإجازة ـ كأنه انغرس في أذهان دهماء إيران أنه لا يمكن الاجتهاد إلا بعد شرب ماء الفرات وهو يتعهد بترويج رسالة الشيخ وإيصال الحقوق إليه ، والشيخ يتعهد بالكتابة إلى الشاه والحكام في التوصية به ، وهؤلاء الذين تخرجوا في العراق واختاروا الرجوع إلى إيران لا هم لهم إلا معارضة الدولة وأخذ الرشى من الحكام والولاة أوتكفيرهم وشكواهم على مجتهدي العراق ، ولما لم يكن للناس اعتقادهم فيهم لما يرونه من أفعالهم فهم لا يبالون بجمع الدنيا من أي وجه أتت ، وهذا الشيخ تقي الأصفهاني هو وأخوته وأنجاله تبلغ غلتهم في كل يوم عشرة آلاف فرنك أو ما يقرب منه ، وطغام أهل إيران إذا ذهبوا إلى العراق لزيارة مشهدي علي والحسين وأولادهم ، ورأوا من علماء هذه البلاد الانزواء وعدم التردد إلا لصلاة الجماعة والزيارة والدرس وإذا خرجوا من بيوتهم متلثمين جاعلا واحدهم عباءته على رأسه وسبحته في يده وقد شاهدوا من علماء إيران ركوب العربات واتخاذ الحدائق والجنات وكثرة التزوج حتى إن أحدهم ليبلغ زواجه حد المئة من النساء ازدادوا محبة لهم ورغبوا في حمل الدراهم إليهم وحسبوا أفعالهم من الزهد والتدين ، ولم يعلموا المساكين أن هؤلاء مثل أولئك إلا أن عادات وأخلاق أهل البلاد تختلف ولو انتقل علماء العراق إلى إيران لفعلوا كما شاهدنا .

كيف انتشرت المذهب الشيعي الصفوي في العراق ؟

 

يعلق رئيس تحرير مجلة المنار على الرسالة: قد شاهدت علماء العراق يبعثون خدام قبر علي وأولاده إلى خان قين لاستقبال الزوار من العجم والترك والالقاء إليهم بأن فلانا هو الأعلم الأتقى ، وبالجملة فظن الكاتب ـ حفظه الله أ لم يخالط الشيعة في العراق ولم يعاشرهم فظن أن هذا المجمع العلمي يُرسل منه رسلا للدعوة ، أو رأى أن أكثر قرى العراق شيعة فظن أنه من فضل علمائهم وأنهم يرسلون الدعاة حالا ولو قال من سنين خلت لأمكن تسليمه مع أن التأريخ يأبى ذلك فإنه قبل إرغام الرعية عبد الحميد على المساواة لم يتمكن الشيعة من بناء المساجد والنداء فيها بولاية علي ، يعلم ذلك كل عراقي دع إرسال دعاة منهم إلى البادية ، وأظن أن الفضل في ذلك عائد إلى الصفوية ومن في زمنهم من العلماء كالاردبيلي ، وهجمات دولة الصفوية على العراق وقتلهم علماء أهل السنة وإلزام العامة بالتشيع أو القتل معروف مشهور ، لذلك فإنك لا تجد من أهل بادية العراق أعني بادية غربي الفرات من فيه رائحة التشيع اللهم إلا قليلا من العرب لا يبلغ عدد فرسانهم المئتين يدعون بالخراعل وأناسا من الشطين يدعون بشمر الجرباء ، وأريد بقولي بادية أهل العراق أهل الخف والحافر الذين لهم قدرة على النجعة ولهذا سلموا من ضغط الصفوية وإلزامهم لهم بالتشيع . تأتي منحدرًا من الشام على ضفاف الفرات قاصدًا العراق فترى عرب عنزة كالجراد المنتشر إلى أواسط العراق ثم ترى شمَّر على أفخاذهم عبده فسنجاره حتى تنتهي إلى نصف الفرات الآخر فترى عرب المنتفك وعرب الظفر إلى قرب البصرة ، ثم تنحدر فترى مطير الدوشان فعريب دار ، ثم تنحدر من الكويت فتري العجمان المناصير آلا مرة بني هاجر وعربًا لاحصيهم إلا خالقهم ، فهذه القبائل من العرب الذين عددتهم معاملتهم مع أهل النجف وكربلاء فزبالاء سوق الشيخ والسماوة الخميسية فبغداد منحدرًا إلى البصرة ثم الزبر والكويت فالحساء والقطيف وقطر وليس يوجد فيهم شيعي ولا قدرة له على إظهار مذهبه عندهم مع أن أكثر بيعهم وشرائهم مع الشيعة وأكثر أهل البلاد التي يقتاتون منها شيعة ولاسيما العراق .
وقد قلت الوعاظ ولم أقل الدعاة لأن هؤلاء لا يذهبون للدعوة وليسوا أهلاً لذلك لأنهم لا يعرفون معنى دينهم فضلا عن أن يدعو إليه ولم يذهبوا إلى بادية السنة أبدًا اللهم إلا للبيع والشراء كما ذكرت ، وعند ذكر الوعاظ لا بأس بالإشارة إلى شيء من ذكر عزاء الحسين عند الشيعة

فيديو رسالة من البحرين بداية القرن الـ(20) تكشف حقائق هامة عن الصفوية

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان