لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟

قال الشيخ حسن البنا ـ رحمه الله ـ في مجلة المنار ـ المجلد الخامس والثلاثين ـ : هذا سؤال طالما ردده المصلحون , وكثيرًا ما حاروا في الإجابة عنه وعظمت دهشتهم حين رأوا المسلمين ينحدرون إلى هوة الضعف والاستكانة مع كثرة عددهم وخصب أرضهم وتعدد وسائل النجاح عندهم . وقد أجاب على هذا السؤال الأمير شكيب أرسلان في كتابه ( لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم) إجابة شافية جامعة مانعة , وأبان بأنصع برهان وأقوى دليل أسباب نجاح المسلمين الأولين وفشل المسلمين الآخرين , وكشف عن سر تقدم الغربيين واليابانيين . والكتاب في بابه حجة دامغة ، وصفحة مجيدة ، وليس لمسلم غناء عنه ، فنشكر لعطوفة الأمير عمله العظيم ، ونحض جميع المسلمين على قراءة كتابه النافع .

من أمير البيان ؟

كاتب وأديب ومفكر عربي لبناني. لُقِّب بأمير البيان، لغزارة إنتاجه الفكري. كان كثير الترحال؛ حيث تنقل بين العديد من البلدان، والتقى بالعديد من أعلام وأدباء ومفكري عصره، وله الكثير من الإسهامات الفكرية والأدبية والسياسية التي جعلته أحد أفذاذ عصره. كما اعتُبِرَ واحدًا من كبار المفكرين ودعاة الوحدة الإسلامية.

 

ولد شكيب أرسلان عام ١٨٦٩م، بقرية الشويفات قرب بيروت، وتأثر بعدد كبير من أعلام عصره ممن تتلمذ على أيديهم أو اتصل بهم في مراحل متعددة من حياته، كأساتذته «الشيخ عبد الله البستاني» و«الدكتور كرنليوس» و«أحمد فارس الشدياق» الذي كان شديد الحماس والتأييد للخلافة الإسلامية والدولة العثمانية، كما تعرف إلى «أحمد شوقي» و«إسماعيل صبري» وغيرهم من أعلام الفكر والأدب والشعر في عصره. وقد أجاد أرسلان لغات عدة هي: العربية، والتركية، والفرنسية والألمانية.
أمضى شكيب أرسلان قسطًا كبيرًا من عمره في الرحلات، فقام برحلاته المشهورة من لوزان بسويسرا إلى نابولي في إيطاليا إلى بورسعيد في مصر، واجتاز قناة السويس والبحر الأحمر إلى جدة ثم مكة المكرمة. وكان يسجل في هذه الرحلة كل ما يراه ويقابله، وقد قضى أرسلان نحو ستين عامًا في القراءة والكتابة والخطابة. من أشهر مؤلفاته: «الحلل السندسية» و«لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم» و«الارتسامات اللطاف» و«تاريخ غزوات العرب».

 

كان أرسلان لا يثق بوعود الحلفاء للعرب، حيث حذَّر من استغلال الأجانب للشقاق الواقع بين العرب والأتراك، للقضاء على الدولة العثمانية أولًا، ثم تقسيم البلاد العربية بعد ذلك. وهو ما حدث بالفعل حينما تنكر الأتراك للخلافة الإسلامية عقب الانقلاب الأتاتوركي، واتجهوا إلى العلمانية، وقطعوا ما بينهم وبين العروبة والإسلام من صلات. حينها اتخذ أرسلان موقفًا آخر؛ حيث بدأ يدعو إلى الوحدة العربية، وكان من أشد الناس فرحًا حين أسست الجامعة العربية عام ١٩٤٥م. ولمَّا وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، عاد أرسلان إلى وطنه أواخر عام ١٩٤٦م، وما لبث أن توفي بعد حياة حافلة بالعناء والكفاح.

 

كان الأمير «شكيب أرسلان» أحد كتّاب مجلة «المنار» التي يديرها محمد رشيد رضا، وقد وصلته رسالة من الشيخ محمد بسيوني عمران من ملايو يطلب فيها إجابات عن أسئلة معينة، وهذه الأسئلة هي: «ما أسباب ما صار إليه المسلمون من الضعف والانحطاط في الأمور الدنيوية والدينية معا وصرنا أذلاء، لا حول لنا ولا قوة، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:«ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين» فأين عزة المؤمنين الآن؟ وهل يصح لمؤمن أن يدعي أنه عزيز وإن كان ذليلاً مهاناً ليس عنده شيء من أسباب العزة إلا لأن الله تعالى قال:«ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين».

 

كان السؤال الثاني:«ما الأسباب التي ارتقى بها الأوروبيون والأمريكيون واليابانيون ارتقاء هائلا؟ وهل يمكن أن يصير المسلمون أمثالهم في هذا الارتقاء إذا اتبعوهم في أسبابه مع المحافظة على دينهم «الإسلام» أم لا ؟» هذه الرسالة مؤرخة ب«21 ربيع الآخر سنة 1348ه»، وجاءت إجابة الأمير شكيب أرسلان، لتشكل كتابا بعنوان «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟» صدر في عام 1930 قدم له الشيخ رشيد رضا قائلاً: أرسلت إليه يقصد أرسلان كتاب الشيخ محمد بسيوني عقب وصوله إليّ، فأرجأ الجواب عنه لكثرة الشواغل، إلى أن عاد من رحلته الأخيرة إلى إسبانيا وقد أثرت في نفسه مشاهد حضارة قومنا العرب في الأندلس والمغرب الأقصى، وشاهد تأثير محاولة فرنسا تنصير شعب البربر في المغرب، تمهيداً لتنصير عرب إفريقيا المرزوئين باستعبادها لهم، كما فعلت إسبانيا في سلفهم في الأندلس، فكتب الجواب منفعلا بهذه المؤثرات، فكان آية من آيات بلاغته، وحجة من حجج حكمته، لعلها أنفع ما تفجر من ينبوع غيرته .

فيديو لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان