المستقبل – تأجيل ميلاد السعادة

بقلم: عبد القادر

دعوة إلى الاطمئنان

المستقبل و ميلاد السعادة

رأيتُ من أكثر النّاس اعتدالا و اطمئنانا في أمورهم أولئك الذين أُرغموا على القبول بأنّ مستقبلهم قد ذهب مع الرّيح أو أسقطوه بفلسفتهم وهؤلاء ندرة.

إنّهم لم يعودوا يهتمّون بالمستقبل الذي ينبغي و يُحتّم أن يكونوه و يخافون من بؤس الفقد و كآبة الانتكاس .. لقد انتهوا من الخوف الذي يسبق لحظة المعاينة.

و لقد جاوزوا لحظة الولادة و باشروا أوّل صفعة للحياة و جهرهم النّور و اعتادوه و أبردهم النفس الأوّل و ذاقوه .. لقد فارقوا الرّحم و انقطعت حبالهم و خُتنوا .. لقد سقطوا.

ولقد رأيتهم استحالوا أناسا يسعون على أيّ حال كانوا عليها إلى التّقبّل و الرّضا و استنتاج التّوازن و استيلاد المتعة و تناسي الحزن.

لقد تأمّلت أحوالهم التي سبرتُها بغير وعي منّي مدّة معايشتي لهم .. و أنا أعيد استعراضها و أسبر أغوارها .. بين أيديكم ..

خطاب الحياة

إنّي آخذ عليهم أمورا أخرى : إنّهم مع تخلّصهم من التّعلّق بالمستقبل المحدّد و الحلم المحتوم ودوّامة التّفكير بين النّجاح و الفشل لم يفهموا أمّهم الحياة.

هم لم يبصروا فيقدّروا محلّهم من ذلك البهو الفسيح الذي وضعتهم فيه الحياة و فطمتهم به أمّهم .. إنّهم صبيَة يتضاغون أمام رشد الحياة و اكتهالها و حكمتها.

لقد عهدوا ارتضاع الأمل الممزوج بمرارة الخوف و حرقة الشّوق الواهم .. و لمّا فطموا من ذلك المرتضع و حنّكتهم بحقيقتها التي كانت تخبّئها .. لم ينفكّوا تعاودهم ذكرى ذلك الحلم الذي عاشوا مدّة في تأمّله و سعوا دهرا من أعمارهم في تحقيقه .. و ينعكسُ الأمل نفسُه في أعمال حيواتهم فيعيد إليهم المذاق المعهود.

لو أنّهم فهموا ما تريد الحياة قوله:

إنّكم كلّكم أبنائي .. أحبّكم و إنّي مرسلة من الله إليكم ، محمّلة بكم ، لقد حملت بأنبياء الله و حملتكم في بطني .. لأحنّككم بما قدّر لكم و جرى به القلم .. من مصائركم.

مالكم لا تبدون مشاعر العرفان ؟ مالكم تتجهّمون في وجهي ؟

إنّكم لا تفهمون لغتي فتحقّرون الكلمات .. و تفزعون من المعنى بتذوّق أصوات الحروف .. لم تفهموا لغتي لفارق السّنّ بيني و بينكم و تذاهب الآماد بيننا ..

ويريد كلّ منكم عين أخيه و لونه و شعره .. وكلّكم له مكانه الذي لا يحسن إلاّ به ..

إنّ كلامكم الذي علّمكم ربّكم تتخاطبون به يحوي كَلِما لا يتفاضل و لكن يتعاضد و يختلف .. فكذلك مصائركم و معاشاتكم .. كلّكم أفضَل عندي .. و ما أنا إلاّ أنتم يا أبنائي ..

ألا إنّ رأس البلاغة الألم .. و البكاء و الحبّ ..

افهموا يا أبنائي ..

كلّكم من رحم طيّب كريم .. لم يأت أحد منكم من سفاح فأنكره .. لا يحسن بأحدٍ منكم إنكار أخيه و الادعاء عليه .. كلّكم مميّز عندي .. و لا يليق بأحد منكم إهدار قيمته و تقلّد غير نفسه ..

بقلم: عبد القادر

أضف تعليقك هنا