شكيب أرسلان : ما أسباب انحطاط وضعف المسلمين ؟! (1/16)

وصلت الشيخ محمد رشيد رضا رسالة الشيخ محمد بسيوني عمران إمام مهراجا جزيرة سمبس برنيو في 21 ربيع الآخر سنة 1348 يقترح فيه أن يكتب المجاهد أمير البيان شكيب أرسلان للمنار مقالاً عن أسباب ما صار إليه المسلمون ( ولا سيما نحن مسلمو جاوة و ملايو ) من الضعف والانحطاط في الأمور الدنيوية والدينية معًا ، وصرنا أذلاء لا حول لنا ولا قوة ، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز :{ وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } ( المنافقون : 8 ) فأين عزة المؤمنين الآن ؟ وهل يصح لمؤمن أن يدعي أنه عزيز وإن كان ذليلاً مهانًا ليس عنده شيء من أسباب العزة إلا لأن الله تعالى قال :{ وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } ( المنافقون : 8 ) .

و مالأسباب التي ارتقى بها الأوربيون والأمريكانيون واليابانيون ارتقاءً هائلاً ؟ وهل يمكن أن يصير المسلمون أمثالهم في هذا الارتقاء إذا اتبعوهم في أسبابه مع المحافظة على دينهم ( الإسلام ) أم لا ؟

وقد جاء  جواب الأمير شكيب أرسلان منشوراً في مجلة المنار المجلد 31 على ثلاث مقالات :

إن الانحطاط والضعف اللذيْن عليهما المسلمون شيء عام لهم في المشارق والمغارب لم ينحصر في جاوة وملايو ، ولا في مكان آخر ، وإنما هو متفاوت في دركاته ، فمنه ما هو شديد العمق ، ومنه ما هو قريب الغور ، ومنه ما هو عظيم الخطر ، ومنه ما هو أقل خطرًا . وبالإجمال حالة المسلمين الحاضرة – ولا سيما في القرن الرابع عشر للهجرة أو العشرين للمسيح – لا تُرضي أشد الناس تحمسًا بالإسلام وفرحًا بحزبه ، فضلاً عن غير الأحمسي من أهله .

إن حالتهم الحاضرة لا ترضي لا من جهة الدين ولا من جهة الدنيا ، ولا من جهة المادة ولا من المعنى . وإنك لتجد المسلمين في البلاد التي يساكنهم فيها غيرهم متأخرين عن هؤلاء الأغيار لا يسامتونهم في شيء إلا ما ندر ، ولم أعلم من المسلمين ممن ساكنهم أمم أخرى في هذا العصر ولم يكونوا متأخرين عنهم إلا بعض أقوام منهم ، وذلك كمسلمي بوسنة مثلاً فإنهم ليسوا في سوي مادي ولا معنوي أدنى من سوي النصارى الكاثوليكيين ، أو النصارى الأرثوذكسيين الذين يحيطون بهم ، بل هم أعلى مستوى من الفريقين ، وككثير من مسلمي الروسية الذين ليس المسيحيون الذين يجاورونهم أرقى منهم . ولقد كان المسلمون في أذربيجان قبل الحرب أرقى من الطوائف المسيحية التي تساكنهم ، ولا خلاف في أن مسلمي الصين إجمالاً على تأخرهم هم أرقى من الصينيين البوذيين ، هذا إذا كانت النسبة بين الفريقين باقية كما كانت قبل الحرب العامة ، وفيما عدا هذه الأماكن نجد تأخر المسلمين عن مسامتة جيرانهم عامًّا مع تفاوت في دركات التأخر .

ويقال : إن العرب في جزيرة سنغافورة هم أعظم ثروة من جميع الأجناس التي تساكنهم حتى من الإنكليز أنفسهم بالنسبة إلى العدد ، ولا أعلم مبلغ هذا الخبر من الصحة ، ولكنه على فرض صحته ليس بشيء ، يقدم أو يؤخر في ميزانية المسلمين العامة .

ولا إنكار أن في العالم الإسلامي حركة شديدة ، ومخاضًا عظيمًا شاملاً للأمور المادية والمعنوية ، ويقظة جديرة بالإعجاب ، قد انتبه لها الأوربيون وقدروها قدرها ، ومنهم مَنْ هو متوجس خيفة مغبتها ، لا يُخفي هذا الخوف من تضاعيف كتاباتهم ، إلا أن هذه الحركة إلى الأمام لم تصل بالمسلمين حتى اليوم إلى درجة يساوون بها أمة من الأمم الأوربية أو الأميركية أو اليابان .

فبعد أن تقرر هذا وجب أن نبحث في الأسباب التي أوجدت هذا التقهقر في العالم الإسلامي بعد أن كان منذ ألف سنة هو الصدر المقدم ، وهو السيد المرهوب المطاع بين الأمم شرقًا وغربًا ، فقبل أن نبحث في أسباب الانحطاط يجب أن نبحث في أسباب الارتقاء .

فيديو شكيب أرسلان : ما أسباب انحطاط وضعف المسلمين ؟! (1/16)

 

أضف تعليقك هنا

هيثم صوان

الكاتب هيثم صوان