في زمن تساقطت فيه الأقنعة .. شكرًا هدى حسين !

ما بين “ جيل الآيباد “ و “ جيل الطيبين “ معارك طاحنة عن أي زمن يتفوّق في جماليته ، صفائه ، بساطته  وطهارة روحه على الآخر. لا يمكننا نُكران – رغم كل سيء يُقال ، وكل سَلبي يُنسب لـ “ جيل الآيباد “ – جمال ، علم ، معرفة ، وتطور هذا العصر بما يحمله من اكتشافات  عديدة على كل الأصعدة ، بل لعل إيجابياته تتعدى سلبياته وإن كان بمقدار ضئيل. واقعًا ، إن ما نشهده من سلبيات مُقززة في هذا الزمان تصدر – غالبًا – من شخصيات يُفترض أنهم من “ جيل الطيبين “ كما يصفون أنفسهم .. تضج مواقع التواصل بين الفَينة والأخرى بمقاطع أقل ما تُوصف به أنها مُخزية ؛ سِباب ، تَعرّي ، إسقاطات ، نشر أفكار سطحية لا تُقدّس إلا المادة وعدد الخانات في الرصيد البنكي. والأدهى والأمَر أن بعض من نسبوا أنفسهم لعالم الفن ، الإذاعة ، والإعلام يتفننون في نَبش ما تحت الرُكام ، افتعال مشاكل من العدم ، ضرب من تحت الحزام ، ودَس السُم في العسل !

ومن جانب آخر .. يمكننا أن نشهد وبوضوح تام المعادن الحقيقية لشخصيات كانت معرفتنا بهم تنحصر على شاشة التلفاز لمدة خمس ساعات في الأسبوع ، والفضل يعود بالدرجة الأولى للبرنامج الثورة “ Snapchat “. برنامج لم يكن محببًا لي شخصيًا لكنه بطريقة ما أصبح من البرامج التي يستحيل علي تجاهلها لأكثر من ١٢ ساعة ، بل وأعترف أنه أحد أهم الأسباب التي جعلتني أقوم بعمليات غَربَلة للكثير من الأسماء التي لم أكن أرى فيهم إلا جميلًا ، لكنهم أبَوا إلا أن يفضحوا أنفسهم بأنفسهم وذلك لأني أرى حب واحترام قلبي لكبار الأخلاق ، الأفعال ، الأعمال ، ومَن لم تغيرهم الشهرة طرفة عَين عن جوهرهم.

بعض مَن فاتهم قطار تفادي الخطأ ابتدعوا صَرعةً جديدةً في عالم الـ Social Media بل وجديدة حتى على المنطق البشري العقلاني .. يقول البعض حينما يَشهد ثورة الجماهير على ما بَدَر منهم “ لو يعرفون ( فلان / فلانة ) الحقيقية ما هاجموهـ/ـا “ ! عذرًا من كل مُتبنٍ لهذه الفكرة ، لكن نحن بالفعل عرفنا “ فلانًا وفلانة “ الحقيقيين ، لأن تحت الضغط يظهر معدن الإنسان الحقيقي وما تُخفيه إهتمامات البشر المبتذلة من مجهورات عملاقة ، ملابس أرستقراطية وبقية الهوامش التي أصبحت – للأسف – مقياسًا لتحديد مكانة إنسان ما في عُرف فئة من البشر .. ثم ما عسى أن يدفع بإنسان ليَنتحل أكثر من شخصية ؟ لا أدّعي المثالية ، فكلٌ منا له مساوئ وعيوب ، لكن لماذا تُحرج نفسك بإظهار جانبك المُظلم ، القبيح ، الجاهل ، والسطحي للعالم وأنت تقف على أعلى مَنصّة على مسمع ومرأى من الجميع ثم تَتنكّر لحقيقتك ؟

من هنا ، أود الاستطراد للحديث عن قدوة حقيقية ، مُخضرمة أرضَت “ جيل الطيبين “ وتعايشت مع “ جيل الآيباد “ دون التخلّي عن هويتها ، مبادئها ، أخلاقها ، وحقيقة ما بين ضلوعها رغم خوضها غَمار عالم التواصل الإجتماعي دون استثناء لأي برنامج .. ( هدى حسين ) ، وما عسى أن يُكتب ليُوفي حق هذه القامة الفنية كالإنسانة ؟!

مشاعر فخر تجتاحني كلّما تعرّفت على جانب جديد من شخصية هذه العملاقة لأنني في ذات الوقت أكتشف دهليزًا آخرًا في شخصيتي .. لا أبالغ ولا أُطبّل ، لكن ( هدى حسين ) جزء من تربيتي ، أخلاقي ، مبادئي ، وفِكري. الأمر لا يقتصر على مجتمعنا الخليجي ولا عالمنا العربي فقط ، بل حين أشاهد إنحرافات بعض مشاهير الغرب في سن المراهقة والشباب وتُخترع لهم الأعذار و أنهم “ كبروا أمام الكاميرة وتحت أنظار العالم “ .. لا يتبادر إلى ذهني سوى ( هدى حسين ) ، ماذا عنها ؟ ألم تكن أُولى تجاربها في التمثيل وهي لم تبلغ الخامسة من عمرها ؟ ألم تكن ألسِنَة المجتمعات تَلهَج عن الطفلة الشقيّة ذات القدرات الفنيّة في “ حبابة “ ؟ ألم تَمضي في مشوار التمثيل والمسرح سويًا ولم تتخلّف عن ساعة من يوم دراسي ؟ ألم تُحِط بها أعين العالم وكان الجميع شاهدًا على مراحل نُموّها منذ نعومة أظفارها حتى بلغت ما بلغته اليوم في عالم الفن الدرامي والمسرحي ؟

رغم كل هذا ، تحوّلت “ الطفلة هدى “ إلى “ الأسطورة هدى حسين “ بخطى واثقة تثبّتها أجمل خِصال التواضع وأنبل صِفات التَعقّل. وهذا لم يحدث بمحض صدفة .. بعيدًا عن البيئة الخَصِبَة التي نشأت فيها ، اقتحمت الموهوبة بالفطرة عالم الفن من أوسع باب وأكثر المداخل حظًا – كما تصفه – .. حيث أنها تَربّت مع الكبار وعلى أخلاقياتهم .. مريم الغضبان ، خالد النفيسي ، سعاد عبدالله ، حياة الفهد ، علي المفيدي ، محمد المنصور ، مريم الصالح ، غانم الصالح ، إبراهيم الصلال ، جاسم النبهان ، وغيرهم الكثير من أعلام الفن الكويتي والخليجي .. وبسبب صِغَر سِنّها في ذلك الحين ، أصبحت ( هدى حسين ) همزة الوصل ما بين عراقة الماضي وتَجدد الحاضر ، هي آخر ما تبقى من زمن يتمنى الجميع عودته بكل أحواله وأدق تفاصيله .. لن أبتذل الحديث وأنقل إشادات من عَمِلَ معها وتعرّف عليها عن كثب ، بل ما شهدته وأحسسته أنا كـ “ بشاير عبدالله “ من ناحية إنسانية بعيدًا كل البعد عن إطار الشاشة.

تصالح ( هدى حسين ) التام مع نفسها كان أطغى من نجوميتها ، أقوى من شهرتها ، أكثر تأثيرًا من مكانتها الفنيّة ، وأجبر كل العوائق والحواجز بين النجم والجمهور على الخضوع حتى أصبح تواجدها في الحياة اليومية لمحبيها أمر حتمي وحين غيابها يفتقد ذاك اليوم أحد أهم فتراته

أسعفوا ذاكرتي ..

هل سبق وأن قدّم فنان عملاق رأي جمهوره على رأي أهله وأقربائه ؟

هذا ما فعلته وطبّقته ( هدى حسين ) قبل تقديم أوراق ترشيحها الرسميّة في مبادرة “ صُنّاع الأمل “ تحت رعاية سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم .. تساءلت مرارًا حينها ومازال السؤال يراودني بين الحين والآخر ؛ لماذا أقدمت على هذه الخطوة ؟ لماذا كان رأينا كجمهور هو الفَيصل في أمر شخصي وخطوة كبيرة على الصعيد الإنساني لها كـ ( هدى ) فقط بعيدًا عن كل أضواء الشهرة ؟ لم أجد جوابًا إلا أن أهمية وجهة نظرنا لآرائها ومشاريعها – حقًا وصدقًا – تهمها ، بل وكفّتنا تَرجح أحيانًا على كفة أقرب الأقرباء لها ومن لازمها طيلة مشوارها.

ساعدوني ..

أيوجد فنان مُخضرم يَقتطع من وقت راحته الخاصة ليقضي ساعات منه مع جمهوره ؟

هذا ما ألِفناه من ( هدى حسين ) بشكل شبه دائم عبر تطبيق Instagram بتبادل أطراف الحديث من خلال التعليقات ، ومؤخرًا من خلال الخاصيّة الجديدة في البرنامج “ Live “ .. لم ولن يكون هذا واجبًا عليها يومًا ، لكن وعلى الرغم من هذا لم تتوانى عن تكرار الإعتذار في السنة الأخيرة نظرًا لانشغالها الدائم وتقلّص حجم التواصل المباشر مع محبيها كما اعتادوا منها

أسألكم وبالله أجيبوني ..

هل يوجد فنان كبير أو صغير يُبرر ويراضي مَن ينتقد لمجرد النقد والهجوم اللاذع ؟

هذا ما قامت به ( هدى حسين ) بعد عروض مسرحيتها الأخيرة “ عائلة آدم “ في عيدَي الفطر والأضحى ، حين قامت بمضاعفة جهدها حين قامت بتمديد فترة العرض بسبب سَيل القَبول لحضور المسرحية بالإضافة لزيادة عدد العروض في بعض الأيام .. وعلى الرغم من كل هذا قُوبِلَت بشيء من الجفاء ونقد الهوامش متناسين ومتغافلين عن الجهود المبذولة لإرضاء أكبر عدد ممكن من روّاد مسرحها .. قامت بالرد الشخصي على هذه الفئة من المُتصيدين في محاولة منها لإيضاح صورة كانوا قد تغافلوا عنها

هنا أتساءل .. ما عسى أن يكون رد أحد النجوم الجُدد أو بعض مَن أصابهم داء العَظَمة لو قُوبِل جهدهم اللامتناهي بانتقادات ساذجة لا تحمل بين طيّتها أي أساس من الصحة ؟ أكاد أجزم أنهم لن يقابلوا هذه الإنتقادات إلا بحظر قائليها من متابعتهم واتباعه بـ “ يغارون مني ، يتمنون يصيرون مثلي ، إلخ “ .. هذا أيضًا بخلاف ما يُقال من ألفاظ دون مراعاة للفئات السنية المختلفة التي تتابع هذا “ الفنان “.

خلاصة ما سبق : نعيش زمنًا رائعًا أتاح لنا معرفة حقيقة أشخاص كنا قد خُدعنا لسنوات عدة بأقنعة زائفة يرتدونها عند “ آكشن “ ويخلعونها بنهاية الحلقة الثلاثين .. لكنه زمن قَلّت فيه الجودة وكثُرت فيه الشكليات الزائفة ، زمن تسارعت فيه العَجَلات حتى افتقد فيه الفن لجهابذته .. لهذا وَجَب قَول : “ شكرًا ( هدى حسين ) .. شكرًا لنُبل مشاعرك ، شكرًا لشفافيتك ، شكرًا لصراحتك ، شكرًا لعَفَوية تصرفاتك ، شكرًا لطهارة قلبك ونقاء روحك .. شكرًا ( هدى حسين ) ، لوجوك الصادق في زمن تساقطت فيه الأقنعة “ !

فيديو في زمن تساقطت فيه الأقنعة .. شكرًا هدى حسين !

أضف تعليقك هنا