الطقوس الحسينية وأثرها في تشكيل الهوية المذهبية المعادية للأمة – الجزء (١)

صور اللطم عند الشيعة

بقلم: محمود أبو عبد العزيز القيسي

الحديث عن الهوية التي تؤسس لها هذه الطقوس ليس من قبيل الترف الفكري , بل حديث عن طرق التأسيس والتوظيف لهذه المؤسسة الإجرامية التي عاثت في الأرض فساداً , ووسيلتها التي خفي أثرها في التأسيس لذلك الإجرام وذلك الفساد ,  والذي شكل لهم الهوية , وحدد لهم القضية , ورسم لهم بدايات ومآلات الطريق .., وهو الذي يشكل لهذه الطائفة المارقة من الدين ومطلق الإنسانية البصمة التي تميزها عن غيرها , وهو الثابت القابل للاستحداث والتجديد , ولكنه في ذات الوقت غير قابل للتغيير والتبديل أو الاستعاضة .., فهم يعلمون ويطلبون البقاء والتميّز بتلك الطقوس وإلا فقدوا الخطوط العامة والأساسية لهوية التشيع , إذ إن التشيع بدون تلك الطقوس خاوٍ فكرياً وليس له رصيد من العمل أو الحركة في جوانب الحياة , ما يهدد شبكة العلاقات الاجتماعية فيه بالتلاشي ,  ثم تكون النتيجة السقوط المدوي والتداعي وطمس معالمه من الوجود , ومحو الأثر من ذاكرة التاريخ .

يعرف الجرجاني الهوية بأنها: [  الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق , اشتمال النواة على الشجرة في الغيب ]  [1]

ويمكننا القول عن هذه الطقوس : بأنها تشكل الجوهر والمظهر عند عامة الشيعة , كذلك هي تشكل وتؤسس لتلك المادة الإعلامية الدينية , والتي من نتاجها المحافظة على تلك الهوية , يقول الشيخ محمد السند في كتابه الشعائر الحسينية بين الأصالة والتجديد 1/ 189:

[ أحد وظائف الشعائر الدينية حيث تؤدي دور الإعلام والبث الديني  , ومن نتائجها المحافظة على الهوية الدينية في بيئة المسلمين , لأنه لولا الشعائر فان الدين سوف ينكفئ شيئاً فشيئاً , وتتغير المفاهيم الدينية , بل تنقلب رأساً على عقب , وتصبح  منكوسة الراية ]

ولاشك أن تلك الطقوس ومن خلال التكرار المنتظم تؤسس لمجتمع يتميز بالخصوصية المطلقة والتي لا يمكن معه التناغم أو التآلف مع أي محيط لا يشركه الرأي في تلك الطقوس , وهذا التكرار لتلك الطقوس يؤسس ويرسخ المعتقد في الذهن والجسد , وذلك بحسب ما يسميه علماء الاجتماع ؛ التطبع,  خصوصا وأن تلك الطقوس ممتلئة بالشحنات الروحية والوجدانية , ومن خلال ذلك التكرار المنتظم تتم عمليات التنشئة وعمليات الاكتساب والتلقين الثقافي والعقائدي , الأمر الذي يسهم في ترسيخ القناعات والميول في الذات أو المجتمع .

لقد وجدت من خلال سبري للواقع والوقائع والتأريخ والجغرافية أن الدعوة إلى تلك الطقوس  تخدير للذهنية الشيعية , بل هي عملية اغتيال للعقل , وخطف لتلك الروح التي طالما عرفتها محبة للخير مبغضة للشر , ولكنك تجد عجباً حينما تتلبس تلك الطقوس  بهؤلاء البسطاء فتجعل منهم وحوشاً ضاريةً لا تعرف عدلاً ولا عقلاً , ومع كل ذلك فإن الشيعة على مر التأريخ وقيام الدولة أو الدويلات الخاصة بهم لم ينل عامتهم من تلك الحكومات سوى البؤس والحرمان , فيما يتمتع فيها المراجع والقادة بالمال والنساء والضياع, وكأنك ترى الشيعة قد أبرموا عقداً مع حكوماتهم , فللعوام حرية التعبد , وللحكومات الفضاء المطلق في العبث بالمال العام ومقدرات الشعب  والبلاد.

وكثيراً ما كنت أراجع ما كُتب حول الثورة الحسينية ومن مختلف المصادر ؛ فوجدت أن حقيقة أهداف عاشوراء قد مسخت وطمست عبر تلك الطقوس , كما لاحظت ملياً استغلال واستثمار تلك الطقوس في التخدير والتغرير في ذات الوقت ,  وبشكل عام فان قوة تلك الطقوس في تشكيل هوية  المجتمع وتحقيق تطلعاته وبث خططه أمر لا يمكن إخفاءه , كما لا يخفى أن تلك الطقوس والمجالس تعتبر الملاذ الأخير لجميع الشيعة في العالم , فمن خلالها يمكن التعبير عن مناهضة أي حكومة قائمة أو هالكة بصور متعددة دون أن تجلب لأصحابها التهمة أو الشنعة .

عناصر الهوية في الطقوس الحسينية:

تحمل الطقوس الشيعية  عناصر عدة شكلت الأساس والعلامة الفارقة  للهوية الشيعية المميزة , وإن أهم تلك العناصر :

1 –   الولاء والبراء

حيث  تبرز الطقوس وبشكل جلي عقيدة الولاء والبراء , وترسم ملامحه وشواهده أمام الخاص والعام , فهذه الطقوس ليست أدوات لجلد الذات أو مجرد انفعالات تعبر عن حالة من التعاطف لمشاهد الطّف , بل هي دعوة صميمية لتولي وتبني كل مظاهر التشيع , والبراءة والعداء لكل مظاهر التسنن , يقول الشيخ رضا باباني :

[ ولا داعي للتذكير بأن إقامة العزاء الحسيني هو من أبرز مصاديق التولي والتبري , إذاً فالبكاء والعزاء نقطة البداية في إحياء أصل من أصول الدين وهو الإمامة , فتقوى بذلك شوكته . ] [2]

وعن الإمام الصادق في تفسير قوله تعالى :[ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون] [الأنعام : 82],  قال آمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله , ولم يلبسوه بظلم , أي لم يخلطوه بولاية فلان وفلان – أي الإيمان بحكومة أبي بكر وعمر – ][3].

التعايش الشيعي مع المحيط السني

ومن خلال هذا الإطار وتلك الدعوة فإنه يؤسس لذلك المجتمع الذي يرفض ابتداءاً التعايش مع محيطه السني , ويتدين بالعداوة له  , والعمل على زعزعته , ونشر الفتن والفوضى فيه , وتمزيق نسيجه من أجل التهيئة لإجتثاثة واستئصاله  , وليس هنالك من بأس في أن تبدأ مظاهر العداء وشواهده من قاعدة الهرم ؛ وهي المجتمع , أو من قمته ؛ وهي الحاكم السني , فأما تناولهم لقمة الهرم في المجتمعات السنية , فشواهد التاريخ في ذلك كثيرة منها وأبرزها ؛ طريقتهم في اغتيال  عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي وأمثالهم من قادة الأمة في القديم والحديث , وأما استخدامهم للقاعدة وتأليبها وتحريضها على قادة الأمة فيتجسد في كثير من مشاهد التاريخ ؛ أبرزها طريقة اغتيال الخليفة الراشد : عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه .

الطقوس الحسينية والوحي!

وهذه الطقوس لا تمثل عند الشيعي مجرد آيدلوجيه , وإنما هي العلم والعمل الشامل والمحيط , بل هي وحي السماء , كما صرح بذلك بعض زعامات التشيع , وهي الميزان المستقيم , والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , وهي تلك المنظومة القيمية والتي تحدد لأي شيعي السلوك العام في المجتمعات المؤالفة والمخالفة , وهي الخط النسبي المستقيم الذي يوصلهم لهدفهم المنشود ولو كان بتلك المرحلية البطيئة.

إحياء الطقوس الحسينية وإعلان الهوية الشيعية في كل بلد

ويمكننا القول إن التشيع يتمحور في كل مكان وزمان على تلك الطقوس حيث أنها تحمل كل عناصر التشيع , كما أنها تحمل كل أسباب البقاء والديمومة , وهي أفضل الأدوات على الإطلاق في إعلان الهوية الشيعية المشتركة , فمن خلال تلك الطقوس يمكن الإشارة إلى قوة الحضور الشيعي  وتمكنه في تلك البلاد التي سمحت بتلك الطقوس , ومن خلالها أيضا يمكن معرفة حجم الضغط  للقوى الشيعية السياسية , وذلك من خلال النظر إلى مآلات تلك الطقوس والتفاوض مع تلك الحكومات وفق تلك الدلائل والمؤشرات.

الطقوس الحسينية وعلاقتها مع العقيدة

إن الشعائر أو الطقوس هي أقوى وأشد رسوخاً في حياة الإنسان , بل هي أشد رسوخاً من العقيدة نفسها , وذلك لأنها سهلة المنال , ولأنها تعبير حقيقي وصميمي عما تجيش به تلك النفس من عقد وكوامن , ولأنها تعبير صارخ لكل تلك الخلجات والضمائر  , ولأنها تعبر عن عيد حقيقي لتلك الطائفة تنتظره  كل عام ليزيح همها , ويزيل كربها , لذلك من الصعب إزالة تلك المظاهر , بل إنها أصعب من إزالة الاعتقاد نفسه , وذلك بسبب التعامل المباشر مع تلك الظواهر والطقوس .

وما لا يكون بالفكر والعقيدة , قد يمكن أن يكون بالتصور والعقل الجمعي . وبهذا العقل يمكن اختزال كل العقيدة بتلك الطقوس والمظاهر , بل ربما بمظهر واحد , ومن ثم يكون هذا المظهر هو العقيدة نفسها التي يقوم عليها الولاء والبراء وبصورة مطلقة .

إن هذه الروح المأزومة والتي تقوم بكل تلك الطقوس وتشكوا في كل حالاتها من الضعف والاستضعاف والمظلومية تلتئم وتطيب أثناء قيامها بهذا الفعل , كما أنها تتفاعل مع الروح الثورية التي تساعدها على الحركة والهيجان وبشكل منفلت , فتقف مانعاً وعائقاً أمام أي جسم أو كائن غريب ؛  وهي النواة لكل راكب وداعي لأي ثورة تنفس ابتداءاً أو تعبر عن تلك الطقوس , وان كان ذلك الداعي هو الشيطان الرجيم …

والطائفة ومراجعها مدركون لتلك الحقيقة , لذلك فهم من أحرص الناس على بقائها وإدامتها ,

وفي ظل هذا المخاض العسير  ؛ يجب علينا أن ندرك حقيقة مطردة ألا وهي أن الشعوب دائما وأبداً منتجة للمعتقدات الشعبية الممزوجة بالخرافة والأساطير إن خلت من قيام دعوة الحق . ., فعلماء الملة هم وحدهم دون سواهم يمثلون المصفاة التي تنقي كل تلك المنتجات الملوثة بالخرافة والوهم , وإذا ما تعطلت تلك المصفاة , تلوث مناخ الأمة كله , وصار من المستحيل ديمومة الحياة فيه .

المراجع:

  • [1] التعريفات للجرجاني 314
  • [2] ] مجالس العزاء الحسيني بدعة ام سنة  ص 338
  • [3] الكافي: 1/ 413

بقلم: محمود أبو عبد العزيز القيسي

أضف تعليقك هنا