المخدرات والتطرف الحب البديل لمشاعر مفتقرة

 

“أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء” مشاعر إيمانية مُسَلمة لحبيب لا ريب في قربه ورحمته! مشاعر مستوحاة من آية قرآنية تعني الخلاص من كل هم ولكن لمن يؤمن بها. مشاعر تبعث الأمل والعزم والدفء والأمان المطلق في قلب من يعتمد عليها. هي مشاعر لا تُشترى بثمن. ولكن من لا يملك تلك المشاعر هل سيبحث عنها ولو بأغلى ثمن؟

عندما يكون الإنسان مفتقراً للوعي جاهلاً لا يملك أدنى مهارات التعامل مع المتغيرات من حوله. هنا يكون عرضةً أكثر للبحث عن مصدر للمشاعر المفقودة في حياته وقد يقوده ذلك البحث إلى عالم مليء بالمشاعر الصناعية!

حينها قد يلجأ الإنسان إلى الكيمياء، أدوية يتداولها الكثير، مزلق الأدوية النفسية وتحسين المزاج، بالطبع فإن هذه الظاهرة تنتشر عالمياً حتى في دول الغرب والدول المتقدمة، يضاف إليها كل أنواع الخمور والمواد الطبيعية التي تشارك في ذلك. ولكن دعونا في هذه المقالة نلقي الضوء على بعض الأسباب الرئيسية التي قد تساهم في انتشار هذه الظاهرة في بلادنا وخصوصاً بين المراهقين وصغار السن.

1- الأسرة أساس البناء العاطفي

لنعتبر أن الأسرة أو العائلة الأولى هي جوهر البناء النفسي للفرد، فكيف للأسرة أن تبني شخصاً قوياً قادراُ على التصدي لصدمات الحياة وتخطيها بصمود وتحدي وكثير من التفاؤل دون الحاجة للجوء للكيمياء والمشاعر المصنعة.
في الواقع ومع التغيرات والتقلبات في شكل الاسرة وفي تركيبة المجتمع، ومع تصارع الأدوار بين المرأة والرجل، الزوج والزوجة، وفي ظل مجتمعات استهلاكية أكثر تبعيةً وتأثراً بالآخرين، نجد أنه من الصعب على كثير من صغار السن والمراهقين مواجهة الكثير من التحديات النفسية أو تصنيفها كمشاكل معرفة النفس والمهارات الشخصية، الاعتزاز بالذات واحترام الآخر، مهارات الحوار والتفكير المنطقي. لنضع النقاط على الحروف ونعترف، هذه مهارات لا يعطيها نظام التعليم تلك الأهمية ويقابل ذلك أيضاً تراجع في دور الأسرة والمجتمع.

– عندما تغيب الأم المربية

وهنا نبدأ أولاً بدور الأم في التوعية، فعلى سبيل المثال عندما يقضي الطفل سنوات حياه الأولى في أحضان دور الرعاية أو في بيت مُهمَل تحت رعاية الخادمة المنزلية مثلاً لأن والدته كثيرة الانشغال بأمورٍ أخرى، بغض الطرف عن أهمية تلك الأمور، نجد حينها أن هذا الطفل سيكمل سنوات حياته الأولى واللاحقة بعيداً أيضاً عن أحضان أمه، بالطبع لابد أن يولد هذا البعد نوعاً من تبلد المشاعر وقصور التواصل بين هذا الطفل وأمه، بعد سنوات معدودة كثيراً ما يصبح هذا الطفل عِبئاً مزعجاً على الأم وأحياناً كثيرة على البيت برُمتِه أيضاً. تجده يؤذي إخوته الصغار، يتعدى على حقوقهم، يمارس الكثير من الأخلاقيات الغير مقبولة، لا يعود يأبه لصراخ أمه، ولا يعير مشاعرها تلك الأهمية ويبدأ تبعاً لذلك حبل التواصل بالانقطاع الأمر الذي يصعب أو يستحيل استعادته لاحقا!
وهنا مربط الفرس، فحبل التواصل هذا هو امتداد للحبل السري الذي غذا الطفل واحتضنه ورعاه حتى اكتمل إنسان. فهو حبلٌ يظل الإنسان يرتوي منه مشاعر الود والرحمة والحب، مشاعر الحياة التي تعطيه القوة لينهض وليستمر فخراً وسعادةً.
ولكن ماذا عن حين انقطاعه؟ من أين سيستشري ذاك الإنسان معالم الرحمة والحب وكيف سيعرف تلك المشاعر وتتكون بداخله صورة ومعنى لها؟
هنا نضع علامة الاستفهام الأولى ونتبعها بالكثير والكثير من التساؤلات لنكمل دور باقي أفراد الأسرة فبعد ذكر لمحة سريعة عن تأثير مستوى التواصل بين الأم وطفلها في نشوء ظاهرة الحب البديل، ننتقل لنذكر دور الأب في ذلك. ولنا أن نسرد قصصاً عجباً في هذا الباب، ولكن دعونا الآن نرسم صورة مختصرة ولمحة خاطفة عن هذه الأدوار.

– الأب والأمان النفسي

الأب هو روح المنزل الذي يضفي برضائه ومحبته روح السلام، حضوره يجلب الفرحة والأمان لأرجاء المنزل، ولكن ماذا حين تنطفئ تلك الصورة، ويصبح حضور ذلك الأب مصدراً للقلق ومبعثاً للاستياء؟
حينها كيف نتوقع لروح التواصل بينه وبين عائلته أن تستمر؟ لكم أن تتخيلوا ذاك الطفل الذي ينادي اباه لسنوات عدة ليشاركه لعبة ما أو تسليةً ما، فلا يجد الطفل بعد لك في جعبته سوى ذكرى أو اثنتين إن وجد، ذكرى يستنشق منها عبق حب والده، وكثيراً ما تفشل هذه المرات المعدودة في ملء فراغ الاحتياج للحب والأمان لذاك الطفل فلا روح تنشأ ولا لغة تواصل تبقى لتبث بداخله تلك المشاعر التي تحميه وتشكِّل له واقياً برزخياً يحول بينه وبين الانهيار في أقسى طقوس الحياة.
حينما يفتقد الطفل تلك المشاعر ولا يُفتحُ لها عنواناً ولا مجلداً في ذاكرته، ستصبح غير ذات معناً بالنسبة إليه، حينها سيذهب بعيداّ باحثاً عن روح تملء فراغه، روحٌ تتقبلهُ وتحميه وتحبه كما هو!
ولكن إلى أين؟ وأي طريقٍ يمتلك ذاك الإنسان مفاتحه وهو لا يزالُ غضاً نظير؟ أليس أقرب ما يكون إلى المشاعر الكيميائية والحب البديل؟
إنه الطريق الذي يجد أقفاله سهلةً بين يديه دون كدٍ أو تعب! أقفالٌ ملاقاة مهملة في الطرقات، فقط عيك أن تنزل الحارة، وما أدراك ما الحارة؟!

2- الحارة وأبوابها

قديماً وفي الزمن الماضي كانت الحارة تعج بأناس هم منَّا وفينا -كما يصف القدماء الحارة-نعرف تربيتهم وأخلاقهم لم يكن هناك الكثير من المشتبه بهم يدورون في الحي دون سببِ أو غاية، من يفسُد يُعرَف بفساده ويُحذر منه.
أما في عصرنا هذا فالاختيارات متاحة بأنواع شتى وحَذارِ من أبوابٍ برَّاقةٍ في مظهرها خدَّاعةٍ في ذاتها تُفتحُ على مِصراعيها على عتبة جاهلٍ أو غاو، ماذا ستكون النتيجة؟
إذن فلكلٍ مسؤوليته في رفع الوعي العام، ولأن الشارع هو انعكاس للثقافة والوعي فله مسؤوليته، ونظافته المادية والمعنوية هي مسؤولية فردية ومجتمعية، اتعجب كثيراً لكم الفساد والضعف النفسي الذي يعيشه الكثير من شباب بلادي.
– فكرة مركز الحي التعليمي والثقافي
مجتمعنا بحاجة لأموال تُخصص لرفع ثقافة المجتمع من الآباء والأطفال والشباب، فما هو متاح لا يكفي ولا يسمن من جوع!
نحنُ بحاجةٍ إلى صحوةٍ فكريةٍ، وكثير من الأموال لتخصص في بناء مراكز عامة في جميع أحياء البلاد لتعليم أساسيات ومهارات البناء النفسي السوي، لتؤثر لاحقاً في خلق شخصيات أكثر وعياً ونجاحاً على نطاق واسع لتستوعب كافة طبقات المجتمع. هذه المراكز قد تهيئ كأندية فكرية للتحفيز على القراءة والتنقيح صفوف ومسابقات للعبة الشطرنج مثلاً، صفوفٌ للرسم الحر وبعض الفنون، معامل ومختبرات لمحبي التجارب والعلوم والكثير الكثير مما قد يساعد في رفع الثقافة العامة والوعي ويساعد على تسريع عجلة التطور والتنمية من الناحية البشرية وأيضاً الاقتصادية!
مثل هذه الأنشطة ستكون بيئة حاضنة لكثير من المواهب والطاقات البشرية توحي بالكثير من المشاعر التحفيزية والإيجابية، لشباب كثيراً ما يبحث عن ذاته ويحلم بمستقبلٍ أفضل.

3- الخاتمة

إن الشباب بناءُ الوطن بكلِ مكوناته، ومن زرع يحصد، وهو زرعنا معاً، كلٌ له دورٌ ليلعبه، ولكن السؤال الأهم من مِنَّا يلعبُ دوره على أكمل وجه؟ أو يضع واجباته وتوقعاته دوماً نُصُب عينيه؟ دون لومٍ للآخرين وقذفٍ للاتهامات، والضحية أخيراً هي جيل كثيراً ما يوصم بقلةِ الوعي بذاته ومجتمعه وبالعالم المتسارع من حوله!
وتبعاً لذلك هو غير مستعد بعد للعيش في عالمٍ منفتح من كل النواحي فكرياً وأخلاقياً دينياً وفلسفياً، فهو لا يمتلك بعد أولى المهارات النفسية والشخصية التي تمكنه من شق طريقه في هذا العالم المنفتح، وفي كثيرٍ من الحالات فإن هذه المهارات ليس لها وجود في قاموسه. هذه صورة قد تصادفها كثيراً في بلادي إن أردت فعلاً البحث عن الحقيقة.
ولكن اين مكمن المشكلة الآن؟ تتركز خطورة هذا الجهل فيما هو أبعد من ذلك، في طرق البحث الواهية عن المشاعر الإيجابية والانتماء بطرقٍ تؤتي أكُلَها دماراً وضياع!
هنا يكمن الخطر، كمٌ كبير من المشاعر المفتقرة في شوارعنا وفي أحيائنا، تقذف بالكثير للبحث عن تلك المشاعر بطرق أخرى تطرفية أو كيميائية ومهما كانت تلك مشاعر مزيفة وباهظة الثمن إلا أنها المعروف والمتاح وللأسف الأكثر قبولاً ورواجاً بين فئة المراهقين والشباب.

فيديو المخدرات والتطرف الحب البديل لمشاعر مفتقرة

 

أضف تعليقك هنا

سميه الهادي

سميه الهادي